حتى الحروب لها قواعد !
بقلم محمود سعيد
إذا كان هناك ثمة وصف يمكن إطلاقه على المأساة الجارية في غزة، فلا أدلّ من وصفها بـ«إدارة التوحش» وليس مجرد حرب، لأنه حتى الحروب لها قوانين وقواعد إنسانية تحكمها، أما ما يجري في القطاع المُحاصر فعلياً من سنوات، فهو عدوان سافر منزوع من معاني الشرف ومستتر في إدارته وتمويله إلى مساحات فكرية غربية قائمة على التزييف والتحريض ضد شعب أعزل، بما يكشف عن قذارة هذا الحشد والاستهداف وينسف شعارات حقوق الإنسان التي لطالما تغنت بها قوى عالمية.
ولا يتسنى لنا حتى الآن، أن نعتبر ما يجري في غزة، حرب فعلية بين قوتين مُتحاربتين سواء بغت إحداها على الأخرى أم حتى أنها حرب مباشرة، فجميع المشاهد الفاجعة هي لجثامين أطفال ونساء لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا على تلك الأرض، وجاوروا احتلال غاشم لا يحارب عدوه وجها لوجه بل يوجعه في مدنيي بلاده، في حين أن قانون الحرب هو مرادف لـ «القانون الدولي الإنساني» الذي يفرض مجموعة القواعد الدولية للنزاعات المسلحة وفق اتفاقيات جنيف.
وما يزيد من انسلاخ أهوال غزة عن مصطلح الحرب إلى إدارة «التوحش»، هو مخالفتها لقوانينه أو القانون الدولي الإنساني الذي ينظم كيفية خوض الحروب وينص على حماية الأطفال والنساء والمدنيين، ومنع التعذيب، وحظر مهاجمة الأعيان المدنية ومصادر المياه والمحاصيل والمستشفيات والطواقم الطبية والمدارس والعاملين في مجالات الإغاثة والإعلام، فضلاً عن حماية الأشخاص غير القادرين على القتال مثل المصابين والأسرى وحتى والجنود الجرحى، بالإضافة إلى حظر تعذيب السجناء والأسرى.
وبتدقيق النظر لممارسات الجيش الإسرائيلي ضد غزة، يتضح جلياً أنه قد تجاهل القانون الدولي الإنساني بشكل كامل كأنه غير موجود، وهو أمر غير مستغرب من جانب الاحتلال في جميع حروبه ضد العرب منذ عام 1948م، حيث باتت توصم هجماته بالمباغتة والوحشية وأنها دائما ما تكون وبالاً على المدنيين الذين لا دخل لهم بالصراع، وكذلك محو الأخضر واليابس، وهذا ما تسبب بكارثة إنسانية غير مسبوقة وقابة للاتساع في غزة.
وفي الوقت الذي لا تبدو خلاله أية نهاية وشيكة للتوحش الجاري في غزة، تظل أصوات الغارات والقنابل التي تفجر أنهار الدماء هي سيدة الموقف، بينما الثمن يدفعه المدنيون العزل وحدهم منتظرين أي فجر للسلام للعيش بأمان على أرضهم، لكن حتى الهدنة الإنسانية التي يحاول العالم الغربي أن يحفظ بها ماء وجهه لم تلق أي احترام من الإسرائيليين الذين يطبقون سياسات الأرض المحروقة والتجويع والتعطيش والتهجير القسري ضد سكان القطاع، الأمر الذي يفاقم من الأزمة الإنسانية ويزيدها تعقيداً.
مخالفة القانون الدولي الإنساني في غزة، تكشف عن خواء وهشاشة إنسانية العالم، في حين تحولت وسال إعلام دول كبرى إلى حاضنة للتزييف ومسرحاً من التصنع لشرعنة قتل الأطفال والمدنيين الفلسطينيين، الأمر الذي كشف عن «عالم موازي» لا يعترف سوى بمصالح إدارته ويتحيز للأشرار حتى إذا كان ذلك على حساب براءة ودماء الأطفال، في مشهد يجسد ترجمان صادق لانفصام بشع ومرعب عن واقع مأساة لا تخطئها الأعين مثل مأساة غزة.