أخبار مصرية

كازاخستان تتحسس خطاها حفاظًا على شركاء الماضي واستثمارات المستقبل  

كتب- أبوبكر أبوالمجد

 

إرث ثقيل جدًا ورثه قاسم جومارت توقاييف، من سلفه الرئيس الأول، نورسلطان نزارباييف.

فساد ومحسوبيات، وسيطرة عائلات معدودة، ورجال أعمال محددين لأكثر من ٥٠% من اقتصاد كازاخستان!

دستور يجب أن يعدل، وقوانين يجب أن تشرّع، وبلد لا بد أن ينهض ويقود؛ بالرغم من نفوذ الفسدة داخل مؤسسات الدولة، إضافة إلى كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، وآثارهما الاقتصادية السلبية على العالم كله!

فضلًا عن محاولة انقلاب فاشلة في يناير ٢٠٢٢، وبعد أشهر قليلة من تولي الرجل للرئاسة في يونيو ٢٠٢١!

الرئيس توقايف، كراكب أمواج فوق مياه محيط غاضب يتحسس خطاه كي يتجاوز كل هذه العقبات؛ بل ويعبر ببلاده إلى بر أمان تجد عليه وشعبه الأمن والسلامة والرخاء.

وإلى الآن، فالبشريات الدالة على إمكانية تحقيق هذا كثيرة، فتم تعديل الدستور، وتجري العملية التشريعية للقوانين التي تساعد المؤسسات على تقديم أفضل ما لديها قائمة، وعملية إصلاح المؤسسات ووقف سطوة أصحاب النفوذ تكاد تكون أنجزت عقب الانقلاب الفاشل.

فقال الرئيس الكازاخي في افتتاح منتدى أستانا الاقتصادي الدولي: “عقيدتي قوية أن القانون والنظام هما أساس متين لبناء كازاخستان عادلة ومنصفة. لقد أصلحنا مؤسساتنا في فترة قصيرة جدا، وقلصنا سلطات الرئاسة وحاربنا الفساد. كازاخستان المعاصرة مختلفة عما كانت عليه قبل عدة سنوات”.

وهنا يبقى التحدي الأكبر هو إمكانية تجاوز آثار وباء كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما تعمل عليه القيادة الكازاخية بمنتهى الدأب والحكمة.

شركاء الماضي

تقع كازاخستان بين جارتين عملاقتين وشركاء تاريخيين هما – روسيا والصين – وتهدف كازاخستان إلى تعزيز مواقعها في آسيا الوسطى، وكذلك تطوير علاقات وثيقة مع الجهات الفاعلة العالمية الرئيسية الأخرى، وبالتحديد مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وفي ظل الظروف الجيوسياسية الحالية، لا يبدو أن “السياسة الخارجية متعددة القطاعات” لأستانا، التي أنشأها في البداية رئيس الدولة السابق نور سلطان نزارباييف ، ليس لديها بديل.

حيث تسعى أكبر دولة في آسيا الوسطى إلى تنويع اقتصادها، وفي نفس الوقت ترسيخ مكانتها المستقلة في العالم.

لكن مشكلة أستانا هي أنها قد تتعرض في النهاية لضغوط لاختيار طرف في حرب باردة جديدة.

في الوقت الحالي، تحاول كازاخستان الاستفادة من العلاقات المتوترة بين الغرب وروسيا من خلال أن تصبح مركزًا بارزًا للنقل عبر القارات، ويمكن تحقيق ذلك عبر مشروع “الممر الأوسط”؛ لكن هل تسمح روسيا بهذا المشروع؟!

فقد أشار رئيس جمهورية كازاخستان في افتتاح منتدى أستانا الاقتصادي الدولي إلى هذا المشروع الاقتصادي العملاق بقوله: “إن الممر الأوسط الذي يربط الصين بالاتحاد الأوروبي يفتح فرصًا جديدة للتجارة والاستثمار، مشيرًا إلى أن هذا الطريق سيقلص إلى النصف تقريبًا الوقت الذي يستغرقه نقل البضائع عبر المحيط الهندي”!

ودعا، توقايف، من فوق منصة AIF قادة العالم لفرص تجارية وشراكة اقتصادية جديدة في كازاخستان.

 

ومن جانبه، وحول نفس المشروع، وفي مؤتمر مع الصحفيين الأجانب ضيوف منتدى أستانا قال النائب الثاني لوزير خارجية كازاخستان، رومان فاسيلينكو: إن “هذا الطموح يتجسد في الممر الأوسط الذي يربط بين الصين والاتحاد الأوروبي عبر السكك الحديدية والبحر والطرق”.

في الواقع ، الممر الأوسط، المعروف أيضًا باسم طريق النقل الدولي عبر قزوين (TITR) – بدءًا من جنوب شرق آسيا والصين، ويمر عبر كازاخستان وبحر قزوين وأذربيجان وجورجيا – يُنظر إليه على أنه بديل للوصول إلى الأسواق الأوروبية والدولية وتجاوز روسيا، ويمكن أن تلعب أستانا دورًا مهمًا للغاية في هذه العملية، على الرغم من كونها الحليف الأسمي لروسيا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO)، فضلاً عن كونها عضوًا في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تهيمن عليه روسيا (EAEU).

 

ووفقًا لأليبك كوانتيروف، وزير الاقتصاد الوطني الكازاخستاني، يمكن أن يصبح الممر الأوسط في النهاية جزءًا من مبادرة الحزام والطريق الصينية!

هنا تتجلى قوة المصالح الاقتصادية التي قد تتجاوز تاريخ الصداقات والشراكات القديمة، ونتيجة لذلك، قد تتوقف بكين عن التناقض في تعاملاتها مع الغرب، وبالتالي سيكون موقف أستانا أقوى في التفاوض مع روسيا وتوضيح موقفها ومصالحها العظيمة من وراء هذا المشروع.

وأعتقد أن موسكو المعزولة عن الغرب ستسعى إلى الحفاظ على بقايا نفوذها في كازاخستان، ولهذا السبب من غير المرجح أن تخاطر بتعريض علاقاتها مع الدولة الواقعة في آسيا الوسطى للخطر بغض النظر عن تعاون أستانا مع الغرب، وكذلك مع الجهات الفاعلة العالمية والإقليمية الأخرى، وستكتفي روسيا بعدم انضمام كازاخستان إلى العقوبات الغربية ضدها.

حيث قال وزير الاقتصاد الوطني الكازاخستاني في 7 يونيو مع الصحفيين الأجانب قبل يوم من انطلاق منتدى أستانا: “نحن لا نؤيد العقوبات ضد روسيا، لكننا نلتزم”، مشيرًا إلى أن المصالح الاقتصادية لبلاده على رأس الأولويات.

وبعبارة أخرى، لن تسمح كازاخستان لروسيا بالالتفاف على العقوبات، لأن مثل هذه الإجراءات قد تؤدي إلى عقوبات ثانوية من الاتحاد الأوروبي ضد الشركات الكازاخستانية.

ومن غير المحتمل أن يجبر الكرملين أستانا على تغيير مسار سياستها الخارجية الحالية، ولا يبدو أن روسيا المتعثرة في أوكرانيا، لديها القدرة على الضغط على كازاخستان لاتخاذ موقف أفضل من موقفها الحالي، والذي يقدر بالمثالي وفق الأوضاع الجيوسياسية الحالية.

لذلك، سيتعين على موسكو قبول واقع جديد ستظل فيه أستانا جزءًا من الاتحاد الاقتصادي الأوراسي؛ لكنها لن تتجاوز التكامل الاقتصادي في هذا الكيان.

تشير حقيقة أن كازاخستان قدمت مؤخرًا نظام مراقبة إلكترونيًا للبضائع المصدرة إلى أعضاء EAEU إلى أن الدولة الواقعة في آسيا الوسطى تهدف إلى منع روسيا من استخدام أراضي كازاخستان للتهرب من العقوبات الغربية من خلال التجارة الحرة داخل الاتحاد الأوروبي الآسيوي.

الشركاء الجدد 

ومن ناحية أخرى، من المتوقع أن يواصل الاتحاد الأوروبي زيادة تواجده ليس فقط في كازاخستان – الدولة التي يمثل الاتحاد الأوروبي شريكها التجاري الرئيسي – ولكن في آسيا الوسطى بشكل عام.

فمنذ بداية الحرب في أوكرانيا، عقد الاتحاد الأوروبي عدة قمم مع دول آسيا الوسطى، مما يشير إلى أن بروكسل قد تحاول تدريجيًا إخراج موسكو من المنطقة التي كانت تقليديًا في مجال النفوذ الروسي.

وحقيقة أن الاقتصاد الكازاخستاني أكبر بمقدار الثلث تقريبًا من اقتصادات دول آسيا الوسطى الأخرى مجتمعة، وأن حوالي 60 في المائة من الاستثمار الأجنبي في المنطقة يقع على عاتق كازاخستان، يعني أن الاتحاد الأوروبي سيواصل إيلاء اهتمام خاص لعلاقاته مع أستانا، وسيكون للتعاون في مجال الطاقة دورًا حاسمًا في شراكتهما.

وبالنظر إلى أن 80 في المائة من صادرات النفط الكازاخستانية إلى الغرب تمر عبر خطوط الأنابيب الروسية، فمن المتوقع في المستقبل المنظور أن تواصل أستانا موازنة علاقاتها مع موسكو بعناية، وطموحاتها في أن تصبح أحد موردي النفط الأوروبيين الرئيسيين.

ولكن على المدى الطويل، إذا أصبحت طرق الطاقة البديلة التي تتجاوز روسيا تعمل بكامل طاقتها، فمن المتوقع أن تقلل كازاخستان اعتمادها بشكل كبير على الكرملين، مما يعني أنه بالنسبة إلى أستانا، قد لا يكون الحفاظ على تحالف اسمي مع الاتحاد الروسي على نفس القدر من الأهمية.

لكن في النهاية تظل كازاخستان في ظل قيادة قاسم جومارت توقايف، حريصة على تحسس خطاها، وإقامة علاقات متوازنة مع جميع شركائها التاريخيين والمعاصرين، شريطة ألا يكون ذلك على حساب مصالحها الاقتصادية العظمى، أو سيادة قرارها السياسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

فضلا ادعمنا لكى نستمر من خلال تعطيل حاجب الإعلانات