تحقيقات وحواراتصحة وطب

فوضى «المكملات الغذائية» .. إعلانات مُحفزة لـ«موت بطيء»

أوهام «قوة الأسد».. صناعة عالمية بـ137 مليار دولار

مُنشطات «الباور» تصيب «علي» بالفشل الكلوي.. وضحاياها في تزايد

نواب: «المكملات» حوّلت صالات الجيم إلى «رُعب حقيقي»

و30%من الوفيات في مصر بسبب الاستخدام الخاطئ للأدوية

 

بعبوات أنيقة وعبارات رنانة تدغدغ المشاعر وتثير أوهام وأحلام «قوة الأسد» العاجلة، كثيراً ما ينجذب زبائن الصيدليات ورواد الصالات الرياضية «الجيم» إلى مُنتجات المُكملات الغذائية التي غالباً ما تحتوي على لفظ «ماكس أو باور» -في إشارة للقوة-، ويضعها الصيدلي أو المدرب بجوار مكتبه كي تسحر أعين زبائنه بادعاء خلطاتها السحرية التي تتلاقي مع تطلع البعض لتحصين الصحة والذهن والذكاء، أو جذب طلاب المدارس والجامعات الباحثين عن تطوير الأداء بفترة الاختبارات، أو بحث بعض المتزوجين عن تعزيز الخصوبة، وصولاً إلى هوس البعض في تحقيق شكل الجسد الممشوق ومفتول العضلات «بدي بيلدينج».

المكملات الغذائية
فوضى المكملات الغذائية

ويزداد هوس البعض بالمكملات الغذائية مع تصور أنها روشتة المساعدة في خفض الوزن ونحت الجسم بدون تدريبات، ورفع القدرة الجنسية، وتحسين الأداء الوظيفي والأعمال المنزلية، وحتى منع أمراض الكلى والقلب والأوعية الدموية، حيث تصب جميع هذه الرغبات الإنسانية في مصلحة معدومي الضمير وراغبي السراء السريع الذين يستغلون هذه الحاجة الإنسانية في دس «السم في العسل» بعبوات تحمل وصف المُكمل الغذائي البديل للمنتجات الطبيعية، حتى أصبحت صناعة المكملات سوقاً عالمياً يقدر حجمها حالياً بـ 137 مليار دولار.

تحقيقات «المصرية» بحثت في ملف المكملات الغذائية للوصول بقرائها إلى حقائق واقعية تجيب على أبرز الأسئلة بشأن هذا الملف، لا سيما: ماذا تعني هذه المكملات؟، ومتى تكون مفيدة؟، ومتى تصبح مضرة؟، وماذا عن ضحاياها؟، وما القواعد الحاكمة لتناولها؟، وهل يمكن تناولها دون وصفة الطبيب؟.

ماهية المكملات الغذائية

تعد الفيتامينات والمعادن أكسير حياة الجسم البشري، حيث يحصل عليها من الطعام الطبيعي، ومنها: «فيتامين A أو أ – فيتامين E أو هاء – فيتامين D أو دال – فيتامين C أو سي – فيتامين B – بي بأنواعه المختلفة… وغيرها»، فضلاً عن المستخلصات الحيوانية والأحماض الأمينية والأحماض الدهنية والبروبيوتيك والإنزيمات، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، لكن مع تطوُّر الصناعات الدوائية؛ أصبح بالإمكان الحصول على تلك الفيتامينات عبر مُكملات غذائية مُصنعة ومصممة لزيادة مدخولنا اليومي من الفيتامينات والمعادن، ومع اعتقادنا أننا لا نأكل ولا نمارس حياتنا اليومية بشكل صحّي، زادت ثقتنا بشكل مفرط في منتجات المكملات مع تصور أنها تعد تعويضاً عما نتخلله من قصور غذائي بحياتنا اليومية.

المكملات الغذائية
المكملات الغذائية

للحديث عن فوائد المكملات الغذائية المصنعة والروشتة الآمنة لتناولها، فقد طوّر العلماء من قياسات وتحاليل الفيتامينات والمعادن بالجسم البشري داخل المعامل التحليلية الحديثة وأقسامها الميكوبيولوجية والباراسيتولوجية و البيولوجية والمناعية… وغيرها، إذ قد يعاني البعض من زيادة بعض المعادن مثل الكالسيوم مقابل نقص نسبة معادن أخرى في الجسم، لذلك يلجأ الأطباء للتحاليل الطبيعة لتحديد لنا نسب مُحددة لتناول المكملات ما بين مليغرام – ميكروغرام – وحدة دولية، والتي معايير قياس جرعات المكملات اللازمة للجسم بدون الإخلال بوظائفه الأخرى أو تدمير أجهزته.

أضرار المكملات

وسط الحصار الذي يعيشه المستهلكون من إعلاناتها تجارية عن المكملات الغذائية باتت منتشرة في كل مكان سواء إعلانات الطرق أو الميديا أو ومواقع التواصل الاجتماعي، طرأت معضلة ضحايا المكملات الغذائية، والتي بلغت صداها العالمي بقضة المواطن البريطاني جيم ماكانتس، الذي دفعه الأمل في تحسين صحته إلى الانسياق خلف إعلانات تجارية تنصح بتناول الشاي الأخضر، فما كان منه أن دوام على تناوله بشكل مفرط؛ لينتهي به الحال إلى إجراء عملية زرع كبد، بحسب ما نشرته شبكة بي بي سي البريطانية.

وعلى غرار البريطاني «ماكنتس»، جرى إحصاء نحو 23 ألف زيارة طبية للمستشفيات الأوروبية لمعالجة التفاعلات السلبية للمكملات، بما يثير مخاوف كبرى بشأن الصورة الذهنية التي يزرعها «بيزنس المكملات الغذائية» في مخيلة الزبائن دون أن يدروا بأن ما قد يحصلون عليه من فوائد وقتية ربما يجلب لهم أضرار لا تُحصى، ومنها: «اضطراب الجهاز الهضمى – تلف الأعصاب – صعوبة النوم والتركيز – النزيف – تؤثر على فعالية المضادات الحيوية – التسمم – تساقط الشعر – الإصابة بأمراض القلب – تلف الكلى والكبد…وغيرها”، وفقا لـ «موقع verywell fit»، وبجانب أضرار التناول المفرط تزعم بعض الشركات أن منتجاتها من المكملات على درجة كبير من الجودة أو الرقابة العلمية، في حين أن بعضها قد ينطوي على أخطاء إنتاجية أو في نسب المكونات ما يسبب مخاطر صحية قاتلة.

المكملات الغذائية
المكملات الغذائية

«المصرية»، سعت في رصد حالات لضحايا المكملات على أرض الواقع، فالتقت بالطالب سيد.ع.م، 27 عاماً، الذي حكى تجربته مع المكملات، قائلاً: “كنت أحلم بالوصول بجسمي إلى فورمة رياضية، لأصبح منحوت القوام ومفتول العضلات، ومع ارتيادي لإحدى الصالات الرياضية بمنطقة فيصل التي أقيم فيها، فقد نصحني زملائي بالجيم في تناول مكملات غذائية تساعد على بناء العضلات على غرار كوتشات كمال الأجسام، ومع تناولي المستمر للمكملات بدأت أشعر بآلام متزايدة أسفل الظهر، فاعتقدت في البداية أنها بسبب التمارين الرياضية، لكن مع زيادة الألم، ذهبت للطبيب وفوجئت أنه أخبرني بأن السبب هو كسل في أداء الكلى جراء تراكم المكملات التي أتناولها بداخل الكلى التي لم تستطع تحمل كل تلك الكميات لتنقيتها، ونصحني بالتوقف الفوري عن تناولها قبل الدخول في معضلة صحية كبرى”.

تجربة «سيد» مع المكملات لم تكن أكثر مأساوية من تجربة علي.م.أ، وهو شاب في العشرين من عمره، يعاني من ضعف بنيانه الجسدي، فوجهه أحد الرياضيين بمحيط سكنه، بارتياد الجيم وتناول نوع معين من المكملات الغذائية غير مسجل بوزارة الصحة، لكن “علي” لم يكن يتخيل ما سيحل به من فاجعة مزلزلة، حيث تعرض بعد فترة طويلة من تناول المكمل الغذائي مدفوعا بأحلام الجسم المثالي، إلى الإغماء والدخول في تعب بالغ الشدة، دفع أسرته لنقله للمستشفى، ليتلقوا خبراً مأساوياً بأن نجلهم أصيب بالفشل الكلوي جراء الإفراط في تناول المكملات، ولا يزال سيد” حبيس غرفته منتظراً بارقة أمل لمتبرع بالكلى.

أضرار المكملات الغذائية
أضرار المكملات الغذائية

ومن أحلام الأجساد الممشوقة إلى أحلام الشعر الطويل والأنوثة الطاغية، التقت المصرية، بـ مي.ر.س، 21 عاماً، والتي حكت تجربتها مع المُكملات، قائلة: “كنت أرغب بتكثيف شعر رأسي ليبدو أجمل وأنعم وأطول، مع تقوية أظافري وتنعيم بشرتي، فوجهتني إحدى السيدات التي تدعي معرفتها بالبدائل الطبية، إلى استخدام حبوب الكولاجين، حيث داومت على تناولها لفترة طويلة، لكني شعرت بعدها بآلام في جسدي، فتوجهت لإجراء تحاليل طبية، إلا إني فوجئت بأن الكولاجين لم يحقق لي أي نتائج مما كنت أبحث عنه، بينما ازدادت الآلام بجسدي تدريجياً، فتوجهت للطبيب الذي نصحني بالتوقف الفوري عن تناول الكولاجين، لأنه كان السبب في آلام جسدي”.

أين الرقابة؟

في سياق مخاطر المكملات الغذائية، كشف رئيس شعبة الدواء بالغرفة التجارية الدكتور على عوف، عن انتشار المكملات الغذائية الغير مرخصة وغير مصرح بها في مصر، بشكل كبير خلال الآونة الأخيرة، وخاصة في الصالات الرياضة “الجيم”، مشيراً إلى أن هذه الصالات يجب أن تخضع للرقابة المشددة للحفاظ على أرواح الشباب المصري.

وأوضح «عوف» في تصريحاته لـ «المصرية»، أن المكملات الغذائية هي مسؤولية هيئة سلامة الغذاء، بينما الرقابة على الصالات الرياضة هي مسؤولية الشباب والرياضة والمحافظات، مطالباً بإيجاد آلية عمل خاصة بالمكملات في الصيدليات والصالات الرياضية.

وأضاف رئيس شعبة الدواء: “هناك شركات مصرية بدأت في تصنيع المكملات الغذائية وبجودة عالية، ولها ترخيص من قبل وزارة الصحة وهيئة سلامة الغذاء والجهات المختصة، فالمكملات الغذائية هي عبارة عن نسبه عالية من البروتين لبناء العضلات وبالتالي هذه الأضرار لها تأثير على الكلى، وكل عمر له نسبه محددة من هذه المكملات يجب أن يحددها الطبيب المختص، لأن تجارة المكملات الغذائية تتعدى المليارات كل سنة وهي تجارة كبيرة على أرض الواقع”.

فيما حذرت عضوة لجنة الشؤون الصحية بمجلس النواب الدكتورة عبله الألفي، من وجود أضرار عديدة للمكملات الغذائية، موضحة أنه ليس كل شخص سواء كبير أو صغير يحتاج هذه المكملات، إذ توصف بشروط ونسب محددة من قبل الطبيب المتخصص في ذلك.

 المكملات الغذائية
المكملات الغذائية

وقالت د.عبلة: “إن المكملات الغذائية مثلها مثل الدواء لها فوائد ولها أضرار، والواحد ميخدهاش عمال على بطال، فكل طفل أو شاب يحتاج إلي مكمل غذائي مُحدد وواضح، لأن الإكثار منها يؤثر على الجسم. وأضافت: “هناك انتشار كبيرة في المكملات الغير مرخصة من قبل وزارة الصحة، وانتشارها بشكل كبير في صالات الجيم التي أصبحت رُعب حقيقي في المجتمع بسبب انتشار المكملات فيها بشكل كبير، إذ لا تخضع كثير منها للرقابة، وتسبب مشكلات حقيقة للشباب، حيث 30% من الوفيات في مصر هي بسبب الاستخدام الخاطئ للأدوية والمضادات الحيوية .

وتابعت عضو لجنة الصحة بمجلس النواب: “يجب أن تكون هناك وقفة حقيقية بشأن الأدوية والمكملات الغذائية التي تتواجد في السوق وغير مُصرح بها، وان تكون الرقابة من المصدر نفسه وعدم دخولها، وأن تكون هناك توعيه حقيقة سواء من قبل الطفل والشاب والأهالي بمخاطر هذه المكملات”.

تحرك حكومي

بعد ارتفاع أعداد ضحايا المكملات الغذائية وحالات التوقف المفاجئ لعضلة القلب، شنت الحكومة في الآونة حرباً على هذه السلع وتحديداً المهربة منها أو مجهولة المصدر، كما أرسلت شعبة الدواء بلاغاُ إلى وزارة الصحة والسكان، يرصد تداول 68 مكملاً غذائياً غير مطابقة للمواصفات القياسية في الأسواق، حيث تنتجها مصانع غير مرخصة، مطالبة بمنع بيع هذه المنتجات.

وواصلت الحكومة، حصار خطر المكملات الداهم على المجتمع، بتحرير 24 قضية تهريب مكملات غير مرخصة عبر موانئ البلاد، وإصدار قرار بوقف بيع المكملات المجهولة، ونقل تسجيل المكملات الغذائية من هيئة الدواء إلى هيئة سلامة الغذاء التي خاضت جهوداً كبيرة في مواجهة “مكملات بير السلم” ومثيلاتها المهربة من خارج مصر، والتي ازدادت في ظل جائحة فيروس كورونا وتوجه المستهلكين لتناول المكملات بزعم تعزيز المناعة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

فضلا ادعمنا لكى نستمر من خلال تعطيل حاجب الإعلانات