«مركز حلول للسياسات البديلة»: الإصلاح المؤسسي ضرورة لإصلاح التعليم في مصر
أحمد جمال الدين: الفئات الأضعف في المجتمع يقل تمثيلها في التعليم الجامعي
رئيسة هيئة الجودة سابقا: محدودية الدعم المالي من أهم التحديات جودة التعليم
الباحثة سنية الفقي: دستور 2014 كفل حق التعليم المجاني
شعبان حمزة
تحت عنوان «التعليم للجميع»، وفي مقر الجامعة الأمريكية بوسط القاهرة، ناقش المتحدثون في لقاء مفتوح نظمه «مشروع حلول للسياسات البديلة» حول مجانية وجودة التعليم في مصر على ضوء التعهدات السياسية بالحد من ارتفاع تكاليف التعليم،
مع طرح مبادرات وحلول في سياق إعادة تقييم وضع التعليم الحالي بالتقاطع مع طبيعة الظرف الاقتصادي والجيوسياسي.
كفاءة التنظيم المؤسسي للدولة
في البداية اعتبر الدكتور أحمد جمال الدين موسى وزير التربية والتعليم والتّعليم العالي الأسبق، أن إصلاح التعليم لا ينفصل عن الإصلاح المؤسسي للدولة،
قائلًا إن المسئول التنفيذي مهما بلغت كفاءته أو إخلاصه، فهو غير قادر على تحقيق ما يطمح له بسبب عقبات ترجع إلى «عدم كفاءة التنظيم المؤسسي للدولة».
وقال موسى إن تحسين جودة التعليم مكون أساسي في إستراتيجية الإصلاح المؤسسي، مضيفًا أن «تحسين التعليم ليس مجرد هدف من أهداف التنمية المستدامة، وإنما ركن أساسي»، موضحًا أن ذلك يرجع إلى كونه ذو تأثير وانعكاسات على الأهداف الأخرى للتنمية المستدامة.
إصلاح متعدد الأبعاد للتعليم
واقترح جمال الدين أن يكون إصلاح التعليم من خلال مدخل متعدد الأبعاد، يشمل عناصر عديدة يتم معالجتها بشكل متوازٍ، وضرب على ذلك مثلًا،
حيث قال: لن يكون مجديًا تطوير المناهج دون تغيير أوضاع المعلمين التأهيلية والمادية،
مضيفًا أنه حتى في حال تطوير المناهج وتغيير أوضاع المعلمين، فلن تتحقق نتائج ملومسة دون تطوير الإدارة المدرسية وأسلوب اختيار القائمين عليها.
وفي هذا السياق، علّق جمال الدين على التحديثات التي جرت على المنظومة التعليمة من خلال إدخال جهاز التابلت،
واصفًا الأمر بـ«المهم»، مستدركًا بالتساؤل عن مدى نجاح التجربة انطلاقًا من أن «التخطيط شيء والواقع شيء آخر.
وأوضح الوزير السابق أن عدم نجاح تجربة التحديث من خلال جهاز التابلت بالشكل الكافي يرجع لعدة أمور،
من بينها ارتفاع كثافة الفصول، وضعف مستوى بعض المعلمين وتراجع حماسهم لتطبيق الأساليب الجديدة،
وخذلان الإدارة المدرسية، وسلبية أولياء الأمور وضعف اهتمامهم بمتابعة شؤون أبنائهم التعليمية،
كما لفت إلى “قصور الرقابة والمحاسبة والمساءلة من القيادة التعليمية على كافة مستوياتها باعتبارها من أسباب عدم نجاح التجربة.
وعلى صعيد تطوير المناهج، أشار دكتور جمال الدين إلى أنه رغم أهمية تطوير المناهج،
لكن تأثير هذا التطوير لا يمكن فصله عن العملية الكلية متعددة الأبعاد للإصلاح التعليمي.
الإنفاق على التعليم ما قبل الجامعي أكثر أهمية
واختتم وزير التعليم الأسبق أحمد جمال الدين موسى كلمته بالحديث عن تموضع العدالة الاجتماعية في العملية التعليمية،
بالنظر إلى فروق الإنفاق بين مرحلتي التعليم الجامعي والتعليم ما قبل الجامعي.
وأوضح أن الفئات الأضعف في المجتمع يقل تمثيلها في التعليم الجامعي مقابل زيادة تمثيلها في التعليم ما قبل الجامعي،
في حين تزيد معدلات الإنفاق والاهتمام بشكل عام بالتعليم الجامعي مقابل التعليم ما قبل الجامعي.
وقال إن الإنفاق على التعليم ما قبل الجامعي أكثر أهمية بمراحل على مستوى العدالة الاجتماعية من الإنفاق على التعليم الجامعي.
دستور 2014 كفل حق التعليم المجاني
من جانبها قالت الباحثة سنية الفقي إن دستور 2014 كفل حق التعليم المجاني، والإلزامي للتعليم الأساسي والثانوي، لافتةً إلى إلزام الدستور للحكومة المصرية بزيادة نسبة الإنفاق على التعليم لتصل لـ6% من الناتج المحلي بواقع 4% للتعليم قبل الجامعي و2% للتعليم الجامعي.
لكن على العكس من ذلك، وبحسب الفقي، انخفضت المخصصات الدستورية للتعليم،
لتصل في آخر موازنة (2023-2024) لنسبة 1.9% بواقع نحو 239 مليار جنيه من إجمالي 11.8 تريليون جنيه،
لتبلغ بذلك الفجوة بين واقع الإنفاق على التعليم والنسبة الدستورية نحو 480 مليار جنيه.
وأشارت سنية الفقي إلى أن ذلك يحدث رغم انتهاء الفترة الانتقالية التي سمح بها دستور 2014 قبل التزام الحكومة بالنسب الدستورية، حيث بلغت تلك الفترة الانتقالية 3 سنوات منذ إقرار الدستور.
وأوضحت الباحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن الحكومة في سبيل التعامل مع هذا الوضع كانت تستخدم ما أسمته بـ«التحايل الحسابي» في الموازنة المقدمة للبرلمان،
وذلك قبل أن يعلن رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي أن الحكومة غير قادرة على تحقيق الحد الأدنى من الإنفاق المقرر دستوريًا لما يحتاج إليه ذلك من موارد كبير.
وأشارت الفقي إلى أن التحايل الحسابي يتمثل أيضًا في أن الحكومة تحتسب أي إنفاق في أي وزارة أو هيئة حكومية على التعليم أو التدريب،
يدخل ضمن الموازنة العامة للتعليم، هذا بالإضافة إلى إضافة أجزاء من الديون وفوائدها على ميزانية التعليم.
الأجور تلتهم الموازنة المخصصة للتعليم
قالت الباحثة سنية الفقي إن بند الأجور والمرتبات تلتهم الموازنة المخصصة للتعليم بنسبة 70%”،
مضيفةً أن هذا الارتفاع في نسبة الأجور من إجمالي موازنة التعليم يدل على عدم كفاية وكفاءة الموارد المخصصة للتعليم،
لأنه رغم أن الأجور تقتص النسبة الأكبر من مخصصات التعليم إلا أنها أيضًا لا تزال أجورًا متدنية.
وبالمقارنة عالميًا، فتنخفض معدلات الإنفاق الحكومي في مصر على التعليم ليس فقط عن متوسط الإنفاق العالمي والبالغ 4.5% من الناتج المحلي، بل أيضًا، بحسب الفقي، عن متوسط الإنفاق على التعليم في الدول متوسطة الدخل والدول
التي «يمكن مقارنة ظروفها الاقتصادية بمصر» بحسب الفقي التي ضربت مثالًا بتونس حيث تبلغ نسبة الإنفاق الحكومي على التعليم 7.3% من الناتج المجلي.
تعريفات للمفاهيم
من جانبها وضعت الدكتورة يوهانسن عيد تعريفات لمفاهيم «الجودة» و«جودة التعليم» و«ضمان جودة التعليم»، حيث عرفت «الجودة» بأنها «أسلوب حياة»،
مشيرة إلى أنّ الطالب لا يتأثر بالمعلم فقط على المستوى التحصيل العلمي، وإنما أيضًا على المستوى السلوكي،
لافتةً إلى أنه بناءً على ذلك يمثل تدني معدلات أجور المعلمين تحديًا رئيسيًا لتحقيق جودة التعليم.
ووفقًا للرئيسة السابقة لهيئة ضمان جودة التعليم والاعتماد، فـ«جودة التعليم» تعني أن «يُحقق التعليم المقصود منه» على مستوى كسب المعارف والمهارات التي تؤهل الطالب لسوق العمل،
أما «ضمان جودة التعليم» فهي «المراجعة المنهجية لمخرجات العملية التعليمية»،
والتي تتطلب بحسب يوهانسن «مراجعة خارجية وحكمًا على نواتج التعلم»،
مشددة على عجز نواتج التعلم في مصر وأنه يبدأ أساسًا من انخفاض الإنفاق على التعليم، وذلك وفقًا لنموذج عملية ضمان الجودة.
تحديات جودة التعليم
استعرضت يوهانسن إحصائيات حول عدد المؤسسات التعليمية ما قبل الجامعية التي تقدمت لهيئة ضمان جودة التعليم والاعتماد،
وقالت إن عددها ما بين عامي 2014 و2022 بلغ حوالي 8 آلاف مؤسسة تعليمية، يُضاف إليها 4 آلاف مؤسسة تعليمية تقدمت سابقًا،
ليبلغ إجمالي المؤسسات المتقدمة لاعتماد الجودة حوالي 13 ألف مؤسسة تعليمية من أصل ما بين 60 ألف لـ70 ألف مؤسسة تعليم ما قبل جامعي.
هذا العزوف من قبل المؤسسات التعليمية للتقدم لاعتماد الجودة هو أحد أبرز تحديات جودة التعليم التي عرضتها يوهانسن،
والتي يتصدرها تحدي عدم وجود خطة واضحة لآجال التقديم للاعتماد.
أوضحت الدكتورة يوهانسن أنه في 2006 نصّ القانون على أن لوزير التربية والتعليم تحديد آجال تقدم المؤسسات التعليمية للاعتماد؛ ومنذ ذلك الحين لم توضع الخطة،
ولذلك وخلال الفترة ما بين 2017 و2022، وهي فترة ترأس الدكتورة يوهانسن لهيئة ضمان الجودة والاعتماد،
كان عدد المدارس المتقدمة سنويًا أقل من نصف العدد الذي يفترض به التقدم وفقًا لرؤية “مصر 2030″،
ففي حين يُفترض أن تتقدم ما بين 1400 و1500 مدرسة، كان متوسط المدارس المتقدمة سنويًا يتراوح ما بين 700 و750 مدرسة.
وأكدت يوهانسن مرة أخرى على آثار ضعف الإنفاق بإشارتها إلى أن «محدودية الدعم المالي» يأتي ثانيًا على قائمة تحديات جودة التعليم، قائلةً: «الجودة محتاجة فلوس».
ولا تتوقف التحديات عند ذلك، لتصل إلى «محدودية وعي القيادات التعليمية بثقافة ضمان الجودة»، وفقًا ليوهانسن،
ما يتسبب بدوره في عزوف المدارس والمؤسسات التعليمية عن التقدم لاعتمادات الجودة.
يذكر أن مشروع «حلول للسياسات البديلة» هو مشروع بحثي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، معني بتقديم مقترحات سياسات عامة للتعامل مع أهم التحديات التي تواجه المجتمع المصري،
عن طريق عملية بحثية متعمقة ودقيقة، واستشارات موسعة مع مختلف القطاعات المعنية.
ويقدم المشروع حلولاً مبتكرة ذات رؤية مستقبلية لدعم مجهودات صناع القرار في تقديم سياسات عامة
تهدف لتحقيق التنمية العادلة في مجالات التنمية الاقتصادية وإدارة الموارد والإصلاح المؤسسي.