أخبار مصريةتحقيقات وحوارات

«أنا عاطل بدرجة جامعى».. فجوة بين التعليم وسوق العمل

عشرات الآلاف من الخريجين سنوياً بتخصص: «بطالة» والجامعات المصرية لا تزال بتخصصات «عفا عليها الزمن»

«محمد» خريج إعلام يركض بين السيارات لبيع مجلات الأطفال و«كريم» خريج وثائق ومكتبات «جليس المقهى» و«دينا» ماجيستير علم نفس «بلا مستقبل»

«دراسة»: المؤسسات التعليمية تفتقد لتصور شامل عن وظائف العصر و غالبية المؤهلات العلمية بعيدة متطلبات «الثورة الصناعية الرابعة»

محمد عبدالواحد الزيات

يقضي الشاب محمد عبدالكريم، صاحب الـ 27 عاماً والحاصل على كيلة الإعلام من جامعة بني سويف، أيامه، وهو يهرول بين الشاحنات والسيارات في ميدان رمسيس المُزدحم بالعاصمة القاهرة، حيث يعرض على قائدي المركبات شراء قصص تعليمية للأطفال وأدوات مدرسية من أجل كسب بضعة جنيهات لينفق بها على نفسه وعائلته الفقيرة، بينما يجلس بقية اليوم على المقهى يتصفح موبايله وتطبيقاته العديدة التي صنعها شاب مثله وربما أقل منه عمراً، متخصص في البرمجة ويعيش في بلد آخر كأمريكا أو الصين ودول النمور الآسيوية.

ويقول محمد، الذي جاء من صعيد مصر إلى القاهرة، بحثاً عن العمل لـ«المصرية»: “بعدما تخرجت من الجامعة، اكتشفت أن سوق العمل في مجال الصحافة والإعلام لا تحتاجني نهائياً، في ظل وجود طوابير انتظار طويلة جداً في هذا المجال، وأزمة كبيرة في التوظيف، لذلك اتجهت لعملي الحالي في بيع قصص الأطفال بالطرقات من أجل حصد المال، حتى تحين لي أي فرصة شبه معدومة للالتحاق بأي صحيفة أو وسيلة إعلام.

البطالة في مصر
البطالة في مصر

ويعد خريج كلية الإعلام محمد عبدالكريم، واحداً من بين ملايين الشباب المصريين الذين انتهى بهم المطاف جليسي المقاهي أو العمل في مجالات تختلف تماماً عن تخصصاتهم العلمية أو مؤهلاتهم الدراسية، بسبب وجود فجوة واسعة بين تلك المؤهلات الدراسية واحتياجات سوق العمل المعاصرة التي باتت تتطلب تخصصات متطورة مثل الذكاء الاصطناعي أو البرمجة أو البحث العلمي أو التصنيع المتقدم أو التكنولوجيا الطبية وغيرها.

جريدة «المصرية» بدورها تتناول ملف الفجوة بين المؤهلات الدراسة ومتطلبات سوق العمل، للوقوف على حجم هذه الظاهرة، ومحاولة رصد أبرز حلولها.

وحاورت «المصرية» نماذج أخرى غير محمد عبدالكريم، لشباب لم تشفع لهم مؤهلاتهم الدراسية للحصول على وظيفة الأحلام، حيث التقت بالشاب كريم السيد، الحاصل على ليسانس الآداب قسم مكتبات ووثائق من جامعة القاهرة، بينما كان جالساً في أحد المقاهي بحي وسط البلد العريق، حيث قال «كريم» عن حاله مع مؤهله العلمي: “تخرجت من كليتي منذ 3 سنوات مضت بتقدير عام جيد، ثم أنهيت خدمتي العسكرية، وتوجهت بعدها لسوق العمل بحثاً عن تحقيق أحلامي وتوفير مصدر دخل لي أعول به نفسي وأساعد والدي الذي كان في بعض الأوقات يضطر للاستدانة من أجل أن يوفر لي مصروفاتي التعليمية والجامعية، لكني وبعد محاولات عديدة جداً لم أجد أي وظيفة متاحة في مجال عملي نظراً لوجود طوابير من الانتظار لآلاف الخريجين بنفس مؤهلي لا يتحملهم سوق العمل نهائياً”.

