تحقيقات وحواراتسلايدرعربي ودولى

مصر .. مركز ثقل المنطقة بهندسة دبلوماسية تملأ الفراغات

محمد عبدالواحد الزيات

أعادت مصر، خلال الآونة الأخيرة، تموضعها على الخارطة العالمية، فأوجدت فضاءً من التوازن بين الشرق والغرب، وشيدت جسوراً من التوافق لعبور دروب التشظي الإقليمي وملء فراغاته المخيفة، وهذا ما ألقى بظلاله على تمتين دور القاهرة، في حرب غزة الأخيرة، وتمّكنها من فرض إرادتها.

وفي عالمٍ تطوقه شوفينيات ضارة وبراغماتيات مُتلونة، استطاعت مصر، مُقاربة الملف الفلسطيني المُعقد بشدة، لتوجِد حلول إنقاذ عاجلة لمخططات العبث الجيوسياسي الإسرائيلي المدعوم غربياً بشأن محاولات تهجير سكان غزة، إلى سيناء، فنجحت القاهرة، في وضع خط أحمر أمام هذا المخطط، لتمنع بذلك تصفية القضية الفلسطينية أو المساس بالأمن القومي المصري.

وبهندسة دبلوماسية تُجيد كل اللغات، أصبحت السياسة الخارجية المصرية رقماً صعباً سواء في قضية غزة أو ملفات المنطقة أو سباق التحولات العالمية، فهذا ما جسده الواقع بتحول القاهرة، إلى مُلتقى لقادة وأقطاب الأرض شرقاً وغرباً، الذين اجتذبتهم السياسات المصرية الحكيمة والمهارات الدبلوماسية الفائقة الداعية للأمن والاستقرار والتنمية.

واكتسبت مصر، ثقة العالم، بإدارتها الاستراتيجية للقضية الفلسطينية، فعلى الرغم من التوسط المصري في إنهاء جولات النعف الإسرائيلي السابقة ضد الفلسطينيين، إلا أن هذه الجولة كانت ولا تزال أقرب ما يكون إلى حرب شاملة لا تُبقي ولا تذر، وتؤدي لزلزلة المنطقة بأكملها، لكن دور القاهرة، كان أكثر واقعية وضوحاً وصرامةً في التأكيد على التهدئة وتجنيب المنطقة مخاطر توسع رقعة الحرب.

وشكلت القاهرة، رقماً صعباً وفاعلاً في العمل على نزع فتيل الحرب الشاملة بالمنطقة، ودفع المجتمع الدولي نحو تبني حلول تسوية الصراع على أساس حل الدولتين وتحقيق السلام والاستقرار المنشود، وتفادي المخاطر الوخيمة للتصعيد الجاري من الجانب الإسرائيلي في غزة.

وبدت الديناميكية المصرية مُتسارعة الخطوات والنجاحات، نحو تموضعها الجديد في قيادة المنطقة نحو الأمن والازدهار، وجمع أعمدة النظام العالمي تحت مظلة سياسات إقليمية تحفظ مصالح الجميع، ففي قمة القاهرة للسلام، جعلت القاهرة، العالم، أمام مسؤوليته في ضرورة إدخال المساعدات لغزة، وإجبار الجانب الإسرائيلي على احترام القانون الدولي، وحماية المدنيين الفلسطينيين، قبل أن تعيد التأكيد على مبدأ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، تضمن الأمن والاستقرار والحق في الحياة لشعبها الفلسطيني.

وأظهرت المفاوضات المتعلقة بحرب غزة، ما حققته القاهرة من إعادة ترتيب للعلاقات المصرية الأمريكية والتي تشهد انطلاقة جديدة بآفاق رحبة من التعاون، لكن القاهرة قد انتقلت أيضا من الغرب إلى الشرق، بالتعاون مع روسيا والصين بإرادة مشتركة في بناء شراكة استراتيجية واقتصادية وتنموية تدعم التجارة والاستثمار بين القاهرة وموسكو وبكين.

وبعد أن جمعت القطبين الشرقي والغربي، فاجأت مصر، العالم، بالعمل على ترميم العلاقات مع الجارة الإقليمية إيران، والمساهمة في إعادة دمج النظام السوري في المنظومة العربية، بهدف المضي قدماً نحو تصفير القضايا العالقة، وتعضيد ثوابت عدم التدخل، وتعزيز أواصر الوفاق والسلام.

وعلى صعيد متصل بأزمات المنطقة وفراغاتها الإقليمية، واصلت الدبلوماسية المصرية براعتها الفائقة بالتهدئة وصياغة تصورات وحلول إنقاذ لإنهاء الأزمة اليمنية، وتسوية الكثير من الملفات الجيوستراتيجية؛ لتنخرط مصر، من جديد في ملء الفراغ الإقليمي الذي أعقب أحداث الربيع العربي الدامية التي كادت تهوي بالمنطقة العربية إلى قاع سحيقة.

وتشير المعطيات الواقعية إلى أن الدولة المصرية قد استطاعت فرض إرادتها في حرب غزة، وملفات المنطقة، من منطلق أسس سياسية منطقية تُغلب منطق الدولة العاقلة، وتخدم بالدرجة الأولى المصالح المصرية والعربية في تأكيد متجدد على مركزية ومحورية مصر بالنسبة للمنطقة والعالم.

وتواصل مصر، نجاحاتها السياسية التي ترسخ مفهوم الاستقلالية السياسية والسيادية، لتتحرك على المسرح الدولي في كل الاتجاهات، ووفق المصالح الوطنية والمشتركة لدولة الحضارة والحكمة والاستقرار والرفاه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى