اتصالات مكثفة.. ماذا قدمت مصر للقضية الفلسطينية بعد اندلاع «طوفان الأقصى»؟
عبد الغني دياب
مصر اللحظة الأولى لبدء العملية العسكرية التي بدأتها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي يوم السبت الماضي لم تتوقف الدولة المصرية بأجهزتها المختلفة عن التحرك لدعم الأشقاء الفلسطينيين وتجنيب المدنيين تداعيات الاشتباكات خصوصا مع بدء الهجمات الإسرائيلية غير المسؤولة والتي استهدفت مناطق مدنية مأهولة بالسكان في قطاع غزة.
أبرز هذه الجهود ما قدمته وزارة الخارجية المصرية على مدار الأيام الماضية والتي تضمنت عشرات الاتصالات والاجراءات للضغط على إسرائيل لوقف العدوان على غزة، حيث أجرى وزير الخارجية المصرية عشرات الاتصالات مع مسؤولين دوليين ووزراء خارجية دول معنية بالأزمة.
مصر وطوفان الأقصى
وفي هذا الإطار أجرى وزير الخارجية سامح شكري، اتصالاً مع المفوض العام لوكالة الأونروا لبحث تنسيق الجهود الرامية لضمان انتظام الخدمات والمساعدات الإنسانية المقدمة لقطاع غزة، مؤكدا ان مصر تضطلع بدورها الإنساني فى كافة الأحوال وكل الظروف.
وعطفا على ذلك ناقش وزير الخارجية مع المنسق الخاص لعملية السلام للشرق الأوسط خطورة التصعيد الحالي فى غزه وبين الفلسطينيين والإسرائيليين فى مناطق متفرقة، مؤكدا ضرورة التوقف عن تعريض المدنيين للمخاطر وتأمين وصول المساعدات الإنسانية والعمل المنسق والجماعى لضمان وقف العنف والتصعيد.
وفي إطار مساعيه لحث العالم على القيام بواجباته تجاه القضية الفلسطينية أجرى وزير الخارجية اتصالات مع وزراء خارجية البرتغال والنرويج وسلوفينيا حول التصعيد الخطير الذي يشهده قطاع غزة، وتنسيق الجهود الدولية لتحقيق التهدئة.
كما تلقى اتصالين هاتفيين من وزيرى خارجية إيطاليا وبريطانيا، فى إطار متابعة التصعيد العسكرى فى قطاع غزة وبين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى فى مناطق متفرق… شكرى يؤكد علي ضرورة تكثيف الجهود الدولية والإقليمية لوقف دائرة العنف، والعمل علي التهدئة ومعالجة جذور الأزمة.
كما تلقى وزير الخارجية اتصالات من وزراء خارجية كندا والمجر وهولندا لمتابعة تطورات الوضع فى غزه وبحث سبل احتواء التصعيد بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى.
توحيد الموقف العربي لصد العدوان
وعلى المستوى العربي أجريت مشاورات مصرية سعودية، ومصرية أردنية لتكثيف جهود احتواء التصعيد فى قطاع غزة.
وأكد شكرى فى اتصالاته على ضرورة تكاتف الجهود الدولية والإقليمية، و توحيد رسائل المجتمع الدولى للمطالبة بوقف العنف وإتاحة الفرصة للتهدئة بين الفلسطينيين والاسرائيليين.
كما أجرى وزير الخارجية اتصالا بوزير خارجية قطر اتصالا بتطورات الأحداث فى قطاع غزة، وذلك لعمل تنسيق عربى مشترك من أجل خفض التصعيد والعمل علي احتواء الأزمة الراهنة.
التواصل مع أطراف مجلس الأمن
وفي مسار آخر طرقت مصر باب مجلس الأمن عبر الدول الكبرى المؤثرة في المجلس حيث ناقش سامح شكرى مع وزير خارجية الولايات الأمريكية سبل احتواء الأزمة الراهنة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ووقف التصعيد.
وأكد أن التسوية الشاملة والعادلة للقضية الفلسطينية هى الحل الوحيد لوقف دائرة العنف المفرغة.
وفي المقابل ناقش الوزير الأمر نفسه مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، مطالبا بتفعيل دور مجلس الأمن فى احتواء التصعيد الجارى بين الفلسطينيين والاسرائيليين، مؤكدا أهمية تعامل المجلس مع القضية الفلسطينية من منظور شامل ومتكامل.
اتصالات مع أطراف الاتحاد الأوروبي
وعلى المستوى الأوروبي تلقى وزير الخارجية المصري اتصالا من وزير خارجية أسبانيا، الرئيس الحالى للاتحاد الأوروبى، لمناقشة الوضع المتأزم بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، وطالب شكرى بتفعيل دور الاتحاد الأوروبي فى العمل على وقف التصعيد ضد قطاع غزة ووقف حلقة العنف القائمة.
كما أجرى اتصالاً مع وزيرة خارجية ألمانيا وكذلك اتصالا مع نظيره التركى ضمن اتصالات مكثفة وتحركات دبلوماسية تستهدف وقف التصعيد واحتواء الأزمة على الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية.
وأدار شكرى مناقشات حول الأوضاع أيضا مع وزيرة خارجية فرنسا وزراء خارجية كندا والمجر وهولندا لبحث جهود وقف التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين
ومن جهته أوضح المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، أحمد أبو زيد، أن اتصالات الوزير شكري مع نظرائه تركزت على تقييم الموقف الراهن من التصعيد الجاري في قطاع غزة ومحيطه، وبين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على جبهات مختلفة، وما يتطلبه الأمر من تضافر لكافة الجهود على المستويين الإقليمي والدولي لحث الأطراف على تغليب مسار التهدئة وضبط النفس، والابتعاد عن دوامة العنف لتجنيب المدنيين الأبرياء تبعات هذا التصعيد.
وأردف السفير أبو زيد، بأن الوزير شكري أكد كذلك على أن مصر ملتزمة بمواصلة بذل كافة الجهود من أجل تحقيق التهدئة والوقف الفوري للتصعيد في قطاع غزة، والمناطق الأخرى، وضرورة تكاتف جهود جميع الأطراف الدولية لتحقيق هذا الهدف باعتباره الأولوية في المرحلة الحالية. كما دعا شكري إلى أهمية التعامل مع القضية الفلسطينية من منظور شامل يعالج جذور الأزمة، ويكفل الحفاظ على الحقوق الفلسطينية المشروعة، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
ودعت مصر إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وتجنب تعريض المدنيين للمزيد من المخاطر، محذرةً من تداعيات خطيرة نتيجة تصاعد حدة العنف، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر سلباً على مستقبل جهود التهدئة.
ودعت جمهورية مصر العربية الأطراف الفاعلة دولياً، والمنخرطة في دعم جهود استئناف عملية السلام، إلى التدخل الفوري لوقف التصعيد الجاري، وحث إسرائيل على وقف الاعتداءات والأعمال الاستفزازية ضد الشعب الفلسطيني، والالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني فيما يتعلق بمسئوليات الدولة القائمة بالاحتلال.
قمة العلمين لدعم الشعب الفلسطيني
وفي أغسطس الماضي احتضنت مصر قمة ثلاثية حضرها الملك عبدالله الثاني ابن الحسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية، والرئيس محمود عباس رئيس دولة فلسطين، في مدينة العلمين المصرية، وكان الغرض من الاجتماع الثلاثي بحث المستجدات الراهنة في أرض دولة فلسطين المحتلة، والأوضاع الإقليمية والدولية المرتبطة بها.
ووفقا للبيان الرسمي الصادر عن القمة، فإن القادة أكدوا تمسك دولهم بالمرجعيات القانونية، الدولية والعربية لتسوية القضية الفلسطينية، وعلى رأسها ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ضمن جدول زمني واضح، واستعادة الشعب الفلسطيني لكامل حقوقه المشروعة، بما في ذلك حقه في تقرير المصير.
كما طالب بيان القمة بأحقية الشعب الفلسطيني في تجسيد دولته المستقلة، وذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو عام ۱۹٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفق قرارات الشرعية الدولية، وتحقيق حل الدولتين وفق المرجعيات المعتمدة.
وخلال لقاء الرئيس عباس أكد الرئيس السيسي وملك الأردن دعم القاهرة وعمان السلطة الفلسطينية في الاستمرار في الدفاع عن مصالح ضشعبها على كافة الأصعدة، وتأمين الحماية الدولية، وكذلك دعم دولة فلسطين في جهودها لتأمين الخدمات، وحماية الحقوق الأساسية للمواطنين في ظل الظروف والتحديات الصعبة والعدوان المُتكرر والأحداث المؤسفة التي تشهدها الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس، وفي خضم التحديات الإقليمية والدولية المتزايدة.
وأكد القادة أن حل القضية الفلسطينية يمثل خيارا استراتيجيا، كما أنه ضرورة إقليمية ودولية ومسألة أمن وسلم دوليين، مشددين على أن السبيل الوحيد لذلك هو تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، ومجلس الأمن ذات الصلة، وفي تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه غير القابلة للتصرف، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتجسيد دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، بما يحقق حل الدولتين المستند لقواعد القانون الدولي والمرجعيات المتفق عليها والمبادرة العربية للسلام.
مصر تستضيف الأطراف الفلسطينية
وعلى مدار الأشهر الماضية استضافت مصر عدد من قادة الحركات الفلسطينية في محاولة لتقريب وجهات النظر وإنهاء الخلاف الداخلي بين الفرقاء، والتي كان آخرها لقاء العلمين الذي التقت فيه الفصائل الفلسطينية، وتوصلوا خلاله للاتفاق على “تشكيل لجنة” لإنهاء الانقسام بينهم.
ووقتها أعلنت الفصائل الفلسطينية أن اللجنة المزمع تشكيلها الهدف منها “إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة”.
ووفقا لما قاله الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في البيان الختامي للمشاورات، فإن الجميع مصر على تحقيق الوحدة الفلسطينية.
وقال “إنني أدعوكم لتشكيل لجنة منكم تقوم باستكمال الحوار حول القضايا والملفات المختلفة التي جرى مناقشتها اليوم، بهدف إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية”.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى الذي يلتقي فيها ممثلي الفصائل الفلسطينية في مصر، إذ سعت القاهرة منذ أعوام لتقريب وجهات النظر بين الفريقين، وتكلل ذلك بتوقيع اتفاق المصالحة في عام 2017، حيث اتفق الطرفان وقتها على رفع إجراءات السلطة الفلسطينية المتخذة ضد قادة حماس في غزة، مع تمكين حكومة الوفاق الفلسطينية من إدارة القطاع الذي تسيطر عليه حركة حماس، والتحضير لتشكيل حكومة وحدة فلسطينية تمهد للانتخابات العامة والمجلس الوطني.
وبسبب الخلافات بين الطرفين لم تتحقق كافة بنود الاتفاق وهو ما دفع القاهرة لبدء مشاورات جديدة واحتضان اجتماعات موسعة بين الفريقين، كما بدأت جولات حوار بين مصر وقطاع غزة في 2018 كانت بغرض التوصل إلى تهدئة مع إسرائيل.
ورغم مرور أكثر من 15 عاما على بدء الانقسام الفلسطيني إلا أن حادثة استهداف موكب رئيس الوزراء الفلسطيني السابق، رامي الحمد الله، في قطاع غزة خلال شهر مارس 2018، كانت بمثابة القشة التي قسمت ظهر الاتفاق، فعلى وقع ما تحقق من صدمة للشارع الفلسطيني عادت الأطراف السياسية الفلسطينية لخلافاتها القديمة ولم ينجر الاتفاق.
وقف إطلاق النار في 2022
ومع تجدد الاشتباكات بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحركات المقاومة الفلسطينية كانت مصر حاضرة دوما في المشهد، وكان آخر هذه الأحداث في أغسطس الماضي، حينما نجحت مصر في وقت الاشتباكات بين الطرفين بعدما استمرت لثلاثة أيام، بين كتائب “سرايا القدس”، الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي، والجيش الإسرائيلي.
وتدخلت الدبلوماسية المصرية لإبرام اتفاق لوقف التصعيد وإنهاء إطلاق النيران،من قبل الطريقين، وإنهاء حالة التوتر والتصعيد الحالية في غزة.
ووقتها أعلنت وسائل إعلام مصرية، أن القاهرة تبذل جهوداً للإفراج عن الأسير خليل العواودة، ونقله للعلاج وكذا العمل على الإفراج عن الأسير بسام السعدي في أقرب وقت ممكن.
وقف عدوان 2021
وقبلها نجحت جهود الدولة المصرية خلال عام 2021 في وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بعدما شهدت المواجهات سخونة بين الطرفين وهو ما تسبب في خسائر كبيرة داخل القطاع المحاصر.
منح لإعادة إعمار غزة
ووقتها أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي عن مبادرة مصرية لإعادة إعمار غزة، وذلك عبر منحة قدرت وقتها بـ 500 مليون دولار، للمساهمة في إعادة اعمار القطاع من خلال الشركات المصرية.
ووقتها أطلقت اللجنة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة، مرحلتين لتنفيذ خطة الإعمار المقترحة، والتي شملت ستة مشاريع شرعت مصر خلال هذه الفترة في تنفيذها داخل القطاع، كلها تتعلق بالبنية التحتية.
وأكدت اللجنة وقتها الانتهاء من المرحلة الأولى لـ إعادة إعمار قطاع غزة، بإزالة الركام خلال 65 يوماً برفع أكثر من 85 ألف متر مكعب من الركام، مشيرة إلى أن المرحلة الثانية تشمل ستة مشاريع منها تطوير الواجهة البحرية للكورنيش شمال غزة، إنشاء 3 مدن سكنية مصرية وهى “دار مصر 1″ في الزهراء، و”دار مصر 2″ في جباليا، و”دار مصر 3” بيت لاهيا.