اقتصاد و بورصة

التكييـف .. مُنقذ من «الحر» ومُفاقم لـ«الاحترار»!

تعرف على تاريخ وطريقة عمل «التكييف»

يستهلك 17% من كهرباء العالم ويضيف 10% من الانبعاثات

دراسة جديدة تحمل آمال تحويل المكيفات إلى آلات تكافح التغير المناخي

 

محمد عبدالواحد الزيات

وسط زحام الحياة، والتغيرات المناخية التي جعلت الطقس يقسو على البشر صيفاً وشتاءً، تحولت حرارة وبرودة الجو في فصلي الصيف والشتاء، إلى وحش يكاد ينهش الأجساد، بينما لا سبيل إلى مواجهتها سوى بأحد أفضل الاختراعات في القرن العشرين، وهو مكيف الهواء أو مُنقذ البشرية من لهيب الجو الحار ومن تجمد الصقيع، لكنه بات أيضاً موضع نقاش دولي بسبب دوره في تفاقم أزمة الاحترار العالمي!.

ويمكن تخيل أهمية المكيف في يوم شديد الحرارة، فبمجرد أن يعود الإنسان من الشارع إلى غرفته المُكيفة أو مكتبه المُكيف تستقبله نفحة من الهواء البارد المُنعش التي تلمس كل خلية في جسده، وتشعره بالتحسن على الفور، فهكذا أصبح حال مئات الملايين البشر مع أجهزة التكييف.

وتسلط جريدة «المصرية» الضوء على تاريخ واستخدامات وطريقة عمل المكيف أو الجهاز الذي لّطف من أجواء العالم، فضلاً عن رصد فوائده والآمال العالمية المعقودة عليه في مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري.

حلول قديمة

منذ القدم حاول الإنسان التغلب على الأجواء الحارة، حيث تعود بدايات معرفته للمكيفات البدائية إلى عصر روما القديمة التي بدأت محاولات تبريد المياه من خلال تدويرها عبر الجدران بين المنازل، بينما في القرن الثاني الميلادي، اخترع الصيني دينغ هوان مروحة دوارة تدار باليد لتكييف الهواء، وصممها بـ7 عجلات ليتجاوز قطرها الـ 3 أمتار.

كمان كان الهنود يعلقون الستائر المُبللة بالمياه على النوافذ لتبريد الهواء، أما المصريين القدماء فصنعوا المراوح اليدوية والريشية والأواني الفخارية التي كانوا يضعونها ليلاً فوق أسطح المنازل لتبريد المياه.

بداية اختراع التكييف

على الرغم من أن التاريخ القديم تضمن مراوح يدوية وطرق أخرى للحفاظ على البرودة في الأيام الحارة، لكن البداية الفعلية لتبريد الهواء كانت في مطلع القرن التاسع عشر بمحاولات عديدة أجراها علماء مثل بنجامين فرانكلين و مايكل فاراداي وجاكوب بيركينز الذي اخترع أول ماكينة لصناعة الثلج عام 1834م.

لكن كل هذه المحاولات السابقة، لم تصل إلى تبريد الهواء إلى أن حدثت “ثورة التبريد” الحقيقة في عالمنا في العام 1902م، حين اخترع المهندس والمخترع الأمريكي ويليس كارير أول وحدة تكييف هواء كهربائية بعدما جاء الإيحاء بهذا الاختراع لـ “كارير” من خلال موقف تعرض له في محطة القطارات في مدينة بيتسبرغ.

وقد لاحظ «كارير» ضباباً كثيفاً وفكر أنه يمكن تقليله من خلال تجفيف الهواء بتمريره في الماء، فمن هنا اختمرت لديه فكرة السيطرة على حرارة ورطوبة الهواء، وهذا ما قاده لاختراع المكيف الكهربائي، الذي اعتبره «كارير» حينها بأن قيمته سوف تُحدد بمتطلبات المناخ والراحة والإنتاج.

 

شكل ومواصفات مُكيف كارير

كانت مكيفات «كارير» عملاقة الحجم، حيث بلغ طول الجهاز الواحد منها نحو 2 متر، وعرضه 2 متر أيضاً، في حين بلغ ارتفاعه 6 أمتار، فأدى هذا الحجم الضخم للمكيف إلى صعوبة استيعابه في المنازل.

المخترع كارير بجوار اول جهاز تكييف في التاريخ

ومنذ ذلك الوقت، جرى التطوير المستمر للمكيفات بأحجام أقل وكفاءة أعلى لإدخالها في الشقق الصغيرة، وصولاً لمكيف اليوم مُتعدد الأنواع ما بين مكيف الغرف الواحدة أو المكيفات المركزية الضخمة، وكذلك المكيفات الذكية المتصلة بالذكاء الاصطناعي ويمكن تشغيلها التحكم فيها عن بُعد.

كيف يعمل المكيف؟

يعتقد البعض أن مكيف الهواء، يقوم بتوليد الهواء البارد، لكن هذه الرؤية خاطئة، لأن المكيف ليس جهازاً سحرياً كل يصنع هواءً بارداً، بل يعتمد على ظواهر فيزيائية وكيميائية لتبريد الهواء.

وللتعرف على كيفية عمل جهاز المكيف، يمكن التعرف على مكوناته، وهي: “أولا المبخر: ووظيفته سحب الهواء الدافئ من داخل الغرفة، ثانيا الضاغط: الذي يعمل كمضخة للهواء داخل المكيف، ثالثا المُكثف: الذي يمتص الحرارة المجمعة داخل الجهاز، رابعاً المبردات: التي تحول الغاز إلى سائل بارد”.

ومع ترتيب دورة عمل الأجزاء الرئيسية للمكيف، يتضح أنه يقوم بسحب الهواء الدافئ من الغرفة من خلال فتحة التهوية، ثم يتدفق بعدها الهواء المسحوب فوق أنابيب المُبخر الباردة بالداخل؛ مما يُبرد الهواء وفي نفس الوقت يتم إزالة الرطوبة الزائدة عبر مزيل الرطوبة.

ويأتي دور دور المبرد الذي يمتص الحرارة من الهواء، ثم يتحول إلى سائل بارد عن طريق الضاغط والمكثف، ويجري بعدها إعادة تدوير الهواء البارد إلى الغرفة حيث يختلط مع الهواء الموجود فيها ويقلل من درجة الحرارة والرطوبة.. ثم تحدث نفس العملية بشكل عكسي في حالة الرغبة في الحصول على الهواء الساخن في الصيف.

 

انتشار فائق السرعة

مع التطور المتواصل في طرق عمل أجهزة التكييف، بلغت أعداده عالمياً نحو 1.9 مليار وحدة تكييف هواء في العالم، بينما سيتضاعف هذا الرقم ليصل إلى 5.5 مليار وحدة عالمياً خلال الـ 30 عاما المقبلة، وفقا لوكالة الطاقة الدولية

وتثير الأعداد الضخمة للمكيفات التساؤلات بشأن فوائدها وأضرارها، فعلى صعيد الفوائد تحتوي بعض المكيفات على فتلر لتنقية الهواء وإزالة الجزيئات والمواد المسببة للحساسية ، مثل حبوب اللقاح والغبار، فضلاً عن كونها تعمل كمزيلات للرطوبة؛ بما يحمي من الإصابة بالجفاف وضربات الشمس وبعض الأمراض الأخرى المرتبطة بالحرارة، بالإضافة إلى أن المكيف يُغني عن فتح النوافذ ومن ثم تفادي سماع الضوضاء أو السماح بدخول اللصوص والحشرات.

أما أضرار التكييف، فتكمن في كونه الاختيار الأول للبشر مع كل قطرة عرق تتساقط من جباههم، من أجل التخلص من حرارة الجو، لكن هذا الاختيار يسهم لتوه في زيادة الاحتباس الحراري، حيث تستهلك أجهزة التكييف أكثر من 17% من القدرات الكهربائية التي يولِّدها العالم؛ مما يُطلق أكثر من10% من الغازات المُسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي.

 

ومن المتوقع أن يزداد الطلب على التبريد بمقدار 10 مرات بحلول 2050م، بما يرفع من الطلب على الطاقة ثلاث مرات تقريبًا ليصل إلى 6،205 تيراواط/ ساعة، الأمر الذي سيضاعف من غازات الاحتباس الحراري الصادرة عن محطات توليد الكهرباء من 1.25 مليار طن في عام 2016 إلى 2.28 مليار طن في عام 2050م، وفقا لوكالة الطاقة الدولية، ما يعني أن 25 % من الاحتباس الحراري سيكون بسبب تكييف الهواء في 2050م.

أما على مستوى صحة الإنسان، فيتسبب المكيف في نزلات البرد، وجفاف أغشية الأنف المخاطية ما يؤدي إلى وصول الفيروسات بسرعة أكبر إلى الجسم، كما أن سخونة الجهاز ورطوبته تكوّنان ظروفا مثالية لنمو الفطريات والبكتيريا والفيروسات ولهذا ينصح العلماء دائما بضرورة تغيير فلاتر المكيفات باستمرار، كما أن أكثر أنواع المكيفات تأثرا بالتلوث الميكروبي هي أجهزة تكييف الهواء في السيارات.

ومع تحول المكيف إلى ضرورة لا غنى عنها في حياة الإنسان، أصبح هناك هاجساً بشأن أضراره على المناخ، لكن المستقبل قد يحمل للبشرية خبرًا سارًّا، حيث توصلت دراسة لمعهد كارلسروه للتكنولوجيا إلى طريقة لتحويل مكيفات الهواء إلى آلات لمكافحة التغير المناخي من خلال التقاط ثنائي أكسيد الكربون من الهواء عبر تقنية حديثة وتحويله إلى وقود هيدروكربوني متجدد على أن يتم تجميعه وتخزينه في آبار نفط اصطناعي مرتبطة بنظم التكييف المستخدمة في المكاتب وتجمعات الشقق السكنية

ويحمل لنا المستقبل أيضاً، تطوير أنظمة تبريد تعمل دون كهرباء، وهذا ما توصل إليه فريق بحثي من جامعة ستانفورد الأمريكية بعدما تمكن من ابتكار نظام تبريد جديد، قادر على خفض درجات الحرارة، وتوفير الكهرباء بنسبة تصل إلى نحو 50%، حيث يُشبه النظام الجديد إلى حدٍّ بعيد مبادل السيارة الحراري الذي يعمل في دائرة مغلقة يضخ خلالها المياه إلى محرك السيارة لتبريده قبل العودة إلى المبادل مرة أخرى.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى