أدهم عثمان
تحلّ علينا اليوم ذكرى وفاة الإمام الجليل محمد بن إسماعيل البخاري، أحد أبرز العلماء الذين تركوا بصمة لا تُمحى في تاريخ الدين الإسلامي.
في الأول من شوال عام 256 هـ الموافق 1 سبتمبر 870 م، توفي الإمام البخاري في قرية خرتنك قرب سمرقند، ولكن أثره لا يزال نابضًا في قلوب المسلمين وعقولهم حتى اليوم، وكانت وفاته نهاية حياة زاخرة بالعلم، إلا أن ما خلّفه وراءه كان بداية لعصر جديد من التأصيل والتوثيق للحديث النبوي الشريف..
الإمام البخاري وُلِد في مدينة بخارى (أوزبكستان حاليًا) عام 194 هـ الموافق 810 م، ومنذ نعومة أظفاره أبدى شغفًا بالعلم والحديث، بدأ رحلته في طلب العلم منذ سن العاشرة، ولم يكن يكتفي بجمع الحديث، بل كان يدقق في صحة كل حديث يُنقل إليه.
قضى سنوات طوال من عمره في السفر بين المدن الإسلامية، بحثًا عن الأحاديث الصحيحة وجمعها، فزار مكة والمدينة، والكوفة والبصرة، ودمشق، ومصر، وغيرها من المدن التي كانت مراكز للعلم في ذلك الوقت، واستمر ذلك العمل لأكثر من 16 عام جمع فيها ما يقرب من 7200 حديث
ترك الإمام البخاري للعالم الإسلامي إرثًا علميًا خالدًا، أشهره كتاب “الجامع الصحيح”، المعروف بـ”صحيح البخاري”، والذي يُعدُّ أصحّ كتاب بعد القرآن الكريم لدى المسلمين.
اعتمد الإمام البخاري على منهجية دقيقة وصارمة في قبول الأحاديث، فلم يكن يسجّل حديثًا إلا بعد التأكد من صحة إسناده ومتانة رجاله، والتحقق من عدم وجود أي شبهة قد تضعف الحديث، ولذا، أصبح كتابه مرجعًا لا غنى عنه لكل من يريد أن يتبع السنة النبوية الصحيحة.
إن تأثير الإمام البخاري في الدين الإسلامي لا يُقاس بمؤلفاته فحسب، بل بما أرساه من معايير وقواعد للبحث والتدقيق في علوم الحديث، أدرك المسلمون من خلاله أهمية النقد العلمي والبحث الجاد في نقل الأحاديث، وقدّم لهم نموذجًا للعالم الذي يجمع بين الورع والزهد، وبين المعرفة والعمل.
واليوم، في ذكرى وفاته، نستحضر جهوده وتضحياته في خدمة العلم والدين، ونتأمل في حجم ما قدّمه للأمة الإسلامية من علوم ومعارف أضاءت لنا طريق الهدى والاستقامة.
رحل الإمام البخاري بجسده، لكن علمه لا يزال حاضرًا معنا، نورًا ينير لنا دروب الحياة، ويلهمنا أن نكون أوفياء للحق، ومخلصين في طلب العلم، وعاملين به في كل زمان ومكان.