آخرها قمة العلمين.. محطات مصرية في مسار حل الأزمة الفلسطينية
تلعب الدبلوماسية المصرية دورا بارزا في مسار القضية الفلسطينية، فخلال السنوات الأخيرة سعت الدولة المصرية لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء الفلسطينيين في محاولة لإنهاء الخلافات الداخلية التي تعرقل الجهود الرامية لحل الأزمة، وكان آخر هذه المحاولات قمة العلمين التي عقدت في مدينة العلمين الساحلية بحضور ملك الأردن عبد الله بن الحسين، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
ماذا حدث في قمة العملين؟
بدعوة من الرئيس عبدالفتاح السيسي، انعقدت قمة ثلاثية حضرها الملك عبدالله الثاني ابن الحسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية، والرئيس محمود عباس رئيس دولة فلسطين، في مدينة العلمين المصرية، وكان الغرض من الاجتماع الثلاثي بحث المستجدات الراهنة في أرض دولة فلسطين المحتلة، والأوضاع الإقليمية والدولية المرتبطة بها.
مطالب قمة العلمين
ووفقا للبيان الرسمي الصادر عن القمة، فإن القادة أكدوا تمسك دولهم بالمرجعيات القانونية، الدولية والعربية لتسوية القضية الفلسطينية، وعلى رأسها ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ضمن جدول زمني واضح، واستعادة الشعب الفلسطيني لكامل حقوقه المشروعة، بما في ذلك حقه في تقرير المصير.
كما طالب بيان القمة بأحقية الشعب الفلسطيني في تجسيد دولته المستقلة، وذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو عام ۱۹٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفق قرارات الشرعية الدولية، وتحقيق حل الدولتين وفق المرجعيات المعتمدة.
وخلال لقاء الرئيس عباس أكد الرئيس السيسي وملك الأردن دعم القاهرة وعمان السلطة الفلسطينية في الاستمرار في الدفاع عن مصالح ضشعبها على كافة الأصعدة، وتأمين الحماية الدولية، وكذلك دعم دولة فلسطين في جهودها لتأمين الخدمات، وحماية الحقوق الأساسية للمواطنين في ظل الظروف والتحديات الصعبة والعدوان المُتكرر والأحداث المؤسفة التي تشهدها الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس، وفي خضم التحديات الإقليمية والدولية المتزايدة.
وأكد القادة أن حل القضية الفلسطينية يمثل خيارا استراتيجيا، كما أنه ضرورة إقليمية ودولية ومسألة أمن وسلم دوليين، مشددين على أن السبيل الوحيد لذلك هو تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، ومجلس الأمن ذات الصلة، وفي تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه غير القابلة للتصرف، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتجسيد دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، بما يحقق حل الدولتين المستند لقواعد القانون الدولي والمرجعيات المتفق عليها والمبادرة العربية للسلام.
شدد القادة على وجوب تنفيذ إسرائيل التزاماتها وتعهداتها وفقًا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والاتفاقات والتفاهمات الدولية السابقة، بما فيها تلك المُبرمة مع الجانب الفلسطيني، وكذلك الالتزامات السابقة المتعددة بما في ذلك ما جاء في مخرجات اجتماعي العقبة وشرم الشيخ، وتحمل مسؤولياتها ووقف اعتداءاتها وتهدئة الأوضاع على الأرض تمهيداً لإعادة إحياء مفاوضات السلام.
إدانة لجرائم الاحتلال
وأدانت القمة الانتهاكات الإسرائيلية في الداخل الفلسطيني وعدم إلتزام قوة الاحتلال بتعهداته وبالمواثيق الدولية، مؤكدين رفضهم للتوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية، وانتهاك الوضع القانوني والتاريخي القائم في مدينة القدس ومقدساتها، وطالبوا بوقف اقتحامات المسجد الأقصى المُبارك/ الحرم القدسي الشريف.
مصر تستضيف الفرقاء الفلسطينين
وعلى مدار الأشهر الماضية استضافت مصر عدد من قادة الحركات الفلسطينية في محاولة لتقريب وجهات النظر وإنهاء الخلاف الداخلي بين الفرقاء، والتي كان آخرها لقاء العلمين الذي التقت فيه الفصائل الفلسطينية، وتوصلوا خلاله للاتفاق على “تشكيل لجنة” لإنهاء الانقسام بينهم.
ووقتها أعلنت الفصائل الفلسطينية أن اللجنة المزمع تشكيلها الهدف منها “إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة”.
ووفقا لما قاله الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في البيان الختامي للمشاروات، فإن الجميع مصر على تحقيق الوحدة الفلسطينية.
وقال “إنني أدعوكم لتشكيل لجنة منكم تقوم باستكمال الحوار حول القضايا والملفات المختلفة التي جرى مناقشتها اليوم، بهدف إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية”.
