الفيضان لم يصل إلى نهر النيل.. ما علاقة «سد النهضة»؟

تعويض المياه المفقودة بمياه السد العالي
مخاوف من حدوث كارثة في مصر بسبب الجفاف
عيد وفاء النيل دون فيضان لأول مرة في التاريخ
الخطر الذي يهدد نهر النيل في مصر
نبيل عمران
مع شروع إثيوبيا خلال السنوات الماضية في بناء سد النهضة، بدأت المخاوف العديدة تنتاب عموم المصريين بشأن حجم حصة مصر من مياه النيل وتوليد الطاقة الكهربية والسدود، غير ذلك أن مصر تعتمد بنسبة 97٪ على مياه نهر النيل .
تعني مصر عجزا مقداره 54 مليار متر مكعب سنويا ، إذ تصل احتياجاتها المائية إلى نحو 114 مليار متر مكعب سنوياً في ظل حين يصل حجم الموارد المائية المتاحة إلى 60 مليار متر مكعب سنويا فقط.
ومع استمرار إثيوبيا المضي قدما باتجاه الانتهاء من بناء سد النهضة ، البدء العملي في ملء السد إلي أن وصل للملء الرابع.

فجر الدكتور عباس شراقي خبير المياه الدولي وأستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة مفاجئة من العيار الثقيل في حديثة «أن فيضان نهر النيل لم يصل إلي مصر هذا العام للمرة الأولى في التاريخ .
وقال «شراقي» لم نمر بسنوات جفاف منذ عام 1988 والفيضانات في نهر النيل تأتي من إثيوبيا بنسبة 85% وبحيرة فيكتوريا بنسبة 15%، وتأتي الأمطار في أشهر يوليو،أغسطس، سبتمبر من كل عام، وتصل المياه إلي السد العالي في نهاية يوليو أو أول أغسطس لذلك العام المائي في مصر يكون في أول أغسطس، والمصريون قبل بناء السد العالي كانوا ينتظرون المياه لأنها مصدر الخير بالنسبة للوطن، والوفاء بعيد وفاء النيل كان في 15 أغسطس من كل عام، وبعد السد العالي أيام مصر كلها أعياد لأن المياه تخرج من السد يوميا.

وأوضح أنه كان يتم متابعة منسوب الفيضان من خلال مقاييس موجودة على نهر النيل ، وما زال بعضها قائمة إلي الآن ، مثل معابد إدفو ومنطقة الروضة في القاهرة ، بناءً على هذه المقاييس كان يتم تحديد الضرائب التي تُفرض على المواطنين ، ففي حالة وجود مياه كثيرة في نهر النيل ، كان يتم فرض الضرائب ومبالغ كبيرة، لأنه بوجود الفيضان يحدث الرخاء والنماء داخل مصر، أما في حالة حدوث نقصان في مياه الفيضان، كان يتم تقليل هذه الضرائب وربما إلغاؤها، لعدم توافر النماء والرخاء، هذا يؤكد على قيمة النيل بالنسبة لمصر والمصريين عبر العصور.
وأشار خبير المياه الدولي إلى أن ما حدث هذا العام بالتحديد أن سد النهضة حجز مياه الفيضانات منذ أول يوليو الماضي وحتى اليوم، ومتوقع أن يستمر في الحجز والملء الرابع إلي اوائل شهر سبتمبر المقبل، وبالتالي جاء يوم 15 أغسطس الماضي بدون وصول فيضان لمصر، لأن معظم المياه محجوزة في سد النهضة.
ولفت: أن الملء الرابع لسد النهضة سيحجز 25 مليار متر مكعب وهذا رقم كبير، لأنه يعادل 45% من حصة مصر، ثم يأتي جزء من المياه المحجوزة خلال الأشهر المقبلة مع توليد التوربينات للكهرباء وتمريرها للمياه، ولكن لأول مرة في 15 أغسطس لا يأتي الفيضان إلي بحيرة السد العالي بسبب سد النهضة.
وكشف عباس شراقي أن عدم وصول فيضان نهر النيل إلى مصر هذا العام ، يعود إلى التخزين الرابع في سد النهضة الذي بدأ من أول الموسم ، ومن المتوقع أن يستمر حتى سبتمبر القادم .
لأول مرة في تاريخ مصر لهذا العام 2023 يأتي عيد وفاء النيل بدون حدوث فيضان! لماذا؟
يعتبر فيضان النيل دورة طبيعية هامة في مصر منذ العصور القديمة، والتي تعني ان النيل يمتلئ أكثر من الكم الكافي، ويحتفل بها المصريون كعيد سنوي لمدة أسبوعين بدءاً من 15 أغسطس، ويتكون فيضان النيل من ثلاث مراحل هم: «موسم الفيضان، موسم الظهور، موسم الحصاد».
عيد وفاء النيل
آمن المصريون القدماء منذ استقرارهم على ضفاف النيل بأن نهر النيل هو مصدر الحياة وتجسدًا للنظام الكوني الذي يحيون فيه وأن منابعه هي حدود الكون المعروف في عالم الأحياء وفي العالم الآخر أيضًا.
لاحظ المصريون القدماء فيضان النيل واعتبروه مؤشرًا لبداية لعام في التقويم المصري القديم، وهو حوالي منتصف شهر أغسطس حاليًا، عندما كان النهر يبدأ في الارتفاع ويميل لونه إلى الحمرة ليبلغ ذروته في سبتمبر، ثم تبدأ المياه في الانخفاض مع نهاية فصل الخريف لتصل إلى أدنى مستوياتها في مايو من كل عام.

اهتم المصريون القدماء بتسجيل ارتفاع الفيضان من خلال العديد من مقاييس النيل المنتشرة على امتداد مجراه، معتبرين أن ارتفاع النهر بمقدار ذراع كان يمثل المستوى الأمثرللفبضان الذي يتم على أساسه تقدير ناتج المحاصيل والضرائب المستحقة على الأرض.
تشير الأدلة التاريخية إلى إلقاء المصريون القدماء، في القرن الثامن عشر، بعض من الدمى الخشبية لكي يفيض النهر وذلك في يوم الاحتفال بيوم وفاء النيل، حيث تُقام الاحتفالات ثم تُلقى دميه في النيل مع حفنة من النقود الذهبية والفضية في المياه المتدفقة من الفتحة التي حددها الوالي بضربته الأولى في السد، ثم يقوم الحاضرون بإلقاء قطع النقود والأزهار وسط قرع الطبول وابتهاج الجميع بقدوم النيل ووفائه في موعده.
عيد وفاء النيل دون فيضان لأول مرة في التاريخ
لأول مرة في تاريخ مصر احتفل المصريون في 15 أغسطس الحالي بعيد وفاء النيل أو فيضان النيل دون فيضان، وهي مناسبة يحتفل بها المصريون كل عام بهذا الموعد الذي يشهد امتلاء النيل عن ضفافه ، لكن منسوب النهر هذا العام كان منخفضا ما أثار مخاوف لدى خبراء المياه.
قال الدكتور ضياء الدين القوصي خبير المياه العالمي إن أول أغسطس أول السنة المائية، مشيرا إلى أن المتعارف عليه إن كان منسوب المياه أكثر من 75، يتم صرف المياه تحسبا للفيضان الجديد.
وأوضح «القوصي» خبير المياه العالمي أن إثيوبيا تحجز المياه من منبعها بقصد ملء الخزان الضخم الذي أنشأته استعدادا للملء الرابع.
وأضاف إن ما يحدث ينذر بخطر شديد، لأن من المتوقع حجز 25 مليار متر مكعب، هي أصلا من نصيب السودان ومصر.

ورأى الخبير أن بحيرة ناصر الممتلئة حاليا قد تفي بالغرض مؤقتا لا سيما أن الجفاف يجتاح المنطقة.
وأشار إلى أن نفاذ ماء بحيرة ناصر ينذر بالعطش وبوار الأراضي الزراعية، لافتا إلى أن بناء السد العالي في مصر تم في وقت نموذجي، واعتبر أن ما يحدث ضد مصر يجب الرد عليه بنفس القوة بل بأشد منها في إشارة إلى خطوة أثيوبيا أحادية الجانب وغير المكترثة بتداعيات برنامجها المائي على حساب جيرانها.
ما هي أهمية نهر النيل لمصر؟
يعتبر نهر النيل بدون مبالغة شريان الحياة لمصر والمصريين، فهو المصدر الرئيسي للمياه الصالحة للشرب ولري الأراضي الزراعية،وبشكل عام تتمثل أهمية نهر النيل للدولة المصرية في التالي:
أهمية نهر النيل من الناحية التاريخية
أهمية نهر النيل لمصر من الناحية التاريخية بالغة، فهو ملازم لمصر وحضارتها في كل العصور والأزمنة، وتتمثل أهميته التاريخية في التالي:
قامت الحضارة المصرية القديمة على نهر النيل، فهو السبب الرئيسي فيها.
اعتمد الفراعنة عليه في زراعة المحاصيل وريها.
اعتمد الاقتصاد المصري منذ آلاف السنين على الزراعة القائمة على مياه النيل.
كما اعتمد عليه المصريين في الشرب.
كما استخدم النيل لنقل البضائع المختلفة بين المدن المصرية، ولنقل البضائع المصرية للدول المجاورة.
كان أحد وسائل النقل لوصول البضائع من الدول المختلفة لمصر.
كذلك عرف عن مصر تاريخياً بأنها بلد النيل، حيث كان من المعالم المميزة لمصر.
كذلك اعتمدت عليه كل الحقب الزمانية المختلفة التي أتت بعد فترة الفراعنة، في الزراعة والصناعة ومصدر للشرب.
كما ساهم نهر النيل في تحويل مصر من صحراء جافة قاحلة إلى أراضي زراعية خصبة وأماكن صالحة للاستيطان.
أهمية نهر النيل من الناحية الاقتصادية
تتمثل أهمية نهر النيل الاقتصادية الكبيرة بالنسبة لمصر فيما يلي:
كان لفيضانات النيل الفضل في تشكيل وتكوين الأراضي الزراعية الخصبة الصالحة لزراعة المحاصيل وإنتاج الطعام.
مصدر دخل الملايين من المصريين عن طريق زراعة وبيع المحاصيل الزراعية.
الزراعة القائمة على نهر النيل والصناعات القائمة على منتجات هذه الزراعة، من أهم أسس الاقتصاد المصري.
يساهم في نقل البضائع بين مصر والسودان.
يتم الاعتماد عليه في صيد الأسماك المتواجدة به.
كما يتم استخدامه في النقل المائي، سواء لنقل الأفراد أو البضائع، مما يوفر الوقت.

كذلك هو مهم للسياحة المصرية، فتوجد الرحلات النيلية التي تجذب العديد من السياح، وتوفر فرص عمل مختلفة.
كما تجذب الفنادق والأماكن السياحية المقامة على النيل الزائرين سواء من داخل أو خارج مصر.
يتم الاعتماد عليه في إنتاج بعض الكهرباء لمصر، وذلك عن طريق السدود المقامة عليه كالسد العالي وخزان أسوان.
نظراً لمنظره الجميل البديع، تكون المباني المبنية حوله من الأغلى سعراً.
أهمية نهر النيل من الناحية الزراعية
يعتبر الفراعنة أول من مارسوا زراعة المحاصيل الزراعية على نطاقات واسعة، بسبب براعتهم في الاستفادة من نهر النيل بتوفير طرق ري مبتكرة،
وتتمثل أهمية نهر النيل في القطاع الزراعي كما يلي:
الزراعة في مصر تعتمد بشكل أساسي على الزراعة.
القطاع الزراعي يعمل به 25% من إجمالي العمالة على مستوى مصر.
كما يساهم بنحو ثمن الناتج المحلي الإجمالي لمصر.
كما توفر صادرات الزراعة بجزء مهم من النقد الأجنبي للدولة.
كذلك جزء كبير من طعام المصريين هو الأرض التي يتم ريها بمياه نهر النيل.
تتميز المحاصيل الزراعية المروية من النيل بالجودة التي توفر الصحة الجيدة عند خلوها من الكيماويات والأسمدة الضارة.
نهر النيل يمثل أكثر من 95٪ من إجمالي الموارد المائية في مصر، لذلك فهو له أهمية كبيرة لكل مصري.
هل نهر النيل في مصر فقط ؟
نهر النيل أطول أنهار العالم ويقع في قارة إفريقيا، ويشق أرض مصر من الجنوب إلى الشمال ليتفرع إلى فرعين يصبـان في البحر المتوسط هما فرع رشيد وفرع دمياط، يبلغ طوله من منابعه في بحيرة تنجانيقا حتى مصبه في البحر المتوسط 6650 كيلو مترًا، ويغطي مساحة مقدارها 1.9 مليون كيلو متر مربع، ويمتد في 11 دولة هي: تنزانيا – كينيا – زائير – بوروندي – رواندا – إثيوبيا – إريتريا – أوغندا –جنوب السودان – السودان – مصر، وينبع نهر النيل من بحيرة فيكتوريا وتعترضه مساقط ومنحدرات يتخطاها ليندفع بقوة صعودًا أو هبوطًا حتى يصل إلى مجراه الطبيعي.
فيضان النيل
اعتمدت الحضارات التي قامت على ضفتي النيل على الزراعة، كنشاط رئيسي مميز لها، خصوصا في السودان ومصر، لهذا فقد شكل فيضان النيل أهمية كبري في الحياة المصرية القديمة والنوبية أيضًا، ويحدث الفيضان بصورة دورية في فصل الصيف.
في مصر الفرعونية ارتبط الفيضان بطقوس شبه مقدسة، حيث كانوا يقيمون احتفالات وفاء النيل ابتهاجا بالفيضان، كما قاموا بتسجيل هذه الاحتفالات في صورة نحت على جدران معابدهم ومقابرهم والأهرامات لبيان مدى تقديسهم للفيضان.

