سلايدر

السودان على شفا التقسيم.. حميدتي يهدد بتشكيل حكومة جديدة   

عبدالغني دياب

يبدو أن الأزمة السودانية لن ترى انفراجة قريبا، حيث أعلن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي نيته عن تشكيل حكومة تابعة له في المناطق التي تسيطر عليها قواته في مناطق غرب البلاد، كرد فعل على التصريحات التي أدلى بها رئيس المجلس السيادي، عبد الفتاح البرهان قبل أيام، حين أكد اعتزامه إعلان تشكيل حكومة جديدة تقود البلاد من بورتسودان.

تصريحات القائدين العسكريين فتحت تكهنات واسعة حول مدى إمكانية تنفيذ كل منهما لتصريحاته، ومدى خطورة هذه الأوضاع على وحدة التراب السوداني؟ خصوصا وأن دقلو نفسه أشار إلى أن هذه الخطوة تمهد لانقسام البلاد؟

تصريحات حميدتي ضغط سياسي

والخميس الماضي قال حميدتي في تسجيل صوتي بث على منصة إكس (تويتر سابقا) إن قواته ستبدأ مشاورات لتشكيل سلطة مدنية في المناطق الخاضعة لسيطرتها إذا استمر قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان “ادعاء شرعية زائفة” وفق ما نقلت عنه وكالة رويترز للأنباء.

وفي التسجيل نفسه قال دقلو إن قيام قائد الجيش السوداني بتشكيل حكومة في  بورتسودان “يعني أن البلاد ستواجه سيناريوهات حدثت في دول أخرى بوجود طرفين يسيطران على مناطق مختلفة في بلد واحد، وكل منهم لديه حكومة.

في ميزان التحليلات السياسية يرى مراقبون أن تصريحات قائد الدعم السريع ما هي إلا ابتزازا سياسيا ً لبعض الأطراف في الداخل والخارج، في محاولة منه لإثناء البرهان عن تشكيل حكومة جديدة، لأن هذه الخطوة قد تعطل أي حل سياسي يبدو قريبا.

ويرى الخبراء أن حميدتي ربما لن يستطيع تشكيل حكومة في المناطق الخاضعة له كما يدعى، لأنه من الصعب أن يجد قوى سياسية في الداخل تعلن تأييد هذه الخطوة، كما أن الجهات الدولية والدول المجاورة لن تتفاعل بسهولة مع هذه الحكومة.

البلاد لن ترى انقساما سياسيا

ما يصعب المهمة على حميدتي هو أن قوات الدعم السريع تحظى برفض شعبي كبير في الأوساط السودانية كما أنها لديها صورة ذهنية سيئة لدى كثير من السودانيين بسبب الانتهاكات التي ارتكبتها في الماضي ولا تزال ترتكبها حتى الآن بحق المواطنين خصوصا من يظنون أنه داعم للقوات المسلحة، وهو ما قد يدفع حياته ثمنا لذلك.

ووفقا لمراقبين فإن السودان لن يشهد انقساما مناطقيا كما هدد حميدتي ، لكن من المتوقع أن تشهد العملية السياسية المرجوة تباطؤا، كما أن البلاد ربما تعاني من المزيد من الفراغ الإداري والسياسي بسبب غياب الحكومة، حيث أن الحكومة التي تدير البلاد حاليا غالبية وزرائها إما نزحوا لإقاليم هادئة أو فروا لعواصم دول الجوار بسبب الحرب، كما أن خطوة إعلان حكومة تابعة للدعم السريع قد تفقده دعم جبهة قوى الحرية والتغيير-المجلس المركزي.

هل يقدم البرهان على تشكيل حكومة؟ 

في المقابل أعلن عبد الفتاح البرهان، قبل أيام من تصريح حميدتي أنه بصدد تشكيل حكومة جديدة تنطلق من بورتسودان، والتي ستكون وفق وصف مقربين من السيادي السوداني حكومة حرب، وهو ما يواجه تحديدات كبيرة وفق محللين.

أول التحديات التي تواجه حكومة البرهان هي الأخرى أن بعض وزراء الحكومة الحالية من قادة الحركات المسلحة المنحدرون من دافور وإعلان تشكيل حكومة جديدة قد يستثنيهم وهو ما سيعود بالضرر على البرهان، إذ أن هذه الحركات لا تزال تؤيده وإن كان بشكل غير مباشر أو تقف على الحياد، وخروج وزرائها من التشكيل قد يتسبب في اتساع رقعة الحرب أو تأييد بعضها للدعم السريع.

مالك عقار هو صاحب فكرة الحكومة الجديدة

فكرة الحكومة الجديدة، قالت عنها تقارير إعلامية إنها من اقتراح نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار الذي اقنع البرهان بضرورة وجود حكومة فاعلة تستطيع إدارة شؤون البلاد، بعدما كشفت الحرب ضعف أداء الحكومة المكلّفة، خصوصا بعد تدهور مستوى الخدمات، وشعور المواطن أن هناك فراغاً سياسياً ودستورياً.

عطفا على ذلك قالت تقارير إعلامية إن البرهان كلف عقار بالفعل بالبدء في إعداد مقترحات تشمل معايير لاختيار رئيس الحكومة الجديدة على أن تكون حكومة مدنية وغير حزبية، وهو ما تم فعلاً، حيث تسلم رئيس مجلس السيادة ملفاً عن تشكيل الحكومة وقائمة بمرشحين للوزارات.

وأكدت التقارير أن البرهان طلب من عقار أن يتولى هو رئاسة الحكومة المقترحة لكن الأخير اعتذر بسبب ظروفه الصحية.

البرهان قد يغير رأيه

لا يقتصر أمر الحكومة الجديدة على التحديات السابق ذكرها، لكن وجود حكومة جديدة في بورتسودان قد يعرقله بعض النصوص الدستورية إذ ينص اتفاق جوبا على منح إقليم دارفور 25% من مقاعد مجلس الوزراء، مما وضع البرهان أمام تحدٍ، وبات يخشى أن يتم تفسير إبعاد وزراء دارفور من تشكيلة الحكومة بمثابة انهيار لاتفاق جوبا وإقصاء قادة الحركات المسلحة في الإقليم.

وتشير تقارير إعلامية إلى أن البرهان تلقى نصائح من جهات داخلية وخارجية تعتبر أن تشكيل حكومة -الوقت الحالي- يمكن أن يعتبر قطعاً للطريق أمام العملية السياسية المرتقبة بعد وقف الحرب، وهو ما يمكن أن يعقّد الأوضاع، بحسب المصادر.

ولهذا من المتوقع ألا يشكل البرهان حكومة جديدة بل تشير التوقعات إلى أنه قد يجرى تعديلات على الحكومة الحالية، ومن المحتمل أن يشمل التغيير 7 وزراء، منهم اثنان متهمان بموالاة قيادة قوات الدعم السريع، وآخرون متهمون بالتقصير بالأداء، أو اختفاء بعضهم منذ بداية الحرب.

الحرية والتغيير ترفض تشكيل حكومة الدعم

وعقب إعلان حميدتي عن نيته تشكيل حكومة أصدرت قوى الحرية والتغيير بيانا أكدت فيه رفضها تشكيل حكومة جديدة تابعة لأحد الأطراف، مؤكدة أن ذلك قد يتسبب في تعميق الصراع الدائر في البلاد منذ 15 أبريل الماضي

اجتماعات أسمرا تضع خارطة طريق أساسية

تهديات طرفي الصراع بتشكيل حكومة جديدة، والتلويح باقتسام البلاد، تزامن مع اجتماعات لقوى سياسية وحزبية في العاصمة الإريترية أسمرا، ضمت ممثلين لكل من “قوى الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية” وتحالف قوى الحراك الوطني ومنظمات مجتمع مدني و كيانات مهنية وشخصيات قومية.

ونتج عن هذه الاجتماعات “إعلان أسمرا” الذي نص على فترة انتقالية لمدة عامين، وتشكيل مجلس سيادي مكون من 5 مدنيين و4 عسكريين يمثلون أقاليم البلاد، على أن يترأس القائد العام للجيش مجلس السيادة، وتشكيل حكومة مدنية انتقالية بعيدة عن المخصصات بقيادة رئيس وزراء ذي شخصية توافقية.

الأمم المتحدة تحذر من كارثة إنسانية

وفي المقابل قال تقرير صادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إن السودان يواجه كارثة إنسانية محققة، مشيرا إلى أنه بالنسبة للمدنيين المحاصرين في مرمى النيران المتبادلة، فإن العواقب كارثية. فقد قُتل مئات الأشخاص وجُرح العديد، ونزح مئات الآلاف، وتعرضت المرافق الصحية للهجمات، وارتفعت أسعار المواد الغذائية والوقود والمواد الأساسية الأخرى بشكل هائل.

وقد تسبب القتال في نشوء حالة طوارئ إنسانية داخل السودان وفي البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان ومصر، حيث تفر أعداد كبيرة من السكان بحثاً عن ملاذ آمن.

من دون التوصل إلى حل سريع وسلمي، فسوف تكون التداعيات وخيمة على السودان والمنطقة الأوسع نطاقاً، وكلاهما كانا يصارعان من أجل التعامل مع النزوح الجماعي والأزمة الاقتصادية والكوارث المناخية حتى قبل اندلاع الأزمة الأخيرة.

وأكد التقرير أن القتال الأخير والذي نشب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية جاء في وقت كان فيه السودان يعاني أصلاً من أعلى مستويات الاحتياجات الإنسانية منذ عقد من الزمن.

وجلبت الإطاحة بالزعيم عمر البشير في عام 2019 التفاؤل بأن البلاد ستعود إلى الحكم المدني. ومع ذلك، فقد أدى انقلاب عسكري وقع بعد ذلك بعامين إلى حل الحكومة المدنية الانتقالية، مما أثار اضطرابات سياسية واقتصادية، ليندلع الصراع مجدداً بين القبائل في ولاية غرب دارفور وولايتي النيل الأزرق وكردفان.

بالإضافة إلى ذلك، أثرت الأحوال الجوية العاتية والمرتبطة بتغير المناخ، بما في ذلك الفيضانات والجفاف، على مئات الآلاف من الأشخاص في جميع أنحاء البلاد، مما أدى إلى تلف المحاصيل ونفوق الماشية وتعقيد الأمور على العائلات من أجل وضع لقمة على المائدة.قبل النزاع الحالي، كان هناك 4.5 مليون سوداني في عداد النازحين

يعاني السودان من الصراعات والنزوح منذ اندلاع أزمة دارفور في عام 2003. وبحلول نهاية عام 2022، كان هناك أكثر من 3.7 مليون شخص من النازحين داخلياً، يعيش معظمهم في مخيمات في دارفور. ويعيش 800 ألف سوداني آخر كلاجئين في دول مجاورة مثل تشاد وجنوب السودان ومصر وإثيوبيا.

الأزمة السودانية
الأزمة السودانية

في الوقت نفسه، كانت البلاد موطناً لأكثر من مليون لاجئ – وهو ثاني أكبر عدد من اللاجئين في إفريقيا، معظمهم من جنوب السودان ويعيشون في ولايتي الخرطوم والنيل الأبيض، لكن اللاجئين الفارين من الأزمة في شمال إثيوبيا اعتباراً من أواخر عام 2020 وجدوا أيضاً ملاذاً آمناً لهم في شرق السودان، فيما قدم آخرون من إريتريا وسوريا وجمهورية إفريقيا الوسطى.

بعض الذين يفرون الآن من البلاد هم لاجئون يحاولون العودة إلى ديارهم أو إلى دول مجاورة أخرى، حتى لو كان ذلك يعني الذهاب إلى مناطق تفتقر للاستقرار أو غير جاهزة لاستقبالهم.

وبحسب تقديرات المفوضية، قد يضطر حوالي 860,000 شخص للفرار من السودان إلى الدول المجاورة، وفي الأسابيع الأربعة الأولى من الأزمة، فر حوالي 200,000 لاجئ وعائد من البلاد، بينما نزح 700,000 شخص آخر داخل السودان.

واستقبلت مصر أكبر عدد من الأشخاص، تليها تشاد وجنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وإثيوبيا. في جنوب السودان، يمثل مواطنو الدولة غالبية العائدين الذين كانوا يعيشون في السودان كلاجئين.

من دون وجود حل للأزمة، سيضطر مئات الآلاف من الأشخاص للفرار بحثاً عن الأمان والمساعدات الأساسية. وتقدر المفوضية وشركاؤها أن يصل عدد اللاجئين والعائدين إلى 860,000 بحلول أكتوبر. حالة الفوضى في السودان تؤدي إلى تراكم المزيد من الاحتياجات على البلدان المضيفة التي تعاني أصلاً من ضغوط

كانت جميع البلدان المجاورة التي طالتها تأثيرات هذه الحالة الطارئة الجديدة تستضيف بالأصل أعداداً كبيرة من اللاجئين والنازحين داخلياً في ظل مستويات غير كافية ومتضائلة من التمويل الإنساني.

في الوقت نفسه، كانت دول مثل تشاد وجنوب السودان (الأقل نمواً في العالم) تصارع مشكلات مثل الجوع وانعدام الأمن والآثار المترتبة عن تغير المناخ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى