بعد رؤية الشياطين والغيلان.. هل يحتاج أهالي درنة الليبية لعلاج ما بعد الصدمات؟
عبد الغني دياب
“عاش من مات ومات من نجا” بهذه المقولة وصف أحد الناجين من مدينة درنة الليبية التي ضربها إعصار دانيال المدمر في 10 سبتمبر الجاري أحوال من نجو من أهوال الأحداث المروعة، كما أنها كانت عنوانا لأحد المقاطع المصورة من مواقع الأحداث في المدينة التي فقدت آلاف من أبنائها وخلفت عشرات الآلاف من المصابين والنازحين.
الشياطين تظهر في درنة
بعد أسبوعين فقط من انقضاء الأحداث وبينما فرق الإنقاذ لا تزال تبحث عن جثث لمفقودين تحت الأنقاد أو في داخل البحر تصدرت رواية غريبة أو ربما خرافية عن المدينة فلم تعد درنة مدينة أشباح مجازا بل واقعا حيث تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يزعم وجود أصوات وأضواء غريبة في مناطق ليبية تضررت بفعل إعصار دانيال، وربط البعض تلك الأصوات بالغيلان أحد أنواع الشياطين.
وادعى شخص ظهر في الفيديو أن تلك الأصوات الغريبة سُمعت في عدة مناطق في ليبيا، بما في ذلك مدينة طرابلس التي تبعد عشرات الكيلو مترات عن درنة، لتبدأ التكهنات والتحليلات العلمية وغير العلمية في تفسير مثل هذه الأحداث.
الفيديو الذي يزعم فيه البعض رؤيتهم لأشباح وغيلان في درنة أثار جدلا واسعا بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بين موافق على ما جاء فيه وبين ساخط او رافض لتلك المزاعم، وبين من يفسرون الأمر تفسيرات دينية وآخرون يقدمون تفسيرات نفسية، خصوصا وأن البعض أدعى أنه شاهد الغيلان (وهي نوع من الشياطين) في درنة.
التفسيرات الخرافية التي ظهرت لتبرير مثل هذه الأمور باتت مرتبط بشكل كبير بضحايا عاصفة دانيال التي ضربت ليبيا في سبتمبر الجاري، حيث راح الكثيرون يتحدثون عن الأرواح وقدرات الجن، والعفاريت وكلها تفسيرات يقول عنها العلماء إنها خرافية ولا أصل لها في الواقع، بينما تؤيد الثقافة الشعبية سواء العربية أو حتى الإفريقية مثل هذه التفسيرات.
تمتلئ كتب الأدب الشعبي بحكايات من هذا النوع كلها تقريبا ارتبطت بأحداث مروعة، فعادة ما يرتبط انتشار الخرافات بوجود فاجعة أو أحداثا مؤسفة تكون هي الجزء الحقيقي لتصديق الأسطورة، إلا أن ذلك لا يقبله كثير من العلماء والمتخصصين خصوصا أصحاب المناهج التجريبية.
التفسيرات المتعلقة بدرنة جلبت موجة واسعة من الإنكار والسخرية لكن البعض أرجع الأمر لتفسيرات نفسية مفادها أن الأحداث التي مرت بالناس جراء الكارثة، ولدت مشاعر مضطربة بين الخوف والقلق والحزن والتوتر، وهو ما جعل البعض يشاهد تخيلات غير واقعية ويفسر تفسيرات لا أصل لها
ووفق وسائل إعلام فسر متابعون على مواقع التواصل أن الغيلان هي جنس من الشياطين تتراءى للناس وتتلون لهم، ومذكورة في الشريعة الإسلامية، واستشهدوا بما ذكر النووي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، إذا تغولت لكم الغيلان فنادوا بالأذان.
وبموجب هذه الرؤية نشر العشرات عبر موقع فيسبوك مقاطع مصورة لأناس يؤدون مقاطع الأذان في ليبيا في محاولة منهم لطرد الشياطين والغيلان من المدينة المنكوبة.
والغيلان حسب الروايات والأساطير القديمة تظهر في مكان تواجد الجثث، والمناطق المهجورة والمخربة، وكذلك الأراضي القاحلة والبيوت المهجورة.
أهالي درنة يحتاجون لعلاج نفسي
على وقع ظهور مثل هذه الخرافات أعلنت منظمة أطباء بلا حدود في ليبيا أن أهالي مدينة درنة والمدن التي تعرضت للضرر جراء الإعصار في ليبيا يحتاجون لإغاثة نفسية هائلة.
وقال رئيس قسم الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود في درنة “ميشيل أوليفييه لاشاريتيه ” إن سكان المدينة محتاجون إلى إغاثة نفسية هائلة نتيجة الكارثة التي تسبب بها إعصار ” دانيال ” المدمر بمدينتهم .
وأكد ” لاشاريتيه ” في تصريحات نشرها الموقع الالكتروني للمنظمة أنهم يخططون لتوسيع نطاق أنشطتهم لتقديم دعم الصحة النفسية لأي شخص يحتاج إليه في المدينة المنكوبة، مشيدا بتعاون الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب.
وأشار إلى أن سكان المدينة محتاجون إلى إغاثة نفسية هائلة خاصة وان عمليات البحث والإنقاذ بمدينة درنة اوشكت على الانتهاء وبدء إعادة الإعمار.
وأشادت المنظمة بالتعاون الذي تقدمه الحكومة الليبية المكلفة في شرقي ليبيا والتي يرأسها أسامة حماد، مبينة أن عمليات البحث والإنقاذ قاربت على الانتهاء بعد أسبوعين من الآثار المدمرة التي خلفتها العاصفة دانيال والتي حصدت أرواح الآلاف في غضون ساعات قليلة، بينما تشتد الحاجة إلى الدعم النفسي للمتضررين.
أوضح رئيس قسم الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود في درنة أن العديد من السكان فقدوا منازلهم أو أفراد أسرهم، مشيرًا إلى أن كل أهالي درنة في حالة حداد خاصة بعد انتشال الجثث تحت الركام.
اضطراب ما بعد الصدمة
ووفقا للتعريفات الطبية فمن المتوقع أن كثير من سكان المدينة يعانون مما يسمى باضطرابات ما بعد الصدمة وهو ما يحدث لبعض الناس عندما تستمر ذكريات حدث مزعج للغاية في العودة مرارًا وتكرارًا لغزو أفكارهم.
ويستمر هذا الاضطراب أكثر من شهر، ويمكن أن يستمر فترة أطول بكثير، طالما أن هذه الذكريات ظلت موجودة، خصوصا أن كانَت مخيفة جدًا وواقعية ومزعجة.
يبدأ اضطراب الكرب بعد الصدمة في غضون 6 أشهر من حدوث حدث مزعج للغاية
يمكن للأحداث التي تُهدِّد الحياة أن تُسبِّبَ انزعاجًا شديدًا وطويل الأمد وقلقًا وعصبية
يمكن للأشخاص المُصابين أن يعيشوا الحدث، وتحدث لديهم كوابيس، ويتجنَّبون أيَّ شيء يذكِّرهم بذلك الحدث، قد تشتمل المعالجةُ على العلاج النفسي (العلاج الداعم وبالتعرُّض) ومضادَّات الاكتئاب.
يمكن أن تحدثَ الإصابة باضطراب الكرب بعد الصدمة عندما يحدث لديك (أو لدى شخص قريب لك) حدث مزعج للغاية.قد يشعر المريضُ بالخوف الشديد أو العجز أو الرعب الذي شعر به الشخص خلال الحدث.
تنطوي الأحداث التي يُمكن أن تُؤدِّي إلى هذا الاضطراب على، خوض حرب أو قتال أو معاينتها، أو التعرُّض للاعتداء الجنسي أو البدني أو مشاهدة ذلك، أو الكوارث الطبيعية (مثل الإعصار)، أو الحوادث الخطيرة في السيارات
ويعاني حوالى شخص من بين كل 10 أشخاص من اضطراب الكرب بعد الصدمة في وقتٍ ما من حياتهم.كما يُمكن أن يُصابَ الأطفال بهذا الاضطراب.
أهوال في درنة الليبية
ووفقا للأرقام والإحصائيات الواردة من درنة الليبية فإن قرى كاملة دمرت تماما بسكانها كما أن بعض العائلات فقدت بكامل عددها ما يعني أن الأب والأم والإخوة والأقارب من الدرجة الأولى والثانية لم يبقى منهم أحد، خصوصا وأن المدينة الليبية كان يقطنها سكان عائلات في مساكن مجاورة لبعضهم البعض.
ووفقا لما أعلنته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) فإن إعصار درنة تسبب في نزوح أكثر من 16 ألف طفل في شرق ليبيا عقب الفيضانات الناجمة عن “أعنف عاصفة مسجلة في تاريخ أفريقيا”.
وحذرت اليونيسف في بيان، أمس الخميس، من الخطر الذي يتهدد السلامة النفسية والاجتماعية للأطفال، مشيرة إلى أن الكثيرين منهم تأثروا بسبب نقص الخدمات الأساسية، مثل الصحة والتعليم وإمدادات المياه الصالحة للشرب.
وفي حين أن عدد الضحايا من الأطفال لم يتأكد بعد، لكن هناك خشية من أن يكون المئات منهم قد فقدوا حياتهم في الكارثة، بالنظر إلى أن الأطفال يشكلون حوالي 40%، وفقا لليونيسف.
وأوضحت اليونيسف أن الأطفال يواجهون مرة أخرى المزيد من تعطيل تعلمهم وخطر تفشي الأمراض المميتة بسبب الأضرار الجسيمة التي لحقت بالبُنى التحتية الصحية والتعليمية.
وأشارت اليونيسف إلى أن الأمراض المنقولة بالمياه تشكل مصدر قلق متزايد بسبب مشاكل إمدادات المياه، والأضرار الكبيرة التي لحقت بمصادر المياه وشبكات الصرف الصحي، وخطر تلوث المياه الجوفية. وفي درنة وحدها، تشير التقديرات إلى أن 50 % من شبكات المياه قد تضررت.
وأفادت اليونيسف بأنها عملت- ومنذ اليوم الأول للكارثة- على دعم الأطفال في شرق ليبيا:”تم تسليم 65 طنا متريا من إمدادات الإغاثة إلى المناطق المتضررة، بما في ذلك الإمدادات الطبية لـ 50 ألف شخص لمدة ثلاثة أشهر، ومستلزمات النظافة الخاصة بالعائلات لحوالي 17 ألف شخص، و500 مجموعة ملابس شتوية للأطفال، و200 حزمة أدوات مدرسية “مدرسة في صندوق” و32 ألف مجموعة أقراص تنقية المياه”.
كما أرسلت اليونيسف فرق حماية الأطفال والدعم النفسي والاجتماعي المتنقلة لمساعدة الأطفال على التغلب على الخسائر النفسية الناجمة عن الكارثة.