الدولة المصرية.. خارطة طريق نحو الحفاظ عليها
إسلام عبد العزيز رئيس قسم الأخبار والرصد
في حياة الأمم والحضارات محطات يقف عندها التاريخ مشدوها، ليتساءل: كيف استطاعت تلك الأمم وهذه الدول أن تجتازها؟
تراكمات الفساد و الإفساد، وانعدام الثقة، والإحساس بالهزيمة النفسية، هي أمراض تصيب الدول كما تصيب الأفراد، وقدرة الدول على تجاوزها بأقل قدر من الخسائر هي محض توفيق وحفظ من الله بداية، ثم مهارة وقدرة لدى أفرادها على حب تلك الدولة والعبور بها إلى بر الأمان.
والدولة المصرية في سنيها الأخيرة، وتحديدا منذ يناير 2011، تعرضت للكثير من الضربات التي جعلتها – رغما عن إمكاناتها الضخمة، وقدراتها البشرية الهائلة، وتاريخها الممتد والضارب في أعماق الزمن- مسرحا للكثير من الأحداث الموجعة، التي عطلت مسيرتها، وراكمت عليها ما يمارسه المفسدون من أعباء كان في مقدمتها فقدان هيبتها في وقت من الأوقات، للدرجة التي جعلت بعض أبنائها غير البررة يمارسون فيها قتلا وإزهاقا للأرواح، وتخريبا لمقدراتها بلا وازع من ضمير أو حياء من انتماء لبلد أعطاهم كل شيء.
هذه التراكمات مثلت تحد شديد أمام الدولة المصرية، وكان ومازال، لزاما عليها أن تتماسك، لتعبر تلك المرحلة وهي قادرة على أن تحفظ أمنها، وحدودها، فالطامعون كثر، والمتربصون يقفون بالمرصاد في انتظار لحظة ضعف ليجهزوا على ما تبقى من تلك الدولة التي مثلت على مر تاريخها غصة في حلوقهم جميعا، وحجر عثرة أمام أطماعهم.
إذن فكيف السبيل؟
ليس أمامنا غير العمل.. والعمل الجاد.. فهو السبيل الوحيد لتجاوز أي أزمة على المستوى الفردي، أو الجماعي.
العمل وقدرة المواطن المصري على أداء ما عليه، وتقوية مؤسسات الدولة المصرية، و التماهي معها في أداء عملها، والضرب بيد من حديد على أيدي العابثين بمقدرات الوطن، من تجار محتكرين، و مستثمرين وهميين، وجشعين يحاولون افتعال أزمات كي يرضوا جشعهم.
العمل هو المنقذ، وهو الخلاص، وهو السبيل إلى صناعة قوى الدولة الشاملة بمفهومها المعاصر، عسكرية وسياسية واقتصادية و جيوستراتيجية وبشرية وثقافية (القوى الناعمة) وغيرها من القوى.
وهنا لا بد من الإشارة إلى إعادة ترتيب أولويات قوة الدولة، فالقوة العسكرية لم تعد المؤشر الأول على قوة الدولة، كما كان الأمر في بدايات القرن الماضي، وما سبقه من قرون، ، ولا هي أولى وسائل الردع، وإنما تعددت أنواع الردع التي تجعل قوى العالم الكبرى تحسب ألف حساب قبل الدخول في صراعات من أي نوع معك.
فهناك القوة السياسية التي تثبت بها الدولة قدرتها على إدارة معاركها بثبات من خلال معاهدات و أحلاف عسكرية باتت لها الأولوية لتحقيق التوازن.
وهذا ما دعا- على سبيل المثال- لقيام بعض الدول الأوروبية الصغيرة التي خرجت من الاتحاد السوفيتى السابق بأن تنضم إلى حلف الناتو ليعطيها قوة سياسية تقف أمام طموح روسيا في العصر الحديث، إذا حاولت الانقضاض عليها لإعادة ضمها إلى الإمبراطورية السوفيتية السابقة.
وبعدها -وربما قبلها- تأتي القوة الاقتصادية، فالدولة القوية اقتصاديًا بإمكانها فعل الكثير عن غيرها من الدول الفقيرة، فبالقوة الاقتصادية يمكن أن توجد خدمات جيدة وتعليم جيد وجيش وشرطة ومؤسسات قوية تعتمد كل وسائل القوة الحديثة القائمة على آخر التطورات التكنولوجية.
على سبيل المثال، فإن الولايات المتحدة هي أقوى دولة في العالم حاليا، ليس لأنها الأقوى عسكريًا فقط، بل لأنها الأقوى اقتصاديًا، بينما تأتي الصين بعدها في القوة؛ لأنها القوة الاقتصادية الثانية في العالم.
وبالرغم أن الصين قوتها العسكرية تجىء في المرتبة الثالثة بعد أمريكا وروسيا، لكن بقوتها الاقتصادية أصبحت العدو الرئيسى للولايات المتحدة الأمريكية، حيث يبلغ الناتج المحلى للصين 14.8 تريليون دولار، ويقترب من الناتج المحلى الأمريكى الذي يصل إلى 20.4 تريليون دولار.
وهذا ما يؤكد أن الدولة القوية اقتصاديًا هي الأقوى، فبالاقتصاد القوي يمكنها تكوين جيش قوى، ويمكنها الدخول في حرب طويلة المدى.
وفى الفترة الأخيرة، بدأت تظهر في مفاهيم العلوم الاستراتيجية قوة أخرى لم تكن في الحسبان، هي «القوة التكنولوجية والمعلوماتية»، فالمعلومات هي أساس اتخاذ القرار.
وكلما كانت المعلومات دقيقة وصحيحة، كان القرار سليما.. وكلما كانت المعلومات خاطئة، كان القرار المتخذ خطأ، سواء من الناحية العسكرية أو حتى الاقتصادية أو السياسية.
القوة التكنولوجية كنموذج مثلتها شركة «هواوى» الصينية التي تعمل في مجال نظم المعلومات، وقد أصبحت من كبرى ثلاث شركات في هذا المجال في العالم، وقد نجحت في الفوز في مناقصة تطوير شبكة الاتصالات البريطانية بإدخال نظام الـ G5 متفوقة على كل الشركات الأمريكية والأوروبية.
ولكن قامت الولايات المتحدة بالضغط على بريطانيا لرفض العرض الصينى، لأن ذلك يعنى دخول الشركة الصينية على جميع شبكات الاتصالات في أوروبا، وبالتالى يمكنها الحصول على جميع المعلومات من دول أوروبا وأمريكا.
على أية حال، ودون الدخول في تفاصيل لإثبات ما نريد، فإن هناك عددا من الحقائق ينبغي لأبناء هذا الوطن أن يدركوها جيدا لتكون مرتكزات ينبني عليها مستقبلهم ومستقبل وطنهم:
• هذه القوة التي تحدثنا عنها (اقتصادية وسياسية وعسكرية ومعلوماتيا) محال أن توهب لدولة بحكم التاريخ أو الجغرافيا، وإنما بعمل أبناء الوطن بجد واجتهاد ودأب وشغف لا ينقطعوا حتى الوصول إلى تحقيق هذه القوى وامتلاكها على الأرض
• أن الرفاهة التي تأمل الشعوب جميعا في الحصول عليها لابد لها من ضريبة يتم تقديمها، ولا أقل من إحساس بهموم الوطن، وحفاظ على مقدراته، والتماهي مع مؤسساته العاملة من أجل الحفاظ عليه.
• إدراك أن الوطن أمانة سلمتها لنا الأجيال السابقة مصونا محفوظظا، وضحوا بدمائهم وأرواحهم من أجله، فلا أقل أن نعيد الأمانة إلى أبنائنا وأحفادنا كاملة غير منقوصة، حتى لا يذكرنا التاريخ بالخيانة.
وأختم كما بدأت.. العمل، والعمل وحده سبيلنا لتجاوز كل أزماتنا، وتحقيق ريادة إقليمية ودولية مستحقة لهذا الوطن ذي التاريخ المجيد.