سلايدر

آخرها انقلاب النيجر.. كيف أطاحت روسيا بموازين القوى الأوروبية في أفريقيا؟

حرب بالوكالة بين موسكو والغرب على أراضي القارة السمراء

 

عبد الغني دياب

في أواخر يوليو الماضي استيقظ القارة السمراء على انقلاب عسكري جديد في النيجر، ليتجدد معه الحديث عن عدم الاستقرار السياسي الذي تعيشه منطقة الساحل والصحراء وبلدان غرب أفريقيا عموما، إلا أن اللافت للأنظار في هذه التحركات التي أطاحت بالرئيس محمد بازوم، هو أن المتظاهرين الذين خرجوا للشوارع دعما لتحركات العسكريين كانوا يلوحون بعلم روسيا ويحرقون علم فرنسا.

الغرب الإفريقي يرفض فرنسا ويرحب بروسيا

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي  تتصاعد فيها مظاهر الرفض الإفريقي للتواجد الفرنسي تحديدا والغربي عموما، ففي مالي التي شهدت تحركات عسكرية مشابهة خلال العام 2021 كانت المشاعر نفسها حاضرة، حتى أن باريس اضطرت لسحب جنودها من مالي نزولا على رغبة السلطة الجديدة في البلاد، ووقتها لم تنجح محاولات الوساطة التي قادها تجمع “إيكواس”(منظمة إفريقية معنية بدول غرب أفريقيا) في إقناع الانقلابيين بالتراجع عن مواقفهم وبناء على ذلك فقدت فرنسا مواقعها هناك حيث كانت مالي منطقة ارتكاز لقوات عملية بارخان الفرنسية التي أطلقتها باريس لمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء.

تمثال لجنود فاغنر في أفريقيا الوسطى

بعد انقلاب مالي بأشهر قليلة وتحديدا في فبراير 2022 وبينما العالم يسعى لإيقاف الغزو الروسي لأوكرانيا، نظم احتفال رسمي في مدينة بانغي عاصمة أفريقيا الوسطى لافتتاح نصب تذكاري تخليديا لجهود الروس في هذه البلد الإفريقي، حيث أقيم تمثال لمقاتلين روس يحمون امرأة وأطفالها، ووقتها شارك حوالى مئة شخص في المراسم التي أقيمت لتوجيه “الشكر” لعناصر قوات فاغنر الروسية (وهي قوات روسية شبه عسكرية) على “إنقاذ” جمهورية إفريقيا الوسطى من خلال مساعدتها في محاربة المتمردين.

 

حرب بالوكالة بين موسكو والغرب على أراضي القارة السمراء
حرب بالوكالة بين موسكو والغرب على أراضي القارة السمراء

يتربع التمثال الذي يطلق عليه سكان المدينة اسم “معلم الروس”، على ساحة ترابية في وسط العاصمة قرب الجمعة، حيث توافد حوالى مئة شخص من كل الأعمار الأربعاء للتلويح بعلمي روسيا وإفريقيا الوسطى أمام جنود من وحدة النخبة وعسكريين وشخصيات قريبة من السلطة.

فاغنر تتمدد في أفريقيا

وخلال السنوات القليلة الماضية انتشرت مجموعات فاغنر في أكثر من منطقة أفريقية بداية من ليبيا التي تتواجد فيها المجموعة لحماية المصالح والاستثمارات الروسية هناك انتقالا إلى مالي وبوركينا فاسو والسودان وأفريقيا الوسطي وغيرها من البلدان.

ويركز الروس على التمدد في بلدان الشمال والغرب ووسط أفريقيا، كما أن لديهم علاقات قوية مع عدد من بلدان الجنوب والشرق الأفريقي لا سيما إثيوبيا وجنوب أفريقيا، وتعمل الشركات الروسية في عدد غير قليل من المجالات في أفريقيا على رأسها الصناعات الدفاعية والتعدين وتسويق المعاذن الثمنية وتدشين محطات الطاقة والبنية التحتية.

وفي السودان كانت تقارير إعلامية تتحدث قبيل اندلاع الصراع بين قوات الجيش السوداني ومجموعة الدعم السريع، عن قاعدة عسكرية روسية في منطقة بورتسودان الاستراتيجية المطلة على البحر الأحمر، وبالفعل صدرت موافقة سودانية مبدئية على توقيع اتفاقية عسكرية بين موسكو والخرطوم.

الاتفاق المزمع كان ينص على أن تستضيف بورتسودان 300 عسكري روسي على أن تمتد الاتفاقية لمدة 25 عاما قابلة للتمديد مستقبلا، وهو ما رفضته الولايات المتحدة ودولا غربية حتى أن وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، طالب في تصريحات له نشرتها وكالة “نوفوستي” الروسية، الولايات المتحدة الأمريكية بعدم التدخل في الأزمة السودنية الحالية، وترك الأطراف السودانية المتصارعة للتفاوض فيما بينها.

حرب بالوكالة بين موسكو والغرب على أراضي القارة السمراء
حرب بالوكالة بين موسكو والغرب على أراضي القارة السمراء

وقال لافروف، إن على طرفي النزاع في السودان التفاوض في ما بينهما، حيث “لا خير في الهندسة الجيوسياسية”، مذكّرا الأمريكيين بأنهم هم من قسموا السودان بتدخلاتهم، إلى السودان وجنوب السودان.

ولم تحل الحرب القائمة منذ أكثر من عام بين روسيا وأوكرانيا موسكو من التمدد، إذ لم تقلل موسكو من طموحاتها في جنوب الكرة الأرضية. وخلال العام الماضي، ضاعفت روسيا تركيزها على منطقة الساحل الإفريقي، وهي جزء مضطرب من القارة يمتد تقريبا من السنغال إلى البحر الأحمر، وذلك عبر الاستفادة من أخطاء السياسة الغربية، وتزايد المشاعر المعادية لأوروبا في الأوساط الشعبية الإفريقية، والفشل الطويل الأمد للجهات الفاعلة الدولية والمحلية في معالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار الإقليمي.

تراجع أوروبي

وفي المقابل شهدت الأعوام الماضية تراجعا أوروبيا في كثير من المناطق الأوروبية، خصوصا فرنسا التي كانت تمثل اليد الأوروبية العليا في بلدان غرب ووسط أفريقيا أو البلدان الفرنكفونية والتي كانت مستعمارات فرنسية في السابق، إلا أنها مؤخرا اضطرت لسحب قواتها من مالي، وتزامن مع ذلك توسع في الاعتماد الإفريقي على الروسي حتى أن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أكد أن روسيا كانت مصدر 44 ٪ من الأسلحة التي تم بيعها إلى الدول الأفريقية بين 2017 و2021.

صدام أفريقي فرنسي بعد انقلاب النيجر

وعقب وقوع الانقلاب في النيجر هددت فرنسا بالتدخل عسكريا لإعادة الرئيس بازوم للحكم مرة ثانية، إلا أنها اصطدمت بتأييد شعبي واسع للعسكريين في البلاد على المستوى الداخلي وتهديد آخر على المستوى الخارجي جاء من المجلسين العسكريين الحاكمين في مالي وبوركينا فاسو المجاورتين الذين تعهدا بالدفاع عن النيجر إذا لزم الأمر، وقال جيش مالي اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي إن البلدين يرسلان وفوداً إلى نيامي لإبداء الدعم.

ورداً على موقف بوركينا فاسو الرافض لأي تدخل عسكري في النيجر، أعلنت فرنسا عن تعليقها لمساعداتها التنموية وتلك المتعلقة بدعم الميزانية لهذه الدولة الإفريقية.

حرب بالوكالة بين موسكو والغرب على أراضي القارة السمراء
حرب بالوكالة بين موسكو والغرب على أراضي القارة السمراء

كانت وزارة الخارجية الفرنسية، قد أكدت في بيان لها أن باريس تدعم بـ”ثبات وحزم” جهود “إيكواس” لإعادة بازوم إلى السلطة، ولم تحسم فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، ما إذا كان دعمها سيشمل دعماً عسكرياً لتدخل “إيكواس” في النيجر.

من جانبهم، اتخذ قادة الانقلاب في النيجر مواقف واضحة ومناهضة لفرنسا بمجرد وصولهم إلى السلطة، كما اتخذوا إجراءات استعدادية لأي تدخل عسكري مُحتمل، بدءاً من نشر شبان في الشوارع لرصد “تحركات غير مشبوهة”، وصولاً إلى إعلان المجلس العسكري الحاكم، أمس الأحد، عن إغلاق المجال الجوي للنيجر حتى إشعار آخر، وقال المجلس إنه ينشر قواته استعدادا لمواجهة أي تدخل

قلق أوروبي من تنامي الدور الروسي في أفريقيا

وأمام هذه التغيرات التي تحدث على الأرض في أفريقيا أبدت أطرافا أوروبية أخرى القلق من تنامي الدور الروسي الداعم للانقلابات العسكرية في كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر وبعض دول الغرب الإفريقي الأخرى، والذي يتزامن مع تواصل القتال بين الروس والأوروبيين في أوكرانيا إذ تتلقى الأخيرة دعما لا محدود من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ألمانيا قلقة من التواجد الروسي في الساحل

وفي وقت سابق أعربت ألمانيا عن  قلقها من تمدد النفوذ الروسي في المنطقة، وأعلن وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس أمام البرلمان، أن “الغرب يتكبد خسائر جيوسياسية في منطقة الساحل الأفريقي ذات الأهمية الاستراتيجية في ضوء تنامي الوجود الروسي هناك”.

ووقت هذه التصريحات كان بيستوريوس يتحدث للبرلمان الألماني عن خطط برلين لنشر قوات في المهمة العسكرية للاتحاد الأوروبي في النيجر، خوفا من أن تطالها حالة العنف التي انتشرت في بعض البلدان المجاورة، وهو ما حدث لاحقا بعد إعلان الانقلاب على الرئيس بازوم حليف الغرب الأكبر في المنطقة.

ووقتها قال بيستوريوس: «رغم الدعم الدولي الكبير فإن الوضع الأمني هناك لم يتحسن. يبدو أن السرديات والعروض الروسية تنجح هنا وأن المجتمع الغربي يتراجع هنا. ومنطقة الساحل مهمة استراتيجياً وستظل كذلك لهذا السبب بالتحديد، خصوصاً في ظل الوجود الروسي في المنطقة».

الغرب يفقد أهم حليف في منطقة الساحل

وخلال السنوات الأخيرة أصبحت النيجر حليفا رئيسيا للجهود العسكرية الغربية في غرب إفريقيا، حيث قامت الولايات المتحدة ببناء وتشغيل قاعدة جوية ونشرت ما يقرب من ألف عسكري أمريكي هناك. واعتمد المجلس الأوروبي آخر العام الماضي شراكة عسكرية مع نيامي، بتكلفة تتجاوز 27 مليون يورو خلال ثلاث سنوات”.

لكن الحكومات العسكرية التي تحكم كلاً من “مالي وبوركينا فاسو” طردت القوات الفرنسية ذات الحضور التاريخي هناك من أراضيها واقرت الحكومتان بالتقارب مع روسيا وبوجود قوات “فاغنر” على اراضيهما”.

لماذا منطقة الساحل غير مستقرة؟

على الرغم من أن منطقة الساحل الإفريقي غنية بالموارد والثروات، إلا أنها تعاني من تاريخ طويل من عدم الاستقرار السياسي، والتمردات المسلحة (خاصة في مالي والنيجر) بالإضافة غلى غياب الحكم الرشيد، وضعب السلطة السياسية هناك، منذ الحصول على الاستقلال في عام 1960 ، حيث واجهت بلدان المنطقة تحديات بناء الدولة والأمة. ورثت هذه البلدان مؤسسات الحكم عن الاستعمار وأعادت تعريف الأقاليم التي ثبت صعوبة إدارتها.

وفي الوقت ذاته تتواجد مجموعات إرهابية ذات توجهات إسلامية تسيطر على على أجزاء كبيرة من المنطقة وتقاتل القوات الحكومية والسكان المحليين من أجل مواردها. وغالبا ما يتم القبض على المدنيين في الوسط.

وعلى الرغم من الجهود الدولية والإقليمية الطويلة الأمد لمكافحة المتمردين ، تواصل هذه الجماعات توسيع وجودها في جميع أنحاء المنطقة. فشلت حملات مكافحة الإرهاب التقليدية في وقف العنف.

أزمة إنسانية تلوح في الأفق

وفي الوقت نفسه، تتزايد الأزمة الإنسانية. في يناير 2023 ، حذر رئيس مكتب الأمم المتحدة لغرب إفريقيا والساحل من أن النزاعات المسلحة أدت إلى تفاقم المعاناة الإنسانية وأجبرت الملايين على الفرار، إذ نزح ما يقرب من 2.7 مليون شخص ويعاني 1.6 مليون طفل من سوء التغذية، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة.

وفي المقابل أدت الحرب الروسية ضد أوكرانيا إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في منطقة يهدد فيها تغير المناخ والحرب الزراعة المحلية بالفعل، حيث أن هذه الدول كانت تعتمد بشكل كبير على امدادت السلع الغذائية المستوردة من روسيا وأوكرانيا، وتسببت حالة الاضطراب في سلاسل الامداد في تفاقم أزماتها الاقتصادية والغذائية، وحدثت انقلابات عسكرية متعددة في المنطقة منذ عام 2020: انقلابان في كل من بوركينا فاسو ومالي ، وواحد في تشاد، وآخر في غينيا المجاورة.

حرب بالوكالة بين موسكو والغرب على أراضي القارة السمراء
حرب بالوكالة بين موسكو والغرب على أراضي القارة السمراء

وقد فشلت الآليات الإقليمية والدولية على رأسها بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي والجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ايكواس) في منع انتشار عدم الاستقرار، كما أن ولاية بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي ضيقة، وتركز على الجهود المبذولة لدعم تنفيذ اتفاق السلام والمصالحة في مالي وتوفير الأمن لمسؤولي الأمم المتحدة العاملين في البلاد.

وعطفا على ذلك تدفع الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا التكامل الإقليمي وإرساء الديمقراطية، وهي جهود تبدو متعارضة مع الصراعات التي اجتاحت عدة بلدان. وحاولت المنظمة أيضا التوسط في الأزمات السياسية الداخلية ودعم عمليات السلام في المنطقة ، ولكن هذه الجهود باءت بالفشل إلى حد كبير.

كيف تراجعت العلاقات بين الغرب ومالي وبوركينافاسو؟

بسبب مشاعر الغضب الشعبية ورفض الجماهير الإفريقية شكل العلاقة بين الأنظمة السياسية ودول الغرب الأوروبي التي لها رصيد استعماري لا زال يعكر صفو العلاقات على المستويات الشعبية، قوبلت تحركات العسكريين بتأييد شعبي واسع، وتسبب ذلك في تراجع العلاقات بين العواصم الإفريقية والغرب فعلى سبيل المثال انخفضت العلاقات بشكل حاد بين فرنسا ومالي في أعقاب الانقلابات العسكرية المتتالية في عامي 2020 و 2021.

وبوركينا فاسو ، شأنها شأن مالي،  فالبلد الغارق في العنف لا تسيطر حكومته إلا على حوالي 60 في المائة من أراضي البلاد، وتسيطر مجموعات متمردة على مناطق واسعة من البلاد، وهو ما تسببت في تحركات عسكرية أيضا للاستيلاء على السلطة، وبالتبعية تأثرت العلاقات مع الغرب خلال عام 2022، كما أن المشاعر المعادية للفرنسيين متجذرة بعمق ، والاحتجاجات ضد باريس شائعة في واغادوغو ، حيث طلبت القيادة العسكرية الجديدة انسحاب السفير الفرنسي في ديسمبر 2022. في الشهر التالي ، دعت حكومة بوركينا فاسو فرنسا إلى سحب كل قواتها من البلاد.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

فضلا ادعمنا لكى نستمر من خلال تعطيل حاجب الإعلانات