طلاب الجامعات
طلاب الجامعات

وتساءل «كريم»: “لماذا تظل الجامعات المصرية تُخرج عشرات الآلاف من خريجي نفس مؤهلي الوثائق والمكتبات ومؤهلات أخرى مثل أقسام الجغرافيا والإعلام والتربية النوعية وعلم النفس وغيرها، طالما أنه لا يوجد لها فرص عمل؟!، ولماذا لا تُقدم الحكومة على ترك قسم واحد من هذه الأقسام على مستوى الجمهورية، بينما تستبدل بقية هذه الأقسام بمجالات عمل مطلوبة في الجامعات المصرية ؟!”.

لم يكن حال «كريم»، أكثر سلاسة من حال الخريجة أسماء أشرف، الحاصلة على ماجيستير في علم النفس من جامعة الزقازيق، حيث تقول: بعدما تخرجت من كلية الآداب قسم علم النفس، بتقدير عام جيد جداً، عزمت على اجتياز مرحلة الماجيستير، ورغم حصولي على هذه الدرجة العلمية المرموقة، إلا أنني ما زلت أحلم وأبحث عن وظيفة مُعلمة في إحدى المدارس، فهذا أقصى أحلامي رغم مؤهلاتي العلمية”.

 طلاب جامعة القاهرة
طلاب جامعة القاهرة

وأضافت: “كنت أحلم منذ التحاقي بقسم علم النفس، أن أصبح معالجة نفسية يوماً ما، ثم تضاءل حلمي بأن أكون مُعلمة علم نفس لتلاميذ المدارس، ولكن على الرغم من مرور 5 أعوام على تخرجي لم أجد أي فرصة في العمل في نفس تخصصي، حيث لم يتح أمامي سوى إعطاء دروس خصوصية لتلاميذ المرحلة الابتدائية رغم أنه ليس مجال عملي”.

فجوة بين مخرجات التعليم وسوق العمل

يبدو أن حال النماذج الشبابية العاطلة التي التقتها جريدة «المصرية»، يُترجم واقعاً خطيراً يعيشه الشباب مع المؤهلات العلمية بالجامعات المصرية، في الوقت الذي يُمكن خلاله استبدال العديد من هذه المؤهلات بتخصصات حديثة توفر الوظائف المرموقة للخريجين، حيث تشير دراسة علمية نشرتها «مجلة كلية التربية» بجامعة بنها، إلى وجود خلل في توزيع الطلاب على التخصصات العلمية غير مطلوبة لسوق العمل، مؤكدة أنها أدت إلى ارتفاع نسبة البطالة بالمجتمع.

وتوصلت «الدراسة»، إلى أن غياب التنسيق بين المؤسسات التعليمية من ناحية و وزارة القوى العاملة وجهات التوظيف من ناحية أخرى، قد أدى إلى غياب وجود تصور شامل ودقيق لدى المؤسسات التعليمية باحتياجات القطاعات الحكومية والخاصة من الموظفين.

طلاب داخل إحدى المحاضرات العلمية
طلاب داخل إحدى المحاضرات العلمية

وأوضحت «الدراسة»، أن المناهج التعليمية لم تعد قادرة على الاستجابة السريعة في سوق العمل بمهنه المحددة، فضلاً عن تدني مهارات الخريجين، وضعف وجود بيانات واضحة عن وظائف سوق العمل الحالي والمستقبلي، بالإضافة إلى عدم تحليل متطلبات الثورة الصناعية الرابعة.

تخصصات الحاضر والمستقبل

ربما لم يكن الشباب: «محمد ، وكريم ، ودينا»، الذين التقتهم «المصرية»، ليجدوا أي صعوبة في العمل بحقبة السبعينات، تلك الحقبة التي اتصفت بهيمنة كبرى لقطاعات مثل: «النفط، والإعلام، والتدريس، وصناعات التروس والسيارات»، فكان التأثير الاقتصادي العالمي من نصيب شركات مثل: «موبيل، وشل، وأكسون، وسوكال»، وكذلك: «هوندا، وجيب، وتويوتا»، بينما إعلامياً وترفيهياً سادت «هوليوود، وديزني وغيرها»، أما اليوم، فيعيش العالم حقبة أخرى، لا توفر أي فرصة لمجالات ومؤهلات الدراسة التقليدية المتوفرة بكثرة في سوق العمل المصرية، بسبب سيطرة شركات التقنية الكبرى على الاقتصاد العالمي ومستقبله، مثل شركات: «أبل، وجوجل، ومايكروسوفت، وهوواي، وميتا المالكة لتطبيقات الفيسبوك وانستجرام وواتس آب»، وشركة تسلا التي يملكها الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، والتي تعمل في مجالات الصواريخ الفضائية السياحية والسيارات الكهربائية، وصولاً إلى شركات فرعية مُتخصصة في التعزيز البشري وزراعة شرائح في أدمغة البشر لعلاج أمراض مثل الشلل ورفع معدلات الذكاء.

طلاب الجامعات يؤدون الاختبارات
طلاب الجامعات يؤدون الاختبارات

ووسط ما يعيشه العالم اليوم، من تحول كبير في أنماط المعيشة والتصنيع والتواصل، لم تعد الآلات تروساً أو هياكل حديدية بل أنماط تشبه البشر، وقادرة على إيجاد الحلول، حيث نشهد شرائح دماغية وأكباد وقلوب صناعية وأعضاء بشرية مُهندسة وربوتات تشبه البشر وتؤدي مهام بالغة الدقة يصعب على البشر تأديتها، في عصر باتت تحكمه التقنيات المتقدمة لا سيما: «إنترنت الأشياء، والروبوتا، والـ بلوك تشاين – Block chain، والواقع الافتراضي، والشبكة العصبية الاصطناعية، والبيانات الضخمة، و النانو تكنولوجي، وغيرها».

ومع التقدم الهائل الذي يشهده العالم، شهد أسواق العمل حول العالم تخصصات جديدة لصناعات باتت تحقق تريليونات الدولارات عالمياً، منها تخصصات: «الطاقة المتجددة، والأمن السيبراني، و الروبوتات، والهندسة النووية، وهندسة الذكاء الاصطناعي، وهندسة البرمجيات، وعلوم البيانات الضخمة، ونظم المعلومات الإدارية، وهندسة الميكانيك، وتصميم الألعاب الإلكترونية، والهندسة النووية، والمعلوماتية الصحية، وتصميم التطبيقات و الويب والطباعة ثلاثية الأبعاد، والواقع الافتراضي والواقع المعزز، وعلم الجينوم، وعلوم الفضاء والصواريخ، والاقتصاد الرقمي والتجارة الإلكترونية».

ماذا لو ؟!

تحت شعار «ماذا لو؟!»، تثير جريدة «المصرية» تساؤلاً هاماً بشأن توفير حلول عملية لسد الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، إلا وهو: «ماذا لو كان قد جرى توجيه الشباب: محمد ، وكريم ،ودينا، الذين التقتهم المصرية إلى تخصصات علمية مثل هندسة الذكاء الاصطناعي أو هندسة البرمجيات أو تصميم الألعاب الإلكترونية أو الهندسة النووية ؟!

التعليم وسوق العمل
التعليم وسوق العمل

المؤكد أن الإجابة على هذا التساؤل لم تكن لتشتمل ركضاً للشاب «محمد»، بين سيارات ميدان رمسيس، ولم يكن «كريم» ليجلس على المقهى ينتظر مرور يومه الصعب وضغوطاته النفسية، وربما كانت «دينا» قد حققت الماجيستير في الهندسة النووية أو علوم الطاقة المتجددة!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى