سلايدر

بـ«صوامع الصواريخ النووية».. الصين تستعد لحرب «زعامة العالم»

محمد عبدالواحد الزيات

تسابق الصين الزمن للانتهاء من بناء قرابة 150 صومعة جديدة في الصحراء الشاسعة شمال غربي البلاد، لكنها ليست صوامع لتخزين القمح والحبوب بل لتجهيز وإخفاء الصواريخ من نوع «دي إف- 41»، المجهزة لحمل رؤوس نووية يصل مداها إلى أكثر من 15 ألف كيلومتر، بما يجعلها قادرة على الوصول إلى غالبية الكرة الأرضية وبينها جميع البر الأمريكي الرئيسي الذي بات في مرمى النووي الصيني.

وتأتي صوامع الصواريخ الصينية في إطار خطة جديدة يجري تنفيذها بمختلف مناطق البلاد، تحت مسمى بـ«لعبة القواقع» التي تنتهج عنصر التمويه عبر إخفاء رؤوس نووية حقيقة داخل صوامع مجهزة لهذا الغرض، ضمن حيز مكاني يضم صوامع أخرى فارغة لتضليل أي هجمات معادية تستهدف ضرب هذه الصوامع، وذلك بما يُشبه قواقع البحر التي منها ما هو فارغ وما هو ممتلئ، وفقا لصور فضائية حصل عليها باحثون في مركز «جيمس مارتن» لدراسات منع انتشار أسلحة الدمار الشامل في ولاية كاليفورنيا الأمريكية.

ويستهدف التنين الصيني، الانتهاء من صناعة وتجهيز نحو 700 سلاح نووي بحلول عام 2027م، وامتلاك أكثر من 1000 رأس نووي في عام 2030م، بجانب تسريع وتيرة العمل على بناء المفاعلات المولدة السريعة وأنظمة إعادة المعالجة من أجل تعزيز إنتاج البلوتونيوم، وتدعيم القوة النووية الصينية في البر والبحر والجو، وفقاً لتقرير صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون»، ما يشير إلى توسع مذهل في الترسانة النووية الصينية للاستعداد القتالي في أي وقت.

انطلاقة النووي الصيني

لعقود مضت، لم تكن توسعة التسلح النووي غاية أساسية في مخيلة صانع القرار الصيني، إذ ظلت ضمن نطاق محدود لدرجة إمكانية نسف المشروع النووي الصيني كله بضربة واحدة لا تتخطي تأثير قنبلتين اللاتين ألقتها الولايات المتحدة على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين، حيث بدأت بكين، مشروعها النووي بين عامي 1950-1960م، حينما قرّرت استقطاب نحو 10 آلاف خبير نووي من الاتحاد السوفيتي سابقاً، لتستثمر أوج صداقتها بالدب السوفيتي في الحصول على التقنيات النووية ضمن برنامج سوفيتي لدعم بكين بالأسلحة النووية.

 صور فضائية ترصد صوامع الصواريخ في الصين
صور فضائية ترصد صوامع الصواريخ في الصين

ولم تمضِ سوى سنوات قليلة، حتى أغلقت موسكو برنامجها لتطوير السلاح النووي الصيني على إثر تدهور العلاقات بين الجانبين، بيد أن التنين الصيني كان قد نجح في توطين تكنولوجيا صناعة الأسلحة النووية، ليفاجئ العالم بعدها بإنتاج أول قنبلة نووية صينية محلية الصنع.

وسرعان ما اختبرت بكين، قنبلتها النووية الأولى عام 1964م، من خلال تفجيرها في بحيرة «لوب نور» الواقعة في إقليم شينجيانغ شمال غرب الصين، حيث بلغت قوتها الانفجارية حينذاك، حوالي 22 كيلو طن، لتتوالي بعدها التجارب النووية الصينية التي انتقلت من البحر إلى البر، بتفجير قنبلة ذرية أُسقطت من الجو على الأرض اليابسة داخل موقع صيني مخصص للتجارب النووية.

وواصلت الصين، خطاها المحدودة حينذاك، لتطوير برنامجها النووي، حيث عاودت في عام 1967م، اختبار قنبلة هيدروجينية بقوة 3.3 ميغاطن، لتصل إلى قوة نووية لكنها لم تكن بالقدر الكبير حينذاك.

ميلاد التنين النووي

بينما كانت الولايات المتحدة الأمريكية، مُنشغلة بمواجهة وتفكيك الاتحاد السوفيتي خلال فترة الحرب الباردة بين الجانبين، كانت الصين، مُنهمكة في التحول إلى قوى عظمى اقتصادياً وعسكرياً، ما مكّنها من تدعيم قواتها المسلحة بأحدث الأسلحة النووية براً وبحراً وجواً، والتي تقارب الـ 300 رأس نووي مُدمر، وفقاً لتقديرات «البنتاجون الأمريكي»، ثم ما لبثت بكين، أن أصبحت رابع قوة نووية في العالم بعد الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وبريطانيا.

صور فضائية ترصد صوامع الصواريخ في الصين
صور فضائية ترصد صوامع الصواريخ في الصين

ونجحت الصين في إنتاج صواريخ باليستية محلية من طراز «دونغفنغ 41» التي تُوصف بالقوة القاهرة في الترسانة النووية الصينية، حيث يصل مداها إلى 14 ألف كيلومتر، ما يعني أن رشقة متزامنة منها قادرة على محو بلد بحجم أمريكا.

كما عزّزت بكين، من قوتها البحرية عبر برنامجها العسكري «جين» الذي جرى تطبيقه بين عامي 1999-2010م، من خلال صناعة 4 غواصات نووية صينية، حيث تحمل الواحدة منها 12 صاروخا بالستيا من نوع «JL-2 أو الموج الكبير» بمدى يمتد إلى 9 آلاف كيلومتر، وقادر على حمل رؤوس نووية.

مرحلة جديدة

مع تصاعد الخلافات والتوترات بين واشنطن وبكين، خلال العقد الماضي، سارع التنين الصيني للتجهز لمواجهة العم سام، ببدء مرحلة جديدة من تطوير أسلحة دمار شامل أكثر ردعاً و فتكاً، إذ يعكف الخبراء الصينيون حالياً على بناء غواصة استراتيجية جديدة من طراز «تايب-  93» المتطور، بجانب التوسع في إنتاج صواريخ باليستية جديدة كُلياً من عائلة «جي إل – 3» التي يبلغ مداها أكثر من 12 ألف كيلومتر.

صواريخ  نووية صينيه
صواريخ  نووية صينية

ولتأمين سمائها، سعت بكين، لتطوير قاذفة القنابل الاستراتيجية «إيان إتش 20»، التي جاءت ضمن جيل متطور وقائم على تقنية «الجناح الطائر» لينافس بذلك «قاذفة الشبح الأمريكية B-2».

كما شرعت بكين، في توسعة رقعة الملاجئ النووية في مختلف مناطقها الكبرى، بما يشير إلى استعداد صيني تام لمواجهة أي حرب نووية محتملة في المستقبل القريب.

قوة الردع

تتزامن الخطط النووية الصينية من الصواريخ إلى الغواصات والصوامع النووية، مع مساع أمريكية لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي عالمياً، هذا ما أكدته تقارير أمريكية أشارت إلى وجود خطط ومشاريع لوزارة الدفاع الأمريكية، تستهدف تكثيف التركيز على أنشطة بكين التي تراها واشنطن غريمها الاستراتيجي العالمي، فضلاً عن إعلان الأمريكان عن «حرب الرقائق» بفرض قيود ضخمة على تصدير المواد الدقيقة والمتقدمة اللازمة لصنع الرقائق الإلكترونية إلى الصين.

صواريخ صينية نووية
صواريخ  نووية صينية

وقابلت الصين، الخطط الأمريكية بالعمل على الوصول إلى مرحلة من التكافؤ الاستراتيجي والعسكري مع الجانب الأمريكي، تحقيقاً لمفهوم  «الردع» ضد القوة العسكرية الأمريكية صاحبة القدرات النووية الهائلة التي تتخطى الـ5500 رأس نووي، لطالما أثارت مخاوف صينية من شن ضربة أمريكية استباقية وخاطفة ضد مواقع الترسانة النووية الصينية تُفقدها قوتها على الأرض وتنزع بكين دفاعاتها العسكرية.

صواريخ صينية نووية
صواريخ  نووية صينية

ويهدف الصينيون، من خلال مواصلتهم لمضاعفة قوتهم النووية إلى تعزيز القناعة الأمريكية بأن الوقت قد مضى على إمكانية توجيه عملية استباقية للقضاء على قوة الردع الصينية، لا سيما بتطوير صناعات الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وتعزيز تقنيات إخفائها عن الأقمار الصناعية، وتأمينها ضد ضربات القاذفات الاستراتيجية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى