سلايدر

آخرها اشتباكات طرابلس.. الانتخابات الليبية حلم بعيد المنال في ظل الميليشيات والانقسام السياسى

عبد الغني دياب

يبدوا أن إجراء الانتخابات الليبية لا يواجه عراقيل سياسية وقانونية فقط، بل تبقي المعضلة الأمنية أحد أكبر المعوقات التي تواجه استقرار البلد الذي تتحكم الميليشيات في عاصمته منذ سنوات، إذ يرى مراقبون وقادة أمنيون أن بقاء مشكلة الميليشيات المسلحة والجماعات الخارجة عن القانون والمرتزقة سببا في عرقلة الانتخابات التي تطمح البلاد لإجرائها في أقرب فرصة لإنهاء الانقسام الحكومي الحاصل حاليا.

الاشتباكات سببها عرقلة الانتخابات

وعقب اشتباكات دامية شاهدته العاصمة طرابلس خلال الأسبوع الماضي قال رئيس الأركان العامة في المنطقة الغربية محمد الحداد، والتابع لحكومة عبد الحميد الدبيبة المنهية الولاية  إن الاشتباكات الأخيرة التي شهدتها العاصمة وقعت لأن قوى داخلية وخارجية في البلاد تسعى إلى نشر الفوضى وتعطيل العملية الانتخابية وعرقلة طريقنا نحو السلام.

الساحة الرئيسية في مدينة طرابلس
الساحة الرئيسية في مدينة طرابلس

وفي تصريحات صحفية أكد الحداد أنه “عندما يواصل الليبيون محاربة بعضهم البعض، بدلاً من الوحدة فيما بينهم، فإنهم يصبحون أضعف من القوى الخارجية والدول الأجنبية ومرتزقتها التي لا تريد الاستقرار في ليبيا.

قوة مشتركة بين الشرق والغرب

وكشف الحداد الذي كان طرفا في مفاوضات عسكرية جرت بين المنطقة الشرقية والغربية خلال الأشهر الماضية عن ثمرة هذا التقارب بين أبناء المؤسسة العسكرية في البلاد، مشيرا إلى أنه تم الاتفاق على تشكيل مجموعة أمنية مشتركة من القوات المسلحة في الشرق والغرب ستكون مكلفة بحماية الحدود الجنوبية ومنشآت النفط وستعمل على طرد المرتزقة الأجانب من هذه المنطقة.

وتعاني المنطقة الجنوبية الليبية من انتشار الجماعات المسلحة والقوات الأجنبية وزاد خطورة الأوضاع هناك  الأحداث الأخيرة التي شهدتها النيجر، كما أن اشتباكات مسلحة وقعت مؤخرا بين قوات المعارضة التشادية والجيش التشادي داخل الأراضي الليبية، وهو ما جعل القوات المسلحة الليبية تتحرك للحيلولة دون مثل هذه الجرائم.

أرشيفية إحدى الشوارع من مدينة بنغازي فى ليبيا
أرشيفية إحدى الشوارع من مدينة بنغازي فى ليبيا

وبالعودة للحداد يقول: “اتفقنا على تشكيل قوة مشتركة لحماية حدودنا الجنوبية وتأمين مؤسساتنا العسكرية ونفطنا، والعمل معا لطرد جميع المرتزقة الأجانب الذين دخلوا دون اتفاقات مع الدولة الليبية”.

وشدد على ضرورة عدم ترك فرصة لـ«مرتزقة فاغنر للتسبب في المزيد من الدمار لبلدنا»، مضيفا: «نحن نعمل معاً، شرقاً وغرباً، لإيجاد استقرار دائم من شأنه أن يساعد على إحلال السلام في ليبيا الموحدة».

وتحدث الحداد عن أهمية أمن ليبيا بالنسبة لأوروبا، قائلا إن الأمر مهم خاصة فيما يتعلق بمراقبة الحدود والهجرة غير الشرعية وكذلك صادرات النفط الليبية، والتي ستكون غاية في الأهمية لجنوب أوروبا في الشتاء.

اشتباكات طرابلس

الاشتباكات التي وصفها الحداد بأنها سببا في تعطيل استقرارالبلاد وقعت في العاصمة طرابلس منتصف الأسبوع الماضي، حيث اندلعت شرارتها بين ميليشيات “الردع”، التي اعتقلت قائد ميليشيا 444 حينما كان متجها مع رئيس الحكومة المنتهية ولايتها عبد الحميد الدبيبة في رحلة خارجية، إذ جرى اعتقاله فور دخوله لمطار معيتيقة.

الاشتباكات التي وصفت بأنها الأسوأ خلال عام 2023، استخدم فيها الأسلحة الثقيلة في داخل الأحياء السكنية، وارتفعت حصيلة ضحاياها إلى 55 قتيلا وأكثر من 100 جريح، وفق ما أفاد مصدر طبي.

وأكد مركز طب الطوارئ والدعم سقوط 27 قتيلا وإصابة 106 آخرين على الأقل في حصيلة “مبدئية” للاشتباكات بين اللواء 444 وقوة الردع الخاصة، القوتين العسكريتين الأكثر نفوذا في طرابلس.

وتتبع ميليشيا ” 444″ المنطقة العسكرية طرابلس الخاضعة لوزارة الدفاع التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، فيما تتبع ميليشيا الردع الذي يقوده عبد الرؤوف كاره المجلس الرئاسي، وهي إجراءات اتخذتها حكومة الوفاق السابقة وحكومة الوحدة الحالية لتقنين وضع الميليشيات دون جدوى.

أرشيفية لآثار اشتباكات بين ميليشيات في طرابلس الليبية
أرشيفية لآثار اشتباكات بين ميليشيات في طرابلس الليبية

ورغم أن هذه الميليشيات كانت متحالفة فيما بينها في السابق، إذ كان حمزة من قبل شاغلا لمنصب الرجل الثاني في “جهاز الردع”، الذي اعتقله، وارتبط اسمه بالفرقة 20 وهي إحدى فرق الجهاز، وتعد بمثابة قوات النخبة بداخله، قبل أن ينفصل عنه ويؤسس قوة عسكرية تحت إمرته وهي “اللواء 444” يتبع وزارة الدفاع.

وتمكن “اللواء 444” من السيطرة على مساحة كبيرة من ضواحي طرابلس، وصولاً إلى مدينة ترهونة وبني وليد حتى جبل نفوسة غرباً، وتخوم مدينة الشويرف جنوباً، وهذه المساحة الشاسعة جعلت القوة تتموضع بشكل ممتاز على الساحة العسكرية في ليبيا.

ويعدّ “اللواء 444” من أكثر القوى العسكرية تنظيماً في ليبيا، وتنتشر معظم قواته جنوب العاصمة، كما تسيطر على مدن بارزة في غرب ليبيا، وتحديداً ترهونة وبني وليد، وتقوم بتأمين أجزاء واسعة من الطريق الرابط بين العاصمة وجنوب البلاد.

اشتباكات قانونية وسياسية تعرقل الانتخابات

وبعيدا عن الاشتباكات المسلحة التي تشهدها العاصمة بين الحين والآخر بسبب صراع قادة المجموعات المسلحة على النفوذ والثروة واستعراض القوة، فإن اشتباكات من نوع آخر تدور بين القوى السياسية المنقسمة إلى طرفين، فمنذ أكثر من عامين لم تنجح المفاوضات التي عقدت بين مجلس النواب الليبي الموجود في المنطقة الشرقية، ومجلس الدولة الاستشاري المؤيد من قبل مجموعات الغرب الليبي بما فيها الميليشيات المسلحة، في الاتفاق على صيغة قانوينة لإجراء الانتخابات.

وخلال الأشهر الماضية عقدت لقاءات موسعة بين طرفي الصراع السياسي “النواب والدولي” والتقي رئيسي المجلسين في أكثر من مناسبة لتقريب وجهات النظر إلا أن كل اللقاءات باءت بالفشل.

وساطة مصرية ومغربية لإنجاز قوانين الانتخابات

وشهدت الفترة الماضية تدخلات عربية في محاولة لتقريب وجهات النظر ومنع البلاد من الانزلاق نحو حرب أهلية جديدة، حيث احتضنت العاصمة المصرية القاهرة اجتماعات موسعة للجنة الدستورية المشكلة من قبل مجلسي النواب والدولة خلال العام الماضي، ووقتها أعلنت اللجنة أنها توصلت إلى اتفاق حول 95% من المواد القانونية التي تحتاجها البلاد حتى انتهاء المرحلة الانتقالية، ورغم ذلك لم يتصل الفريقين لاتفاق نهائي بهذا الخصوص.

وسبق اجتماعات القاهرة اجتماعات مماثلة لنفس اللجنة بمدينة الغردقة المصرية وفيها تواصلت المشاورات بين الطرفين في محاولة لإنهاء الأزمة الدستورية التي تعيشها البلاد لكن دون جدوى.

وخلال الأشهر القليلة الماضية احتضنت مدينة بوزنيقة المغربية مشاروات بين لجنة 6+6 التي شكلت من البرلمان ومجلس الدولة لوضع قوانين الانتخابات أيضا، ورغم إعلان اللجنة قبل أشهر انتهائها من الأعمال التي كلفت بها ودعوتها رئيسي النواب والبرلمان لحضور الاتفاق بين طرفيها، إلا أن الاتفاق لم يتم.

لماذا لا تخرج قوانين الانتخابات للنور؟

السبب الرئيسي في عدم خروج قوانين الانتخابات الليبية للنور، هو محاولة بعض الأطراف السياسية خصوصا الموجودين في المنطقة الغربية إقصاء بعض القوى السياسية المناوئة لها من خوض الانتخابات، إذ تسعى جماعة الإخوان المصنفة كجماعة إرهابية من قبل البرلمان الليبي وحلفائها إلى إقصاء كل من المشير خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي عن خوض السباق، خصوصا وأن الاثنين أعلنا في وقت سابق نيتهما الترشح للانتخابات.

ولأجل هذه النقطة تطالب هذه القوى منع مزدوجي الجنسية والعسكريين من خوض الانتخابات، وهو ما حاولت لجنة 6+6 وضع حلول عملية له من خلال إتاحة الفرصة للجميع للمنافسة وأن يكون الصندوق الانتخابي هو الحكم بين الجميع إلا أن  أطرافا في المنطقة الغربية رفضت هذه المقترحات وعرقلت خروج الاتفاق للنور.

البعثة تطالب بتهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات

أمام الخلافات المتلاحقة وعدم خروج قوانين الانتخابات وعرقلة بعض الأطراف للعملية السياسية، بدأت الخلافات تظهر على السطح بين البعثة الأممية وبعض القوى السياسية في الداخل، خصوصا بعدما أعلنت البعثة على لسان رئيسيها السنغالي عبد الله باتيلي أنه قد يلجأ إلى تشكيل لجنة محايدة من شخصيات عامة في البلاد لإعداد قوانين الانتخابات وهو ما رفضه البرلمان ومجلس الدولة.

الأزمة الليبية
الأزمة الليبية

وفي إحاطة له أمام مجلس الأمن قال باتيلي إن لجنة “6 + 6” التي كلفها مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بوضع اللمسات الأخيرة على القوانين الانتخابية اجتمعت في مدينة بوزنيقة المغربية في الفترة ما بين 22 مايو و6 يونيو.

وقد توصلت اللجنة إلى اتفاق بشأن مشاريع قوانين للانتخابات الرئاسية والنيابية.

وعن ذلك قال باتيلي: “نقر بجهود لجنة (6 + 6) باعتبارها خطوة مهمة إلى الأمام، وإن لم تكن كافية لحل القضايا الأكثر إثارة للجدل والتمكين من إجراء انتخابات ناجحة”.

وأوضح أن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عينت فريقا فنيا يتألف من خبراء في الانتخابات والقضايا الجنسانية (المتعلقة بنوع الجنس أو النوع الاجتماعي) والقضايا الدستورية لتقديم المشورة للجنة.

وأشار باتيلي إلى ما وصفها بردود الفعل المتضاربة من أصحاب المصلحة الليبيين بشأن النص المتفق عليه، مع الإشارة إلى أن القضايا الرئيسية لا تزال مثار خلاف.

وفيما أقر بأن القوانين المقترحة تمثل تقدما كبيرا، أشار إلى أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات أعربت عن القلق إزاء ثغرات وأوجه قصور فنية انطوت عليها مشاريع القوانين.

وقال المسؤول الأممي إن مشروع القانون يجعل من الممكن تأمين ما لا يقل عن 20 في المائة من المقاعد للنساء في مجلس النواب، ولكنه يخصص 6 مقاعد فقط للنساء من أصل 90 في مجلس الشيوخ.

وقال ممثل الأمين العام إنه يعتزم تكثيف المفاوضات ودعوة أصحاب المصلحة الرئيسيين أو ممثليهم الموثوق بهم للتوصل إلى تسوية نهائية بشأن أكثر القضايا إثارة للجدل، وجعل مشاريع القوانين قابلة للتنفيذ وتمكين إجراء انتخابات ناجحة.

وبرغم تأكيده على أهمية مبدأ الحل الليبي-الليبي بوصفه أساسا لأي أداة فعالة لتحقيق السلام والاستقرار المستدامين في ليبيا، إلا أن السيد باتيلي شدد على ضرورة ألا يكون هذا المبدأ “شعارا يخفي وراءه أجندة لإطالة أمد الوضع الراهن على حساب حقوق الشعب الليبي السياسية وتطلعاته للمؤسسات الشرعية والازدهار”.

ودعا مجلس الأمن إلى التحدث بصوت واحد لإبعاد “المفسدين” عن العملية السياسية، سعيا نحو التعافي الكامل لليبيا.

وأكد ممثل ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة، طاهر السني على أهمية العمل على معالجة نقاط الخلاف في التوافق الذي توصلت إليه لجنة “6+6”.

وشدد على ضرورة التشاور مع اللجنة والقوى السياسية والوطنية بهدف ضمان الاستقرار وتهيئة الظروف المناسبة وتحديد جدول زمني لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية هذا العام.

حفتر يلتقى عقيلة صالح والمنفي

وعطفا على ما سبق التقى القائد العام للقوات المُسلحة العربية الليبية المُشير أركان حرب “خليفة أبوالقاسم حفتر” اليوم السبت في مكتبه بمقرّ القيادة العامة – بنغازي برئيس مجلس النواب المُستشار “عقيلة صالح”، ورئيس المجلس الرئاسي الدكتور “محمد المنفي”.

المنفى وحفتر وصالح
المنفى وحفتر وصالح

وجاء اللقاء في إطار التباحث والتشاور حول مستجدات المسار السياسي في البلاد، حيث تم الاتفاق على الآتي:

– التأكيد على الملكية الوطنية لأي عمل سياسي وحوار وطني، وعدم المشاركة في أي لجان إلا من خلال الإطار الوطني الداخلي دون غيره.

– يتولى مجلس النواب اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بإعتماد القوانين الانتخابية المُحالة إليه من لجنة 6+6 بعد استكمال أعمالها واجتماعاتها؛ لوضعها حيز التنفيذ.

– نثمن دور رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا السيد “عبدالله باتيلي” الداعم للتوافقات المحلية وصولاً للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ودعوته إلى عدم اتخاذ اي خطوات منفردة في المسار السياسي.

– التأكيد على أهمية دعوة رئيس المجلس الرئاسي لاجتماع رئاسة كل من مجلسي النواب والدولة للتشاور واستكمال المسار السياسي الوطني لتحقيق أكبر قدر من التوافقات بهدف إنجاز القوانين الانتخابية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى