الاستثمار فى «الألعاب الإلكترونية».. مُحرك جديد لنمو الاقتصاد
200 مليار دولار قيمة الإنفاق العالمي على «ألعاب الشاشات»
الصين وأمريكا الأكثر استخداماً.. والسعودية الأولى عربياً
أكثر من 200 مليار دولار.. حين يتداول هذا الرقم الضخم إعلامياً، فغالباً ما يكون مرتبطاً بميزانية دولة أو قطاع اقتصادي ذي مكانة ريادية عالمياً، لكنه أيضاً قيمة ما ينفقه البشرُ على الألعاب الإلكترونية!، عبر الحواسيب والهواتف الذكية ومنصات اللعب، ومن المتوقع أن تصل قيمة هذا القطاع إلى 268 مليار دولار بحلول عام 2025م، ما يعني أن تلك الألعاب لم تعد لهوًا أو مضيعة للوقت، وإنما إحدى أنجح الصناعات التقنيَّة والترفيهية عالمياً.
وحين يتحول الخيال إلى مُحاكاة للحقيقة، تجعل الألعاب الإلكترونية مستخدميها يتفاعلون في عوالم مفتوحة لا تعرف حدود الزمان والمكان في رحلة تأخذهم متى يشاءون لـ حضارات الماضي، أو لـ عمق الأدغال وملاعب الرياضات، بل وللكواكب والنجوم، ما يضفي ميزات عصرية على هذه الألعاب بتنوعها وتجاربها الفريدة وتطورها المُستمر من نواحي الأفكار وطرق اللعب المميزة.
ومع تطورها المتواصل، باتت الألعاب الإلكترونية تحظى بشعبية واسعة بين سكان العالم من مختلف الأعمار، كما تلعب دورًا متصاعدًا في دوران عَجَلة الاقتصاد العالمي، إذ أصبحت تفوق أسواق اقتصادية تقليدية كالسينما بنحو 4 أضعاف، حيث من المتوقع أن تبلغ قيمة سوق السينما العالمية نحو 29 مليار دولار في عام 2023م، بينما سوق الألعاب الإلكترونية قد تخطت الـ200 مليار دولار في عام 2022م، وفقاً لموقع تحليل سوق الألعاب “newzoo”، لتشكل وحدها كيانًا اقتصاديا قائمًا بذاته ومنافساً لمختلف القطاعات الأخرى.

وتمثل ألعاب الهاتف الذكي وحدها حوالي ثلثي تلك الإيرادات المحققة من الألعاب الإلكترونية، إذ سجلت أعلى معدلات الإنفاق بين هذه الألعاب خلال عام 2021م، بنحو 120 مليار دولار، وهو ما يلفت الانتباه، خاصة مع انتشار استخدام الهواتف الذكية بنسبة 67.1% بين سكان العالم، وفقا لأحدث الإحصائيات، أما في منطقة الشرق الأوسط وحدها، فحققت سوق الألعاب 6.3 مليار دولار
وفي محاولة للتعرف أكثر على سوق الألعاب الإلكترونية، تأخذكم المصرية في جولة للتعرف على كيفية صُنع هذه المناجم الإلكترونية؟، وكيف تُحقق المليارات من الدولارات عبر الضغط على أذرع التحكم وشاشات اللمس؟، ولماذا لا يتم التوسع في صناعتها محلياً لتحقيق أرباح وطنية كبرى؟.
تاريخ من التطور
تتطور الألعاب الإلكترونية بتسارع لا يتوقف؛ فعلى مدار العقود السبعة الماضية، تحولت من مُجرد رموز مُتحركة إلى عالم تفاعلي يُحاكي الواقع عبر 3 أجيال رئيسية بدأت عام 1950م، بلعبة بالغة البساطة، مكونةٍ من حرفين يتحركان على الشاشة هما “إكس – أو”، فسرعان ما طُورت هذه الصناعة الناشئة من قبل شركة “أتاري” الأمريكية التي أطلقت لعبة التنس قليلة التفاصيل «بونغ» عام 1972م.

واصلت الألعاب الإلكترونية تطورها حتى انطلق جيلها الجديد عام 1983م، بطرح نظام «نينتندو الترفيهي» المُرتبط بالكمبيوتر، تلاه إطلاق ألعاب ناجحة، أشهرها «سوبر ماريو»، ومع اقتراب الألفية الجديدة، أصبحت ألعاب الشاشات جزءاً لا يتجزأ من حياة الأطفال والشباب؛ ما دفع شركة «سوني» اليابانية لطرح جهاز «بلايستيشن»، كما صنعت «مايكروسوفت» الأمريكية جهازها «إكس بوكس»، في عام 2001م.
تطور مرتبط بالهواتف النقالة
مع التطور الواسع للموبايلات أو الجوالات أو الهواتف النقالة أو أي كان اسمها، فقد اكتسبت الألعاب الإلكترونية انتشاراً هائلًا بعد إدراجها في تلك الأجهزة الصغيرة، حيث كانت أول لعبة جوال هي «تترس» الكلاسيكية ، في بداية القرن الحادي والعشرين، تلاها إطلاق لعبة الثعبان ذائعة الصيت، أما اليوم،، فتفيض متاجر «آب ستور»، و«بلاي ستور» بمستودع ضخم للألعاب المختلفة، فضلاً عن تخصيص أجهزة مُتطورة للألعاب.

ويتخذ إنتاج ألعاب الفيديو مسارين أساسيين، أحدهما تقليدي منخفض التكلفة، ينتجه عدد قليل من المبرمجين والمصممين، بل ربما شخص واحد، أما الآخر فيتطلب إنفاقات ضخمة، وفرقًا هائلة، داخل كيانات تجارية عملاقة ، حيث تبدأ كلفة تطوير اللعبة من 500 دولار إلى مئات الملايين فتعتمد على نوعها والمنصات المستهدفة، كما تمر بمراحل عديدة يتضمنها السيناريو المخصص للقواعد والشخصيات والمستويات، فضلاً عما إذا كانت مجانية أو ستباع على المنصات.
الألعاب المستقلة أو الـ indie games
يأتي هذا المصطلح اختصارا لـ Independent video games، أي ألعاب الفيديو المستقلة التي تتسم بتنوعها وتجاربها الفريدة والتي ربما تتفوق على الألعاب ضخمة التكاليف، كما أنها في تطور مستمر في الأفكار وطرق اللعب؛ ففي لعبة inside، إحدى ألعاب الـ «إندي»، يعيش اللاعب أجواء المغامرة في مناطق نائية وعليه حل ألغاز من وحي الطبيعة تفاديا للموت، أما لعبة Stardew Valley، فيتقمص فيها اللاعبون شخصية تبتعد عن صخب المدينة؛ للاهتمام بالمزرعة.
ألعاب Triple A
تتطلب هذه الألعاب رسومات ثلاثية الأبعاد، وحوسبة عالية الأداء، بعقول عشرات البشر، وتقدم محتوى أقرب للواقعية يعود عليها بإيرادات ضخمة، ففي لعبة مثل FIFA بأجزائها، يعيش المرء تجربة كروية تشبه الحقيقة بأجواء الملاعب والجمهور والتكتيكات، أما في لعبة Tom Clancy’s Rainbow Six، فيكافح الأشرار بأجواء من الأكشن.
الألعاب والواقع الموسّع
تُبحر هذه التقنية في عالم يتخطى حواجز الزمان والمكان؛ لتستحضر التاريخ كأنه واقع كـ المشاركة مثلاً، في بطولات ضد الغزاة، أو الصيد وسط أدغال أفريقيا، واستكشاف القطب الشمالي المُتجمد، وقيادة السيارات والطائرات، فضلاً عن المنافسة على الرياضات المختلفة بشكل تفاعلي، حيث أوجد هذا التطور المذهل في عالم الألعاب مجتمعاً جديداً يتوسع تدريجياً، ويتطلع دائماً لكل جديد.
انفاق استهلاكي متصاعد
تشير التوقعات إلى مواصلة الإنفاق العالمي ضخ الأموال في سوق ألعاب الهاتف الذكي لتصل قيمته إلى 136 مليار دولار، بينما واصلت كذلك ألعاب الفيديو المنزلية المستقلة ارتفاع قيمة سوقها العالمية إلى نحو 42 مليار دولار، فيما حلت ألعاب الحاسوب ثالثاً بقيمة بلغت 40 مليار دولار، أما أجهزة التحكم المحمولة فحلت أخيرة بنحو 4 مليارات دولار.
آسيا الأولى عالمياً
وحول توزيع حجم الإنفاق العالمي على ألعاب الهاتف الذكي، جاءت الحصة السوقية الأكبر من نصيب منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث تتقدمها الصين، بينما جاءت نحو 50% من الإنفاقات العالمية على الألعاب الإلكترونية من نصيب أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية، فيما دخلت كلاً من المملكة العربية السعودية والبرازيل ضمن قائمة أكثر الدول إنفاقاً على ألعاب الهاتف الذكي وفقاً للإحصاءات الصادرة عن هذه الدول. وتعد لعبة Switch Lite الإلكترونية، من أكثر ألعاب الهاتف استخداماً في آسيا والمحيط الهادئ واليابان تحديداً وكذلك في أمريكا الشمالية.
ألعاب الحاسوب
مع انقضاء جائحة فيروس كورونا، ساهم ذلك في ارتفاع الإنفاق على ألعاب الحاسوب الشخصي، وخاصة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث عاودت مقاهي الإنترنت الاكتظاظ باللاعبين وراد تلك المقاهي، فضلاً عن إقامة المسابقات والمنافسات الجاذبة للشباب واللاعبين حول العالم.
أسباب التعلق بألعاب الهاتف
تتعد الأسباب والدوافع التي تجذب المستخدمين للألعاب الإلكترونية، فمنهم من يجدون فيها وسيلة سهلة لشغل أوقات الفراغ أو التخلص من بعض الضغوطات الروتينية اليومية، حيث تشير دراسات عالمية إلى أن نحو 50% من مستخدمي ألعاب الهاتف يجدون فيها وسيلة ممتعة ومسلية، فيما يرى 42% أن هذه الألعاب تساعدهم في التخلص من التوتر وتحقيق الاسترخاء.

واتخذت سوق الألعاب الإلكترونية بُعداً جديداً بتزايد نسبة الإناث المُستخدمين لها، فعلى سبيل المثال: ارتفعت نسبة الإناث مستخدمي هذه الألعاب في ألمانيا من 24% إلى 38%، بينما ارتفعت النسبة في إنجلترا من 27% إلى 44% أما في أمريكا فقد قفزت النسبة من 37% إلى 44% من بين مستخدمي الألعاب الإلكترونية، وكانت لعبة ROBLOX هي الأكثر استخداماً بين الأمريكيات، وفقاً للإحصاءات الصادرة عن تلك الدول.
الألعاب الأكثر تفضيلاً عالمياً
تعد لعبة Impact هي اللعبة الأولى عالمياً وفقاً لأرقام إنفاقات المستهلكين حول العالم في عام 2022م، حيث أُطلقت هذه اللعبة في سبتمبر عام 2020م، ثم سرعان ما توفرت في نحو 174 سوقاً دولية أهمها الصين وأمريكا واليابان، مُحققة أكثر من 118 مليون طلب تنزيل واستخدام، ما مكّنها من حصد أكثر م 2.8 مليار دولار.

وحلت لعبة Roblox في المرتبة الأولى من إنفاقات المستهلكين عالمياً في عام 2021م، مقارنة بالمرتبة الـ16 عالميا في عام 2019م، وذلك بعد إطلاقها بـ 10 سنوات بما يعكس مدى انتشارها السريع.
أما من حيث نسبة التحميل أو التنزيلات، فجاءت لعبة Free Fire Battle Royale، في المرتبة الأولى خلال عام 2021م، بـ 1.05 مليار عملية تنزيل، كما أنها احتلت المرتبة الـ10 من حيث إنفاقات المستخدمين حول العالم خلال عام 2022م، محققة حينذاك نحو 2.1 مليار دولار، حيث تتوافر هذه اللعبة في 169 سوقاً دولية.
الإعلانات.. اقتصاد جديد
دخلت إعلانات الفيديو ضمن الأسواق الاقتصادية العالمية الجديدة، حيث حققت الإعلانات المعروفة باسم الـ”بانر” نحو 55% من عوائد ألعاب الأكشن، ما يشير إلى أن طرق عرض هذه الإعلانات يتم إنتاجها وتخطيطها وفقاً لمضمون كل لعبة، بينما تطورت الميزات الإعلانية إلى أفكار متعددة ومنها الحصول على ميزات متعلقة باللعبة ذاتها مقابل مشاهدة الإعلان كالانتقال بين مراحل متتالية من اللعبة أو مواصلة التقدم فيها.