في مصر الإسلامية اهتم ولاتها بالفيضان أيضًا، وقاموا بتصميم “مقياس النيل” للقيام بقياس دقيق للفيضان، ولا يزال هذا المقياس قائمًا لليوم في “جزيرة الروضة” بالقاهرة.
في العصر الحديث في أواخر الثمانينات من القرن المنصرم شهدت دول حوض النيل جفافًا نتيجة لضعف فيضان النيل، مما أدى إلى نقص المياه وحدوث مجاعة كبري في كل من السودان وإثيوبيا، غير أن مصر لم تعان من آثار تلك المشكلة نظرًا لمخزون المياه ببحيرة ناصر خلف السد العالي.
الخطر الذي يهدد نهر النيل في مصر
يواجه نهر النيل خطر المحو من الوجود تمامًا، بسبب أربعة أخطار واضحة، وهي:
انخفاض نسبة هطول الأمطار في دول المنبع
أخطر ما يهدد النهر الأطول في العالم، هو انخفاض كمية الأمطار التي تهطل على هضبة الحبشة في إثيوبيا، لاسيما أنها تشكل أكثر من 80 في المئة من مياهه، أن “موسم “الميهير”، وهو موسم الأمطار الطويل الذي يقع في فصل الصيف، يتأخر قدومه بمرور السنين، كما توقف هطول الأمطار في أشهر الشتاء والربيع تمامًا”.
التغيّرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة واتساع موجة التصحر
وبسبب التغيّرات المناخية، ومنها ارتفاع درجات الحرارة، وزحف ظاهرة التصحر نحو النيل، فإن النهر بات في خطر محدق، وتمددت الصحراء بمسافة 120 كيلومترًا في الأحراش الواقعة إلى الجنوب من الخرطوم في السنوات الـ 30 الأخيرة، حسب ما يقول برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة. كما تستمر درجات الحرارة بالارتفاع بشكل ملفت، مما يزيد من نسبة التبخر في النيل.
إلقاء السكان والمصانع المخلفات في المدن التي تقع على شاطئيه من المنبع حتى المصب
فإن توسّع المدن حول نهر النيل في الدول التي يمر بها يمثل خطرًا عليه، لاسيما مع ازدياد كمية المخلفات الناتجة عنها، ومنها مدينة الخرطوم، التي لم يتم توسيع شبكة الصرف الصحي فيها منذ عقود.
ونتيجة غياب مرافق التعامل مع الفضلات، تعمد الشركات والمصالح والمصانع إلى رمي القاذورات والفضلات، من المخلفات السامة في مياه النيل الملوثة أصلاً بالمواد الكيميائية.
زيادة عدد السدود، وخاصة سد النهضة الأثيوبي
صراع السدود يعتبر أحد أخطر العوامل على نهر النيل، ومنها سد مروي، وسد أسوان، لكن أكثرها تأثيرًا هو سد النهضة الإثيوبي، الذي يزيد طوله عن الميل وبإمكانه توليد 7 ميغاواط من الطاقة الكهربائية.