الإسكان 4.9 مليون مبني يفتقر 50% منها لأعمال الصيانة
نسبة مخالفات المباني في مصر وصلت لـ90% من إجمالي العقارات الموجودة
شعبان حمزة
أصبحت كوارث انهيار العقارات في مصر تتكرر بصورة يومية ورغم أن معظم هذه العقارات حديث البناء ورغم تنظيم مصر لأكبر معرض عقاري في مصر تحت مسمي «سيتي سكيب» من أجل ضبط السوق العقاري، إلا أن كثرة انهيار العقارات -مأهولة وغير مأهولة- يدفعنا لفتح هذا الملف.
فمنذ بداية العام الجاري شهدت مصر سلسلة انهيار عقارات ومنازل كان آخرها انهيار عقار الخانكة بمحافظة القليوبية والذي راح ضحيته ثلاث أشخاص، وحادثة انهيار جزئي لواجهة منزلين متلاصقين مكونين من طابقين ومشيدين بالطوب اللبن والطين ومسقوفين بالعروق الخشبية «غير مأهولين بالسكان» في محافظة سوهاج (جنوب)، ولم ينتج من الواقعة حدوث أي خسائر أو إصابات بشرية بأحد، وعلل مالكا المنزلين سبب الانهيار لقدم المنزلين وتهالكهما.

وفي محافظة الإسكندرية (شمال) شهد حي الجمرك انهيار عقار مكون من طابقين، مما أسفر عن مصرع شخص، وسبق تلك الواقعة بأيام عدة انهيار عقار مكون من 13 طابقاً في منطقة سيدي بشر أدى إلى وفاة 10 أشخاص تحت الأنقاض وإصابة أربعة آخرين.
وكشفت البيانات الرسمية لتعداد المنشآت لعام 2017 التي أعدها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (جهة حكومية رسمية)، أن عدد العقارات الآيلة للسقوط من دون أن يتخذ إجراء في شأنها يبلغ 97535 عقاراً موزعة على أنحاء الجمهورية كافة، واستحوذت محافظة الشرقية على نصيب الأسد من العقارات الآيلة للسقوط بواقع 11430 عقاراً تمثل 11.7 في المئة من إجمالي العقارات الآيلة للسقوط، وتصنف هذه العقارات بالتعداد تحت بند «غير قابل للترميم ومطلوب الهدم»، تليها محافظة المنيا بإجمال 10424 عقاراً، ثم سوهاج بإجمال 7370 عقاراً ثم الدقهلية بواقع 7095 مبنى.

