حوادث قناة السويس.. هل تهدد إيراداتها وتنافسيتها؟
9.4 مليار دولار إيرادات القناة بسنة ومعدلات العبور غير مسبوقة
علا عوض و محمد الدسوقي
شهدت قناة السويس خلال السنوات الثلاث الأخيرة عدة حوادث بدأت بجنوح سفينتين بالمجرى الملاحي، وانتهت منذ يومين بغرق القاطرة «فهد».
وتعطل قناة السويس 2021 جراء توقف حركة الملاحة البحرية في القناة، بسبب حادثة جنوح سفينة الحاويات «إيفر جيفن» 23 مارس 2021، بعد أن واجهت السفينة عاصفة رملية قوية بلغت سرعتها 50 كيلومترًا في الساعة.
وأدت العاصفة إلى فقدان السيطرة على السفينة وانحراف هيكلها لتنجرف بين جانبي القناة، حيث تسببت في انسداد القناة وتوقف حركة الملاحة، وتكدس 150 سفينة بانتظار زحزحتها، قبل نجاح إعادة تعويم السفينة بعد 6 أيام وتحديدا 29 من الشهر نفسه.
وتبع حادث إيفرجرين، جنوح ناقلة بترول تحمل علم سنغافورة تبلغ حمولتها 64 ألف طن وطولها 252 مترًا، في مجرى القناة الملاحي 31 أغسطس من العام الماضي؛ ليتوقف نشاط القناة.
ومؤخرا، اصطدمت الناقلة «CHINAGAS LEGEND» خلال عبورها ضمن قافلة الجنوب في رحلتها قادمة من سنغافورة ومتجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بالقاطرة فهد التابعة لهيئة قناة السويس، عند الكيلو 51 بمنطقة البلاح، ما أسفر عن غرق القاطرة.
ويبلغ طول الناقلة المتسببة في الكارثة 230 مترًا، بعرض 36 مترًا، وغاطس 27 قدمًا، وحمولة كلية 52 ألف طن، حيث قررت هيئة القناة إيقافها في بورسعيد لحين انتهاء الإجراءات المرتبطة بالحادث.
إيرادات قناة السويس تقفز لـ9.4 مليار دولار لأول مرة
وعلى الرغم من الحوادث، تزايدت إيرادات قناة السويس لتسجل، لأول مرة، 9.4 مليار دولار في السنة المالية السابقة 2022_ 2023 والتي انتهت 30 يونيو الماضي، مقارنة مع 7 مليارات بالسنة السابقة لها، وفق رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع.
وبلغ ارتفاع إيرادات القناة نحو 35% في الربع الأول من 2023، إلى 2.3 مليار دولار خلال الربع الأول من العام 2023، مقارنة بالربع الأول من العام الماضي، وفقا للمستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية.
وقال إن الرئيس عبدالفتاح السيسي اطلع على بيان بحركة الملاحة في قناة السويس، خلال الربع الأول من العام الجاري، الذي أظهر ارتفاع أعداد السفن التي مرت بالقناة بنحو 20%.
وسجلت القناة أعلى معدل عبور يومي في تاريخها، يوم 13 مارس الماضي، بلغ 107 سفن، بحمولة 6.3 مليون طن.
وحققت إيرادات القناة زيادة بلغت 1.5 مليار دولار في شهري يناير وفبراير من العام الجاري، مقابل 1.1 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، بزيادة 41.6%.
«الملاح»: غرق القاطرة فهد حادث عرضي
وصفت الدكتورة هدى الملاح، مديرة المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى، غرق القاطرة فهد بالحدث العارضً، مؤكدة أن غرق القاطرة فهد واحدة من الحوادث النادرة في المجرى الملاحي.
وشددت على اعتبار القناة مصدرًا وموردًا من موارد الدخل القومي والعملة الصعبة للبلاد، لما لها من أهمية استراتيجية في الربط بين قارات إفريقيا وآسيا وأوروبا، موضحة أنها أكثر جدوى من طريق رأس الرجاء الصالح، وتوفر أقصر مدى زمني للرحلات، ما يُسهل انتقال التجارة والبضائع عبر مختلف القارات وليس عبر الدول فقط.
وأشارت إلى تزايد أعمال الشحن والتفريغ بعد إنشاء قناة السويس الجديدة والمنطقة الاقتصادية، إضافة لأعمال التزود بالبترول والطاقة وشحن البواخر، لتكتسب القناة أهمية اقتصادية إضافية، معتبرة أنها «جوهرة مصر».
«عامر»: قناة السويس بأفضل حالاتها والحوادث “طارئة”
واعتبر الدكتور عادل عامر، الخبير الاقتصادي، أن تكرار حوادث قناة السويس وجنوح السفن وغرق القاطرة فهد، طارئة وغير مقلقة، ولا يمكن أن تشغل الأذهان طالما جرى التعامل معها بسرعة لاستئناف حركة السفن مرة أخرى، محذرا أن حال تكرارها تؤدي إلى تعطيل حركة الملاحة وعبور السفن.
وأضاف أن عمل قناة السويس يعتمد على عدد السفن العابرة وسرعة عبورها، موضحا أنه عندما تتعطل نتيجة لجنوح سفينة ترتبك حركة الملاحة البحرية، وتتعطل عملية تحصيل العوائد على مرور السفن.
وقال إن العدد الحالي للسفن العابرة يُشكّل المعدل الطبيعي، بعد افتتاح قناة السويس الجديدة، بحيث ارتفع معدل تدفق السفن ليحقق وفرا للشركات المالكة للسفن، ويعزز تنافسية قناة السويس.
وأشار إلى إصدار رئيس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، قرارًا بإنشاء الشركة القابضة للملاحة البحرية، لنقل شركات هيئة قناة السويس لإدارتها طبقًا لقانون الأعمال العام، أملا في استقطاب شركات أجنبية للاستثمار في المنطقة الاقتصادية للقناة.
حزب الجيل: حوادث قناة السويس أقل من المعدلات العالمية
ورأى ناجى الشهابى رئيس حزب الجيل، أن حوادث جنوح السفن المارة من قناة السويس قليلة، وتعد أقل من معدلاتها العالمية، نافيا تحولها إلى ظاهرة مقلقة خصوصا مع عدم تأثر عملية تدفق السفن للمجرى الملاحي لقناة السويس.
ونبه إلى تنامي الحصيلة السنوية من رسوم السفن المارة بقناة السويس، ووصولها إلى أرقام غير مسبوقة، لتعزز من عوائد هيئة قناة السويس، ودورها في توفير السيولة الدولارية لمصر.
وأضاف «الشهابى»، أنه من اللافت في حركة السفن المارة من القناة بعد توسعتها أنها سفن ضخمة تحمل حمولات كبيرة جدا وتلك الحمولة الكبيرة وراء الحوادث.
و أكد أن حوادث جنوح السفن ليست مؤثرة على تنافسية قناة السويس عالميا، مدللا على وجهة نظره بارتفاع عوائدها من حركة عبور السفن.
3 مشاريع تنافس قناة السويس كشريان ملاحي عالمي
ظهرت العديد من الدول إطلاق مشاريع تهدف لتنويع مسارات الشحن الدولي لمنافسة قناة السويس في عوائدها وأهميتها الاستراتيجية لحركة الملاحة الدولية.
شق ممر ملاحي بالقطب الشمالي
تراود موسكو طموحات لإطلاق ممر الملاحة الشمالي عبر منطقة القطب الشمالي لربط المحيطين الأطلسي والهادئ، ليكون طريق عبور لتصدير النفط والغاز الروسي إلى الأسواق الخارجية، خاصة مع ذوبان الجليد جراء الاحتباس الحراري.
ووافقت الحكومة الروسية في أغسطس 2022، على خطة تطوير ممر الملاحة الشمالي التي يفترض أن تستغرق مدى زمني حتى العام 2035، بإجمالي تمويل يقدر بحوالي قرابة 30 مليار دولار.
وزعمت تقارير أن ممر الملاحة الشمالي يخفض زمن الرحلة من آسيا إلى أوروبا لـ 23 يوما، أما عبر قناة السويس فيصل إلى 34 يوما، ما يزيد التكاليف والوقت.
مخطط ممر الشمال والجنوب يبدأ من سان بطرسبرغ للخليج
ويمثل ممر شمال – جنوب، مسارا متعدد الوسائط يبدأ من ميناء سان بطرسبرغ الروسي إلى ميناء مومباي في الهند والموانئ المطلة على الخليج، بطول إجمالي يصل إلى 7.2 ألف كيلومتر ويمر عبر إيران.
ويشتمل على ثلاثة مسارات عبر بحر قزوين من خلال السكك الحديدية والموانئ، إضافة لمسارين بريان غربي وشرقي.
وتزعم وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، تضاعف حجم حركة البضائع عبر الممر في الربع الأول من 2023 إلى 2.3 مليون طن، حيث تخطط لزيادتها لتصل بين 15 و17 مليون طن سنويا بحلول عام 2030.
وكانت موسكو وطهران وقعتا اتفاقية لاستكمال مشروع الممر، عبر تشييد سكة حديد بطول 162 كيلومترا بين ميناء آستارا ومدينة رشت في إيران، وكذلك مد سكة الحديد بين آستارا ورشت لتشغيل الشحن بواسطة القطارات على طول الممر.
وشدد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على أهمية المشروع، مشيرا إلى توقعات بانخفاض فترة شحن البضائع من سان بطرسبورغ الروسية إلى مومباي الهندية من 30 و45 يوما إلى 10 أيام فقط.
شريان الشحن العراقي
ويعتبر طريق التنمية العراقي أخطر التهديدات لقناة السويس، وينظر إليه مراقبون كمنافس لقناة السويس، حيث يختصر المشروع العراقي الجديد وقت السفر بين آسيا وأوروبا.
وتقدر قيمة المشروع بـ17 مليار دولار لربط ميناء الفاو على ساحل العراق الجنوبي الغني بالنفط بالحدود مع تركيا عبر مد شبكة سكك حديدية وطرق، ليحوّل البلاد إلى مركز عبور باختصار وقت السفر بين آسيا وأوروبا.
ووضعت الحكومة العراقية تصورا لنقل البضائع باستخدام قطارات عالية السرعة تصل إلى 300 كيلومتر في الساعة، بالإضافة إلى مد خطوط إلى مراكز الصناعة المحلية والطاقة والتي يمكن أن تشمل أنابيب النفط والغاز.
ويشمل المخطط ربط طرق النقل الرئيسية بميناء الفاو الرئيسي على شواطئ الخليج. ومد 1.2 ألف كيلومتر من السكك الحديدية والطرق السريعة بالدول المجاورة.
وعلى الرغم من المشاريع التي يتم إطلاقها والتي هي مرشحة لتكون منافسا لقناة السويس، يتفق الخبراء على أن قناة السويس ستبقى مهمة كشريان شحن لسنوات عديدة.