وحضر هذه الاجتماعات زعيم حماس إسماعيل هنية على رأس وفد من الحركة التي تسيطر على قطاع غزة.
القاهرة ترعى لقاءات الفصائل منذ سنوات
ولم تكن هذه هي المرة الأولى الذي يلتقى فيها ممثلي الفصائل الفلسطينية في مصر، إذ سعت القاهرة منذ أعوام لتقريب وجهات النظر بين الفريقين، وتاكلل ذلك بتوقيع اتفاق المصالحة في عام 2017، حيث اتفق الطرفات وقتها على رفع إجراءات السلطة الفلسطينية المتخذة ضد قادة حماس في غزة، مع تمكين حكومة الوفاق الفلسطينية من إدارة القطاع الذي تسيطر عليه حركة حماس، والتحضير لتشكيل حكومة وحدة فلسطينية تمهد للانتخابات العامة والمجلس الوطني.
وبسبب الخلافات بين الطرفين لم تتحقق كافة بنود الاتفاق وهو ما دفع القاهرة لبدء مشاروات جديدة واحتضان اجتماعات موسعة بين الفريقين، كما بدأت جولات حوار بين مصر وقطاع غزة في 2018 كانت بغرض التوصل إلى تهدئة مع إسرائيل.
ورغم مرور أكثر من 15 عاما على بدء الانقسام الفلسطيني إلا أن حادثة استهداف موكب رئيس الوزراء الفلسطيني السابق، رامي الحمد الله، في قطاع غزة خلال شهر مارس 2018، كانت بمثابة القشة التي قسمت ظهر الاتفاق، فعلى وقع ما تحقق من صدمة للشارع الفلسطيني عادت الأطراف السياسية الفلسطينية لخلافاتها القديمة ولم ينجر الاتفاق.
100 ألف شهيد مصري
لم تتوقف الجهود المصرية الرامية لمساعدة الفلسطينين على المساعي الدبلوماسية والسياسية لتوحيد القيادة في الداخل الفلسطيني فمصر فقدمت الغالي والنفيس لخدمة القضية الفلسطينية على مدار ما يقرب من 75 عاما، حيث قدم الشعب المصري قرابة 100 ألف شهيد دفاعا عن الحقوق العربية خلال سنوات الصراع العربي الإسرائيلي، ومن بعد انتصار أكتوبر وتوقيع معاهد السلام مع الجانب الإسرائيلي بدأت مرحلة الكفاح الدبلوماسي عبر مسارات متعددة لم تتخلى خلالها الدولة المصرية عن قضية العرب الأولى، حيث عملت القيادة المصرية بشكل حثيث وملحوظ بالتعاون مع قوى إقليمية ودولية للدفاع عن حقوق أبناء الشعب الفلسطيني، والتأكيد على أهمية تفعيل عملية السلام في الشرق الأوسط بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني والتأكيد على مبدأ حل الدولتين.
إضافة لذلك كان الدور المصري داعما أساسيا للمفاوضات التي خاضها الفلسطينيين في المحافل الإقليمية والدولية للحصول على حقوقهم المشروعة، بالإضافة إلى التنسيق المصري الفلسطيني المشترك والمستمر منذ عقود في عدد من النقاط التي تتعلق بحقوق الفلسطينيين المشروعة.
وقف إطلاق النار في 2022
ومع تجدد الاشتباكات بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحركات المقاومة الفلسطينية كانت مصر حاضرة دوما في المشهد، وكان آخر هذه الأحداث في أغسطس الماضي، حينما نجحت مصر في وقت الاشتباكات بين الطرفين بعدما استمرت لثلاثة أيام، بين كتائب “سرايا القدس”، الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي، والجيش الإسرائيلي.
وتدخلت الدبلوماسية المصرية لإبرام اتفاق لوقف التصعيد وإنهاء إطلاق النيران،من قبل الطريقين، وإنهاء حالة التوتر والتصعيد الحالية في غزة.
ووقتها أعلنت وسائل إعلام مصرية، أن القاهرة تبذل جهوداً للإفراج عن الأسير خليل العواودة، ونقله للعلاج وكذا العمل على الإفراج عن الأسير بسام السعدي في أقرب وقت ممكن.
وقف عدوان 2021
وقبلها نجحت جهود الدولة المصرية خلال عام 2021 في وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بعدما شهدت المواجهات سخونة بين الطرفين وهو ما تسبب في خسائر كبيرة داخل القطاع المحاصر.
منح لإعادة إعمار غزة
ووقتها أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي عن مبادرة مصرية لإعادة إعمار غزة، وذلك عبر منحة قدرت وقتها بـ 500 مليون دولار، للمساهمة في إعادة اعمار القطاع من خلال الشركات المصرية.
ووقتها أطلقت اللجنة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة، مرحلتين لتنفيذ خطة الإعمار المقترحة، والتي شملت ستة مشاريع شرعت مصر خلال هذه الفترة في تنفيذها داخل القطاع، كلها تتعلق بالبنية التحتية.