ووفقًا لإحدى الدراسات، فإن نسبة مخالفات المباني في مصر وصلت لحوالي 90% من إجمالي العقارات الموجودة، والتي قدرتها إحصائيات وزارة الإسكان بـ 4.9 مليون مبني يفتقر 50% منها لأعمال الصيانة الأساسية، مشيرة إلى أن محافظة الإسكندرية أصدرت أكثر من 57 ألف قرار إزالة لم يتم تنفيذهم رغم ما شهدته الإسكندرية من حالات سقوط للعديد من العقارات في الآونة الأخيرة.
طلبات إحاطة واستجوابات حول الانهيارات
ودخل البرلمان المصري على خط المواجهة في تلك القضية، إذ انهالت طلبات الإحاطة والاستجوابات، وخاض عدد من النواب معارك عدة مع السلطات والأجهزة التنفيذية بالدولة المعنية بذلك الملف من أجل وضع حل لأزمة الانهيار المتكرر للعقارات والمباني، وحماية سلامة أرواح المواطنين القاطنين في العقارات المهددة والآيلة للسقوط في كثير من المحافظات، والتي تشكل خطورة على حياة الأهالي، علاوة على مطالبة الحكومة بوضع خطة واستراتيجية للتعامل مع هذه الظاهرة الخطرة، وعمل حصر شامل للعقارات الآيلة للسقوط في المحافظات كافة، والعقارات القديمة أو المخالفة التي صدرت لها قرارات ترميم أو إزالة بسبب عيوب السلامة الإنشائية، وتنفيذ تلك القرارات فوراً وتحديد الجهات المسؤولة عن تأخير تنفيذها.
أسباب انهيار العقارات في المحروسة
وتتعدد أسباب انهيار العقارات، منها أسباب مباشرة مثل مخالفات البناء سواء كان البناء بدون ترخيص أو التعلية بدون ترخيص، وأسباب غير مباشرة تُعتبر هي السبب الرئيسي في وجود المشكلة من الأساس منها:
1- فساد المحليات
ارتفاع معدلات الفساد داخل المحليات هو أهم أسباب تفاقم المشكلة وانهيار العديد من العقارات، التي ثبت أن أغلبها حديثة وليست قديمة، فقد أدى ذلك الفساد إلى صعوبة حصول المواطن على تراخيص البناء من خلال القنوات الشرعية.
ضعف أجور مهندسي الأحياء هو ما فتح مجالًا للرشوة والمساومات وهجرة الكفاءات الهندسية من العمل في المحليات؛ هرباً من المسئولية الهندسية التي تجعلهم دائماً عرضة للمساءلة القانونية،
كما أن تضارب القوانين والتشريعات الخاصة بالبناء وتعددها، أدى إلى اختراقها والالتفاف حولها واستغلال ثغراتها.
2- العشوائية في التخطيط
يعاني سوق العقارات المصري من العشوائية في التخطيط، فإن مصر لا يحكمها خطة عقارية موحدة، فكل منطقة لها تخطيط خاص بها، فغياب التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى هو السبب الرئيسي وراء أزمة السكن في البلاد، الذي من خلاله يتم وضع الخطط اللازمة لتوفير الوحدات السكنية بأسعار مدعومة للمواطنين.
3- جشع المقاولين وغياب الرقابة
يستغل العديد من المقاولين وأصحاب العقارات غياب الرقابة، ويقومون ببناء وحدات سكنية فوق الارتفاعات المصرح بها؛ مستغلين ضعف القبضة الأمنية وزيادة الطلب على الوحدات السكنية.
كما أن الغش والتلاعب في مواد البناء من أبرز أوجه الفساد المنتشر داخل قطاع البناء والتشييد؛ مم أدى إلى انهيار العديد من العقارات خلال الأعوام الماضية، فلم تخلو محافظة من تلك الكارثة.
4- غياب المهنية في العمل الإنشائي
للقطاع العقاري المصري يحتل مركزًا متأخرًا ضمن الأسواق العقارية المتميزة في مجال الإنشاءات؛ لغياب المهنية في العمل الإنشائي، فأصبح إنشاء العقارات عمل يهدف للربح فقط ولا يراعي معايير الإتقان.
5- عدم وجود شرطة متخصصة للتعامل مع مخالفات البناء
تؤكد إحدى الدراسات ضرورة وجود شرطة متخصصة للتعامل مع مخالفات البناء بحزم وجدية، بالإضافة إلى ضرورة وضع سياسة بنائية تتوافر بها قاعدة بيانات تُبني عليها سياسات التخطيط العمراني، مع ضرورة توفير بديل سكني مناسب عند اتخاذ قرار بالإزالة حفاظاً على الاستقرار.
6- ثغرات في قانون البناء الموحد
ويشير متخصص الإدارة المحلية حمدي عرفة إلى أن الحل الأمثل لمواجهة تلك الظاهرة يكمن في إجراء تعديل على قانون البناء الموحد رقم (119) لسنة 2008، لأنه يزيد تفاقم أزمة العقارات المخالفة بطريقة غير مباشرة، علاوة على أن القانون يؤدي إلى تدهور التخطيط العمراني، كما أنه يحوي ثغرات عدة تسمح بوجود فساد سواء من بعض العاملين في الإدارات الهندسية بالوحدات المحلية المختلفة أو من قبل المواطنين الذين يعجزون عن الحصول على تراخيص البناء المختلفة نظراً لصعوبة الإجراءات، مطالباً بضرورة وضع تشريع قانون جديد يسمح بحبس كل من المقاول أو المهندس الذي ينفذ أية إنشاءات مخالفة، علاوة على حبس صاحب العمارة المخالفة ذاتها، مشيراً إلى أن إجمال عدد العقارات المخالفة في 27 محافظة منذ اندلاع «ثورة يناير» حتى الآن وصل إلى 3.2 مليون عقار مخالف.
سكن لكل المصريين بالمدن الجديدة.. أحد الحلول
وفي خطوة قد تحد من سكنى العقارات القديمة والآيلة للسقوط على المدى البعيد، توسعت الحكومة في إنشاء عقارات في العديد من المدن الجديدة التي تراعى فيها معايير البناء وشروط السلامة، كما أنها تناسب مختلف شرائح المجتمع.

وفي ظل مبادرة رئاسية تعرف باسم «سكن لكل المصريين»، شرعت الحكومة في بناء آلاف الوحدات السكنية في تلك المدن الجديدة بتسهيلات على فترات طويلة لمنخفضي ومتوسطي الدخل، لمدة تصل إلى ثلاثين عاما، مما قد يسهم في حل أزمة السكن وارتفاع تكاليفه.