«السودان الحزين».. في أرض الذهب والثروات من لم تقتله الحرب أهلكته المجاعة
أكبر بلد زراعي عربي 40% من سكانه على شفى المجاعة.. والبلاد على حافة الإفلاس
لعنة الثروة تطار السودانيين.. 1550 طن من الذهب ومخزون السلع لا يكفي إلا 3 أسابيع فقط
إن كنت مواطنا سودانيا تقطن في العاصمة أو إحدى مدن البلاد الأخرى فاحتمالية موتك أكثر من فرص نجاتك، فإن لم تمت برصاص الاشتباكات أو قذائف الطيران في قلب الأحياء المدنية، فأنت معرض للهلاك بسبب الجوع ونقص المواد الغذائية في البلاد، فبعد مرور أكثر من 100 يوم على بدء الاشتباكات المسلحة بين القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع، تقول تقارير دولية إن 42% من السكان على حافة المجاعة، على الرغم امتلاك البلاد لثروات هائلة لكنها غير مستغلة.
الجوع يهدد ملايين السودانين
يقولون “إن صراع الأفيال يقتل العشب” وعشب الحرب السودانية يتمثل في قرابة 20 مليون مواطن باتوا على حافة الهاوية إذ تشير التصريحات الرسمية التي أدلى بها والي شمال دارفور نمر محمد عبد الرحمن، إلى أن ما تبقى من مخزون الغذاء في الإقليم يكفي لمدة 3 أسابيع فقط، بعدها ربما تدخل المنطقة الواقعة في غرب البلاد في منحنى خطير، وفق عبد الرحمن، الذي حذر من عدم قدرة السلطات المحلية على احتواء الأزمة أكثر من ذلك.
عبد الرحمن الذي طالب المنظمات الدولية والإنسانية بسرعة التدخل لإنقاذ ملايين المهددين بالموت جوعا أكد أن الوضع بولايته هو الأسوأ، وأن المخزون الاستراتيجي من الغذاء على وشك النفاذ.
20 مليون جائع قابلين للزيادة.
وفي سياق متصل تحذر منظمات دولية من احتمالية زيادة أعداد الجوعي في السودان في حال استمر الصراع المندلع منذ أبريل الماضي، إذ يقول برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إن أكثر من 19 مليون شخص انزلقوا في هاوية الجوع في السودان، وهو ما يعادل نحو 40 بالمئة من سكان البلاد.
وكشف تصنيفات دولية أخرى أن عدد الذين يواجهون الجوع الشديد في السودان ربما يتفاقم خلال الفترة المقبلة، وأن من يحتاجون إلى دعم عاجل زاد بنحو 8.6 مليون مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
كارثة إنسانية تلوح في الأفق
ومن جهتها حذرت منظمة “شباب من أجل دارفور” من تفاقم الأوضاع الإنسانية في البلاد بسبب نقص المواد الغذائية الحاد، مطالبة المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بسرعة التحرك لتلافي حدوث ما اسمته كارثة إنسانية.
وقالت المنظمة في بيان لها إن البلاد قد تشهد حدوث مجاعة خلال الفترة المقبلة، ما لم يتم تداركه بإيجاد حل عاجل وسريع من خلال خطة إسعافيه لتوفير وضمان انسياب السلع الغذائية والخدمات في الإقليم.
وأوضحت المنظمة أن المواطنين داخل الإقليم باتوا في حاجة ماسة إلى تدخل إنساني عاجل لإغاثة المتضررين الذين تعرضوا لسلب ممتلكاتهم وحرقها على يد الجماعات المسلحة، محذرة من خطورة تدهور الأوضاع الإنسانية التي يعيشها كل السودانيين وبخاصة مواطني دارفور.
حصيلة الحرب بعد أكبر من 100 يوم
وتفاقمت الأزمة الإنسانية في البلاد منذ اندلاع الصراع، حيث كانت البلاد تعاني قبل الـ15 من أبريل من أوضاع اقتصادية سيئة للغاية، إذ تسبب الصراع في نزوح أكثر من ثلاثة ملايين شخص داخل البلاد، بينما غادر البلاد أكثر من 900 ألف شخص، وقتل وأصيب أكثر من 10 آلاف شخص، كما تسبب الحرب في خسائر في البنية التحتية للبلاد، قدرت بأكثر من 50 مليار دولار.
السودانيون أثرياء وجوعى
ورغم الأرقام الصادمة سالفة الذكر إلا أن السودان تصنف كواحدة من أغنى دول العالم، إلا أن الصراعات السياسية وسوء الإدارة والفساد، تسببوا في جعلها من بين أفقر دول العالم، إذ تشير الأرقام إلى امتلاك البلاد مقومات زراعية هي الأكبر في المنطقة، بواقع 175 مليون فدان صالحة للزراعة، هذا بالإضافة إلى 52 مليون فدان من الغابات والمناطق الرعوية، كما يمتلك السودان 102 مليون رأس من الماشية، متحركة في مراع طبيعية، تُقدر مساحتها بـ 118 مليون فدان، فضلا عن معدل أمطار سنوي يزيد على أربعمئة مليار متر مكعب.
ثروات هائلة من الذهب والمعادن
بالإضافة إلى الثروات الزراعية والحيوانية يمتلك السودان 1550 طن من الذهب موزعة في أكثر من منطقة لاسيما دارفور التي تمتلك أكثر من منجم ذهبي خصوصا منجم جبل عامر أحد أكبر المناجم في السودان والذي للمفارقة يقع في شمال الإقليم، المهدد بالجوع بعد أقل من شهر.
وعطفا على ما سبق يمتلك السودان أيضا، 1500 طن من الفضة، و5 ملايين طن من النحاس، و1.5 مليون طن من اليورانيوم، كما يستقبل سنويا أمطار تقدر بـ 400 مليار متر مكعب سنوياً، وينتج 42 ألف طن الأسماك سنوياً، كما ينتج 39% من السمسم الأبيض في الإنتاج العالمي و23% من السمسم الأحمر .
ويستحوذ السودان على 80% من الإنتاج العالمي لمادة الصمغ العربي الذي يدخل في قرابة 180 صناعة في القطاعات الغذائية والدوائية عاليما، إلا أنه وفق تقارير إعلامية يتم تهريب واحتكار 70% منه سنوياً من قبل شركات محلية وعالمية.
اقتصاد منتكس وفساد مقيم
في ظل هذه الثروات الهائلة كان يفترض أن تترجم الأرقام واقعا اقتصاديا مميزا، إلا أن الوضع مخالف لذلك تماما، حيث صنفت وكالة “فيتش” الاقتصاد السوداني في مايو الماضي، أي في ظل الحرب، تصنيفا سلبيا، متوقعة انكماش الناتج المحلي بنسبة قد تزيد عن 3.1 في المائة خلال العام 2023، وهو انخفاض أكثر حدة مما تعرض له الاقتصاد السوداني خلال العام الماضي.
وفي وقت سابق تحديدا في عام 2021 صنفت منظمة الشفافية العالمية السودان ضمن البلدان الأكثر فسادا في العالم، حيث حل البلد كسادس أكثر بلدان العالم فسادا بعدما احتل المركز 174 في القائمة التي ضمت 180 بلدا.
وتوقعت الوكالة أن يتدهور الاقتصاد السوداني أكثر في ظل استمرار الحرب، وتعطل سلاسل الإمداد، وتوقف حركة الطيران، وسوء الأوضاع الأمنية، بالإضافة إلى توقف حركة التجارة في غالبية مناطق البلاد خصوصا المناطق الحضرية في الخرطوم وبحرى أم درمان وبعض مناطق دارفور.
مؤشرات سيئة ومستقبل متجهم
وفي هذا السياق تقول تقارير البنك الدولي إن المؤشّرات الاقتصادية للسودان سيّئة جدًا، ويترجم ذلك في الأرقام الحكومية المحلية والتي تشير إلى أن 40 في المئة من السكان يعانون من البطالة وفق التقرير السنوي لوزارة المالية والاقتصاد في السودان لعام 2021، بيد أن 42 في المئة من السودانيين هم من فئة الشباب منهم 85 في المئة عاطلون عن العمل.
ووفق لبيانات العام الماضي لم يتجاوز معدل النمو الاقتصادي 0.3 بالمئة وفق تقديرات البنك المركزي بالسودان.
معدلات التضخم تنهش ميزانيات الأسر السودانية
وأمام هذه الأوضاع السلبية تفاقم معدل التضخم في البلاد والتي وصلت في عام 2022 154.9 بالمئة، بينما كانت في 2021 359.1 بالمئة، وسط توقعات بأن تصل إلى 70 في المئة العام الحالي.
ومن المتوقع أن تنخفض الإيرادات الحكومية بنسبة 6.4 في المئة بنهاية العام الحالي، في ظل انكماش اقتصادي كبير، كما أن العمليات العسكرية ربما تسبب في تراجع الإنفاق على الخدمات لا سيما الصحة والتعليم والدعم الحكومي الموجه لبعض الخدمات الحكومية الأخرى.
كساد كبير وخسائر بالجملة
وكأن الحرب لم تكتف بالجوعى والمشردين، فوفقا لتقارير إعلامية محلية باتت العاصمة الخرطوم والمدن التي شهدت اشتباكات بين الجيش والدعم السريع بلا مصانع تقريبا حيث توقفت جميع المصانع عن العمل بسبب الفوضى وعدم توافر الأمن، علاوة على تدمير جزء كبير منها.
وتشير التقارير إلى أن السودان خسر أكبر حصيلة جمركية بعد تعطل هذه المصانع، كما أن توقف المصالح الحكومية عن العمل عطل نسبة كبير من الإيرادات الضريبية التي تحصل النسبة الأكبر منها من الخرطوم كونها أكبر ولايات البلاد وتضم عدداً كبيراً من الوحدات الاقتصادية، وبالتالي بتوقف الحياة هناك تتأثر إيرادات الدولة بهذا التوقف بشكل كبير.
وإضافة لذلك لم يتقاضى الموظفون الحكوميون رواتبهم منذ أكثر من شهر، كما تعطلت المدارس والجامعات وتوقف العمل في غالبية المستشفيات التي تعرضت للهجوم أثناء الاشتباكات.
الخسائر موجودة من قبل الحرب
ومن قبل الحرب كان الاقتصاد السوداني يعاني من مشكلات هيكلية خطيرة أبرزها ضعف في الإنتاج، والتهرب الجمركي، والتلاعب في الأسعار وفواتير الصادر والوارد؛ مما تسبب في خسارة السودان حوالي 5.4 مليار دولار بشكل سنوي، كما تجاوزت خسائر العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان من الولايات المتحدة 40 مليارا و531 مليون دولار.
المدنيين ضحايا الحرب السودانية
ورغم أن الحرب الدائرة في البلاد من قرابة أربعة أشهر بين طرفين مسلحين إلا أن منظمات دولية في مقدمتها منظمة العفو الدولية تشير إلى وقوع جرائم على نطاق واسع في السودان حيث قتل مدنيون في هجمات متعمدة وعشوائية في الخرطوم ودارفور، وسط اتهامات لمسلحين بارتكاب جرائم اغتصاب جماعي للنساء والفتيات في مناطق الصراع.
وفي هذا الصدد قالت “وكالة رويترز” إن عدد القتلى المدنيين في البلاد أعلى بكثير مما تقوله الأرقام الرسمية في ظل حصار عدد من السكان في مناطق العمليات، وفي ظل انتشار لقوات الدعم السريع على الأرض والغارات الجوية والقصف من الجيش.
جهود إقليمية ودولية لإنهاء الصراع
وأمام هذه الحالة المتدهورة تسعى عدد من الجهات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي للتوسط بين طرفي الصراع لإنهاء الأزمة، وفي سبيل ذلك احتضنت عددا من العواصم والمدن الإقليمية على مدار الأيام الماضية ممثلين عن طرفي النزاع في محاولة لرأب الصدع ونزع فتيل الأزمة.
كان آخر الاجتماعات الدولية التي ناقشت الأزمة السودانية الاجتماع الذي عقد في القاهرة برعاية مصرية لدول جوار السودان والذي ناقش أبعاد الأزمة على دول الجوار وسبل إنهاء هذه الأزمة في أقرب فرصة.
وخلصت القمة التي عقدت في الثالث عشر من يوليو الماضي إلى اتخاذ عدة خطوات لحقن دماء الشعب السوداني، والتي كان أبرزها:
أولًا – مطالبة الأطراف المتحاربة بوقف التصعيد، والبدء دون إبطاء، في مفاوضات جادة تهدف للتوصل لوقف فورى ومستدام، لإطلاق النار.
ثانيًا – مطالبة كافة الأطراف السودانية، بتسهيل كافة المساعدات الإنسانية، وإقامة ممرات آمنة، لتوصيل تلك المساعدات، للمناطق الأكثر احتياجا داخل السودان ووضع آليات، تكفل توفير الحماية اللازمة لقوافل المساعدات الإنسانية، ولموظفي الإغاثة الدولية لتمكينهم من أداء عملهم.
ثالثًا – إطلاق حوار جامع للأطراف السودانية، بمشاركة القوى السياسية والمدنية، وممثلي المرأة والشباب يهدف لبدء عملية سياسية شاملة، تلبى طموحات وتطلعات الشعب السوداني في الأمن والرخاء والاستقرار والديمقراطية.
رابعًا – تشكيل آلية اتصال منبثقة عن هذا المؤتمر، لوضع خطة عمل تنفيذية للتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية على أن تضطلع الآلية بالتواصل المباشر مع أطراف الأزمة والتنسيق مع الآليات والأطر القائمة.