وأكدت اللجنة وقتها الانتهاء من المرحلة الأولى لـ إعادة إعمار قطاع غزة، بإزالة الركام خلال 65 يوماً برفع أكثر من 85 ألف متر مكعب من الركام، مشيرة إلى أن المرحلة الثانية تشمل ستة مشاريع منها تطوير الواجهة البحرية للكورنيش شمال غزة، إنشاء 3 مدن سكنية مصرية وهى “دار مصر 1″ في الزهراء، و”دار مصر 2″ في جباليا، و”دار مصر 3” بيت لاهيا.
تسوية سلمية للازمات
وفي هذا الإطار يرصد الباحث المصري شادى محسن، في ورقة بحثية له عنيت بالجهود المصرية الرامية لإنهاء الأزمة الفلسطينية، مراحل تطور التداخلات المصرية في الأزمة، مششيرا إلى أن الدولية المصرية لعبت دور مهم وحيوى طوال الوقت لدعم الشعب الفلطسيني، وسعت طوال الوقت لدعم قيام دولة فلسطين المستقلة على حدود العام 67.
دراسة ترصد الجهود المصرية لدعم فلسطين
وقال في الدراسة إن مصر حاولت توطيد فكرة عبور مرحلة الصراع، وذلك عبر الوصول إلى تسوية سياسية سليمة، ثم مرحلة ما بعد إقامة الدولة الفلسطينية.
وأكدت الدراسة تنوع الجهد المصرى على جميع الأصعدة، أى الصعيد السياسى والاقتصادى والتنموى والأمنى وكذلك المجتمعى والإنسانى.
فعلى الصعيد السياسى، انقسم الجهد المصرى الداعم لفلسطين إلى 3 مستويات؛ الثنائى المصرى – الفلسطينى، والمستوى الإقليمى، وأخيراً المستوى الدولى.
وفى المستوى الأول تقول الدراسة إن الزيارات واللقاءات الثنائية بين الرئيس عبد الفتاح السيسى والرئيس محمود عباس «أبومازن» تعددت خلال السنوات الماضية؛ لدعم السلطة الفلسطينية والإبقاء على شرعيتها، وترتيب البيت الفلسطينى من الداخل من خلال مسار الانتخابات العامة والرئاسية والخاصة بالمجال الفلسطينى الوطنى، وسبق ذلك عمليات تحضير واسعة حيث استضافت مصر اجتماعات للفصائل الفلسطينية، الذى مثّلت نقطة فارقة فى إنهاء حالة الاحتقان الداخلية بعد تأجيل الانتخابات، التى كان من المقرر لها فى مايو 2021.
وعلى المستوى الإقليمى عقدت مصر عدة لقاءات إقليمية مع الأردن على المستوى الرئاسى لتنسيق الجهود بين البلدين فيما يتعلق بتصدير القضية الفلسطينية إلى الواجهتين الإقليمية والدولية. وكثف قادة مصر والأردن وفلسطين اتصالاتهم ولقاءاتهم لملاقاة المتغيرات الإقليمية والدولية، وتوحيد الجهود العربية والدولية للتحرك لإعادة تنشيط مفاوضات السلام بين الطرفين الإسرائيلى والفلسطينى.
وتابعت الدراسة أنه على الصعيد الأمنى فى قطاع غزة نجحت مصر فى جميع الحروب الإسرائيلية الخمس فى القطاع (2008، 2012، 2014، 2021، 2022) فى وقف إطلاق النار وإعادة القطاع إلى الهدوء الأمنى. وفى الضفة الغربية، باتت مدينة القدس ورقة حاسمة فى حسابات الصراع الفلسطينى – الإسرائيلى. واستدعت مصر سفيرة إسرائيل «أميرة أورون» بسبب مسيرات المستوطنين أو القوميين الإسرائيليين فى القدس الشرقية، لما قد تشكله تلك المسيرات من رسم طابع جديد للصراع يمكن أن يزيد من حدته.
وعلى الصعيد الاقتصادى والتنموى، جرى تدشين المبادرة الرئاسية المصرية فى مايو 2021 بمنح 500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة، وتأسيس مصر للجنة وطنية عليا للإشراف على إعادة إعمار غزة فى يوليو 2021، فضلاً عن المساهمة فى الحد من أزمة الطاقة فى قطاع غزة. وإنسانياً، تمت زيادة وقت فتح المعابر بين مصر وغزة لاستقبال الإنسانية المرضى والمصابين وعلاجهم فى المستشفيات المصرية، وجرى إدخال شاحنات «تحيا مصر»، المسئولة عن توصيل المساعدات الإنسانية من أدوية، وسلع غذائية، وتوجيه المجتمع المدنى المصرى لعلاج الجرحى والمصابين.