سلايدر

اجتماعات الأمم المتحدة.. منظمة مأزومة وعالم متخم بالأزمات

عبد الغني دياب

يجتمع قادة العالم في مدينة نيويورك الأمريكية لحضور افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثامنة والسبعين، إذ تأتي الاجتماعات هذا العام في ظل أزمات متصاعدة في مناطق متفرقة من العالم، في ظل مطالب متصاعدة بإصلاح المنظمة لتصبح أكثر فاعلية في مواجهة أزمات العالم.

ووفقا لجدول أعمال الدورة الحالية فإن موضوع الجلسة الافتتاحية سيكون تحت عنوان ” إعادة بناء الثقة وإعادة إحياء التضامن العالمي: تسريع العمل بشأن خطة عام 2030  وأهداف التنمية المستدامة الخاصة بها وخصوصا بنود تحقيق السلام والازدهار والتقدم والاستدامة للجميع”.

عالم يموج بالأزمات

وتأتي اجتماعات هذا العالم في ظل أزمات مروعة يعيشها العالم، خصوصا على المستوى الاقتصادي، فبعد جائحة كورونا التي تسبب في انتكاسات اقتصادية واجتماعية في غالبية دول العالم جاءت الحرب الروسية الأوكرانية التي لا تزال قائمة حتى الآن لتكبد العالم خسائر وصلت في بعض التقديرات 1.3 ترليون دولار، حيث تقول دراسة ألمانية حديثة إن الحرب الروسية الأوكرانية الجارية كلفت الاقتصاد العالمي 1.3 تريليون دولار في عام 2022.

ووفقاً للدراسة التي نشرها المعهد الاقتصادي الألماني (IW)، تأثرت الاقتصادات الغربية بشكل خاص حيث فقدت ثلثي إنتاجها العالمي، وفقاً لما ذكره موقع “The Meghalayan”.

ليس هذا فحسب بل إن الأزمات العالمية جعلت الأمم المتحدة تحذر من احتمالية تباطؤ  تحقيق غالبية أهداف التنمية المستدامة في خطة 2030، خصوصا وأن الخطة قد تعطلت في غالبية محاورها.

فساد مستشري في العالم  

تقول الأمم المتحدة في تقرير لها نشر في 2021 إن قيمة الرشاوي حول العالم تبلغ تريليون دولار سنويا، وذكرت الأمم المتحدة أن قيمة المبالغ المسروقة عن طريق الفساد تزيد عن 2.5 تريليون دولار سنويا، وأن هذا المبلغ يساوي 5% من الناتج المحلي العالمي.

وفي سياق متصل يشير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن قيمة الفاقد بسبب الفساد في البلدان النامية يقدر بعشرة أضعاف إجمالي مبالغ المساعدة الإنمائية المقدمة، وترى المنظمة الأممية أن الفساد جريمة خطيرة يمكن أن تقوّض التنمية الاجتماعية والاقتصادية في جميع المجتمعات، وأنه لا يوجد بلد أو منطقة أو مجتمع محصن، ليس هذا فحسب بل إن منظمة الشفافية في بيان لها عام 2019 قالت إن المؤشرات تكشف الفشل المتواصل لمعظم الدول في الحد من الفساد على نحو فعال ويساهم في مفاقمة أزمة الديمقراطية في العالم.

ووفق التقرير نفسه لم تحرز منذ 2012 سوى 20 دولة تقدما في درجاتها بمؤشر مدركات الفساد من بينها إستونيا وساحل العاج، في حين سجلت 16 دولة تراجعا ملحوظا من بينها أستراليا وتشيلي ومالطا.

حروب وصراعات في كل مكان

ويشهد العالم صراعات محلية ودولية في أكثر من منطقة خصوصا في أفريقيا وآسيا وأوروبا، أكثرها تأثيرا هي الحرب الأوكرانية الروسية التي لا تزال شهيتها مفتوحة حتى الآن، ولا أحد يعرف تحديدًا عدد الجنود أو المدنيين ضحايا الحرب. إلا أن الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، قال، في مقابلة تليفزيونية يوم 1 يونيو 2022، إن 60 إلى 100 جندي أوكراني يلقون حتفهم يوميًّا ويُصاب 500 آخرين، فضلًا عن مقتل 32 مراسلًا صحفيًا.

ووفقا لتقرير أممي شهد عام 2020، 34 نزاعا مسلحا، وهو نفس العدد في العام السابق. تركزت معظم النزاعات المسلحة في إفريقيا (15) وآسيا (9)، تليها الشرق الأوسط (6) أوروبا (3) وأمريكا (1)، ودخلت في نفس العام حالتين جديدتين هما إثيوبيا (تيغراي) وأرمينيا- أذربيجان (ناغورنو كاراباخ)، وحاليا دخلت السودان على خط الأزمة بعد اندلاع الصراع الأخير فيها.

وتقول منظمة الأمم المتحدة إنه في عام 2016، كان عدد البلدان التي شهدت نزاعات عنيفة أكبر من أي وقت مضى منذ ما يقرب من 30 عاما، كما أن أكثر من نصف فقراء العالم يعيشون في البلدان المتضررة من ارتفاع مستويات العنف وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (2015)

وبسبب بروز ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وعودة انبعاث تنظيم القاعدة، وصل متوسط عدد الهجمات الإرهابية الانتحارية حول العالم إلى 478 خلال السنوات الخمس الماضية (قبل 2016)  بالمقارنة مع 374 في السنوات الخمس التي سبقت العام 2011.

عنف متصاعد ضد النساء 

ورغم كثرة المنظمات العاملة في الدفاع عن حقوق النساء حول العالم خصوصا في الولايات المتحدة وأوروبا إلا أن التقديرات العالمية المنشورة من منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن واحدة من كل 3 نساء (30%) في أنحاء العالم كافة تتعرض في حياتها للعنف البدني و/ أو العنف الجنسي على يد العشير أو الزوج.

وتقول المنظمة “يمارس العشير هذا العنف في معظمه. وعلى الصعيد العالمي ككل، تفيد ثلث النساء تقريباً (27%) اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 سنة من المرتبطات بعلاقة جنسية بأنهن يتعرضن لشكل معين من أشكال العنف البدني و/ أو الجنسي على يد عشرائهن”

ليس هذا فحسب بل تشير التقديرات إلى أن مليار طفل ممن تتراوح أعمارهم بين سنتين وسبعة عشر سنة (أي نصف أطفال العالم) تعرضوا للعنف البدني أو الجنسي أو النفسي أو للإهمال في العام الماضي.

العالم يختنق  

تقول أحدث التقارير الدولية والصادرة في 2018 إن 9 من بين كل 10 أشخاص يتنفسون هواء يحتوي على مستويات عالية من الملوثات، وأن  7 ملايين شخص يموتون كل عام بسبب تلوث الهواء الداخلي والخارجي، وكل ثانية ينطلق 600 طن من الغازات الضارة بالجو وطبقة الأوزون، وفي كل ثانية أيضا تتصحر 4122 متراً مربعاً (نصف ملعب كرة قدم) من الغابات.

وكل دقيقة يتم قطع أشجار خمسين فدانا من الغابات الاستوائية ويتم نزع أوراقها وحرقها، وتلقى ستون ألفا من المصانع ما يقرب من ثمانية عشر بليونا من الجالونات من مياه الصرف كل يوم في البحيرات والأنهار والمجاري المائية، وكل يوم يمكن لشجرة واحدة تنقية الهواء (بشفط) واحد رطل من التلوث الصناعي الموجود في الأجواء كل يوم، وفى كل عام فإن ما يقرب من ثلاثة ملايين ونصف المليون من الأطنان من البترول يتم تصريفها في محيطاتنا، بما يعادل خمسة وثمانين ضعفا للقدر الذي تسرب من سفينة ” إكسون فالديز ” ” السفينة التي تسببت في أكبر مشكلة عالمية عندما تحطمت في برنس وليام ساوند في ألاسكا عام 1989 وتسربت منها كميات هائلة من البترول في البحر، وقامت شركة إكسون بإنفاق مبلغ كبير لإزالة البترول من البحر بعد أن تسبب في إزهاق أرواح الطيور والحيوانات البحرية “ 

وسجلت درجات الحرارة في القطب الشمالي ارتفاعا بلغ ضعف المتوسط العالمي منذ عام 1980، ومن المرجح أن ارتفاع مستوى سطح البحر في مدينة نيويورك بنسبة 30 سنتيمترا منذ عام 1900 تسبب في توسيع نطاق إعصار ساندي بنسبة بلغت نحو 65 كيلومتر مربع، وغرقت على إثر ذلك منازل أكثر من 80،000 شخص في نيويورك ونيو جيرسي. وفي العام  2015 تعرضت منطقة آسيا والمحيط الهادئ لأكبر عدد من الكوارث في العالم، حيث شهدت نحو 41 في المائة من إجمالي الكوارث الطبيعية المبلغ عنها خلال العقدين الماضيين، و91 في المائة من الوفيات في العالم التي تعزى إلى الكوارث الطبيعية في القرن الماضي.

في أقلّ من حياة إنسان واحدة ( ولنفترض أنها 75  سنة، أي ثلاثة أجيال)  أنتجت البشرية من التلوّث وألحقت بالطبيعة أضراراً ما لم تفعله البشرية على مدى 400 جيل، أي 10000 سنة هي عمر الإنسانية المتحضرة.

التغير المناخي يهدد الجميع

تقول التقارير الأممية، إن عام 2020 كان من أكثر الأعوام حرًا على الإطلاق. وتزيد درجات الحرارة المرتفعة من الأمراض المرتبطة بالحرّ، كما يمكن أن تعرقل أداء العمل وتصعّب عملية التنقل. علاوةً على ذلك، تؤدي الحرارة المرتفعة إلى المزيد من الحرائق في الغابات (حرائق الغابات)، وتنتشر هذه الحرائق بسرعة أكبر كلما كان الطقس أكثر حرًا.

ويؤدي التغيير المناخي إلى حدوث العواصف المدمرة أكثر حدةً وتكرارًا في العديد من المناطق. ومع ارتفاع درجات الحرارة، يتبخر المزيد من النداوة، مما يؤدي إلى تفاقم هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات، ويتسبب بالتالي في المزيد من العواصف المدمرة.

كما يؤدي تغير المناخ إلى تغيير توفر المياه، مما يجعلها أكثر ندرةً في المزيد من المناطق. ويؤدي الاحترار العالمي إلى تفاقم نقص المياه في المناطق الفقيرة بالمياه، كما يؤدي إلى زيادة مخاطر الجفاف فيما يخص الزراعة، ويؤثر بالتالي على المحاصيل، ويزيد الجفاف البيئي من ضعف النُظُم البيئية. يمكن أن يثير الجفاف أيضًا عواصف رملية وترابية مدمرة يمكن أن تنقل مليارات الأطنان من الرمال عبر القارات. كذلك فإن الصحاري آخذةٌ في التوسع، مما يقلل من مساحة الأرض المتوفرة لزراعة الغذاء. ويواجه الكثير من الناس الآن خطر عدم الحصول على ما يكفي من المياه بشكلٍ منتظم.

يشكل تغير المناخ مخاطر على بقاء الأنواع على الأرض وفي المحيطات. وتزداد هذه المخاطر مع ارتفاع درجات الحرارة. يتفاقم فقد الأنواع بسبب تغير المناخ، إذ يفقد العالمُ الأنواعَ بمعدلٍ أكبر 1000 مرة من أي وقتٍ مضى في التاريخ البشري المدون

كما يزيد تغير المناخ من العوامل التي تضع الناس وتبقيهم في حالة فقر. وقد تجرف الفيضانات الأحياء الفقيرة في المدن وتدمر المنازل وسُبُل العيش، ويمكن أن تجعل الحرارةُ العملَ في الوظائف الخارجية صعبًا، وقد تؤثر ندرةُ المياه على المحاصيل. على مدى العقد الماضي (2010-2019)، أدت الأحداث المتعلقة بالطقس إلى نزوح ما يقدر بنحو 23.1 مليون شخص في المتوسط كل عام، مما ترك الكثيرين عرضةً للفقر بشكلٍ أكبر.

ووصلت خسائر تغير المناخ بالنسبة للاقتصاد العالمي 23 تريليون دولار، ويقول صندوق النقد إن خسائر كورونا تخطت 15 تريليون دولار تحملها الاقتصاد العالمي، خلال عام 2020.

ويقول البنك الدولي إن العام 2023 سيشهد ووفقا للتقييمات الأولية، سيتكبد الاقتصاد العالمي خسائر تُقدر بنحو تريليون دولار، في شكل انكماش الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحوالي 1% بنهاية عام 2022، مع زيادة التضخم العالمي بنحو 3 نقاط مئوية خلال هذا العام.

منظمة مأزومة

ووفقا لبضع التصريحات الرسمية أنفق العالم في نهاية العام 2019، 21 تريليون دولار، على مشروعات التنمية المستدامة، لكن رغم مرور نصف المدة الزمنية التي تشملها الخطة حاليا، لم تنجز الدول أي من هذه الأهداف، بل بعضها حقق نجاحا جزئيا، والغالبية لا يزالون متعثرين.

على الرغم من الدعاية العظيمة التي وفرتها وسائل الإعلام لبرامج التنمية المستدامة الأممية وترويج المنظمة لهذه البرامج بشكل واسع إلا أنها المنظمة نفسها أعترفت على لسان كثير من قادتها بهشاشة هذه البرامج حيث تقول ليز كينغو، رئيسة مجلس الإدارة والمديرة التنفيذية للاتفاق العالمي للأمم المتحدة، في مقال نشر على الموقع الرسمي للمم المتحدة في عام 2020،  “لقد مرت أربع سنوات على اعتماد أهداف التنمية المستدامة (SDGs) في سبتمبر 2015، وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي تم إحرازه في زيادة الوعي بخطة التنمية المستدامة لعام 2030، فإننا لسنا على المسار الصحيح لتحقيق أي من الأهداف بحلول التواريخ المستهدفة.

كينغو تؤكد أن الأمم المتحدة تحتاج إلى وضع الخطط والسياسات الصحيحة، وستحتاج أيضًا إلى بناء شراكات مع الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص لتسخير الموارد وابتكار الأفكار والمهارات التي نحتاج إليها بشدة لتحويل رؤية خطة 2030 إلى حقيقة واقعة.

وفي سياق متصل قالت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد، إلى أن أهـداف التنمية المستدامة بحاجة إلى إنقاذ عاجل، مشيرة إلى أن تمويل التنمية جزء أساسي من الحل. “لكن حتى الآن، تظل الاستجابة العالمية دون المستوى المطلوب.”

وأوضحت أن العديد من البلدان النامية تعاني من الآثار الخانقة للتعافي غير المتكافئ من جائحة كوفيد-19 والقنبلة الموقوتة لأزمة المناخ، واستمرار عدم المساواة في الحصول على اللقاحات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

فضلا ادعمنا لكى نستمر من خلال تعطيل حاجب الإعلانات