سلايدر

«حرب جديدة في إثيوبيا».. القصة الكاملة لإعلان قوات أمهرة الحرب على أديس أبابا

بعد أربعة أشهر من الشد والجذب بين الأطراف المحلية والحكومة الفيدرالية في أديس أبابا، اندلعت مواجهات مسلحة بين القوات الإثيوبية ومجموعات مسلحة في إقليم أمهرا الواقع في شمال البلاد على خلفية رفض المجموعات المسلحة في الإقليم قرارات اتخذتها الحكومة المركزية لتقنين أوضاع الميليشيات المسلحة من بينها نزع السلاح، وخروج المقاتلين من بعض المناطق.

ماذا يحدث في إقليم أمهرة؟

وفقا لما ذكرته وكالة رويترز للأنباء نقلا عن مصادر محلية وشهود عيان، فإن اشتباكات مسلحة وقعت يوم الأربعاء بين الجيش الإثيوبي ومقاتلين من ميليشيا “الفانو” المحلية، على خلفية رفض الفانو لإجراءات حكومية تتعلق بتقنين أوضاعها.

ووفقا للوكالة فإن الاشتباكات وقعت في عدة بلدات داخل أمهرة، تبادل خلالها مقاتلو فانو والقوات المركزية النار بالقرب من ديبري تابور يومي الثلاثاء والأربعاء، وفقا لما ذكره طبيب في مستشفى في البلدة وضابط شرطة لرويترز.

وقال الطبيب إن المستشفى استقبل ثلاثة أشخاص مصابين بجروح خطيرة و 10 مصابين بجروح طفيفة، بما في ذلك جروح ناجمة عن طلقات نارية وأسلحة ثقيلة، مشيرا إلى أن “القتال مستمر على مشارف المدينة ” مضيفا أن الطريق المؤدي إلى منطقة ديبري تابور مغلق.

ونقلت الوكالة عن سكان محليون قولهم إن قتالا عنيفا خارج المدن وقع في وقت مبكر من يوم الثلاثاء الماضي، وهدأت الأوضاع يوم الأربعاء لكن عادت المناوشات بين الحين والآخر.

لماذا اندلعت الاشتباكات في أمهرة؟

السبب الرئيسي لاندلاع الاشتباكت هو إعلان حكومة أبي أحمد في أديس أبابا دمج أفراد الأمن من مناطق إثيوبيا الـ 11 في الشرطة أو الجيش الوطني، وتضمن هذه القرارات ميليشيات الفانو التي لا تخضع لسلطات الحكومة المركزية بل تخضع لسلطات قبلية ومحلية.

وتقول الحكومة إنها ترغب في هيكلة القطاع الأمني وتريد أن تضم كافة المجموعات المسلحة تحت مظلة الدولة، وهو ما يرفضه السكان والمسلحين خوفا من بطش الحكومة وعدم قدرتهم على حماية أنفسهم مستقبلا.

ورفضا لهذه القرارات اندلعت مظاهرات عنيفة في جميع أنحاء أمهرة منذ أبريل الماضي، ووقتها أغلق المتظاهرون الطرق بالحجارة والإطارات المحترقة لمنع الجيش من التنقل.

ويخشى المحتجون من أن قرار الحكومة سيتركهم عرضة لهجمات المناطق المجاورة.
وتمتلك أقاليم إثيوبيا قواتها الخاصة لحماية حدودها ومحاربة المتمردين.

الحكومة الإثيوبية تهدد ميليشيا الفانو

وعطفا على ذلك قالت هيئة الإذاعة الإثيوبية المملوكة للدولة نقلا عن المتحدث باسم قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية الكولونيل جيتنيت عدن، إن القوات المسلحة الإثيوبية ستتخذ إجراءات صارمة ضد مجموعة الفانو بسبب “تعكير صفو السلام في البلاد”.

وفي المقابل تعهد رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد بأن حكومته ستمضى قدما في تنفيذ خطتها الرامية للإصلاح الأمني حتى لو “كان لا بد من دفع ثمن”.

الحكومة الإثيوبية تقطع الإنترنت عن أمهرة

وبسبب الاضطرابات المتكررة في الإقليم الواقع في شمال البلاد أقدمت الحكومة الفيدرالية على قطع خدمات الإنترنت الهوائية عن المنطقة ، حيث ذكر شهود عيان وتقارير إعلامية تعطل خدمة الإنترنت عبر الهاتف المحمول في مناطق أمهرة الإثيوبية منذ يوم الخميس الماضي.

وقال سكان محليون لوسائل إعلام إن الصراع اندلع بجهد عسكري من أديس أبابا لإجبار متمردي الفانو على الخروج من مواقع محددة.

وفي عاصمة أمهر بحر دار كشف السكان عن تخوفاتهم بعد انقطاع الإنترنت، منوهين لاحتمالية وقوع عمليات عنف من أحد طرافي الصراع ربما يقع خلالها انتهاكات بحق المدنيين.

فرض حظر تحوال في مدن أمهرة

وفي السياق ذاته أعلنت السلطات فرض حظر تجول جزئي في مدينة جوندار التاريخية، في حين تم الإبلاغ عن اشتباكات بين المتظاهرين والجيش في بلدة كوبي، بالقرب من الحدود مع منطقة تيجراي المجاورة.

حلفاء الأمس أعداء اليوم

الحرب التي اندلعت في أمهرة مؤخرا من المتوقع أن تكون بداية لأعمال عسكرية أخرى، خصوصا وأن القوات الأمهرية الرافضة لقرارات الحكومة اليوم كانت إحدى أدوات أبي أحمد لإخماد تمرد قوات إقليم تيجراي في 2020، حين اشتركت قوات الأمهرة مع القوات المركزية في حرب تيجراي.

ووقتها دعمت الفانو القوات الفيدرالية في الحرب الأهلية استمرت عامين في منطقة تيجراي، وهو ما يعني احتمالية اشتراك قوات من تيجراى في الحملة الحكومية الآن ثأرا من موقف الأمهريين السابق.
ما يعزز احتمالات توسع الأعمال العسكرية في المنطقة أن القوات الأمهرية استغلت حرب تيجراي واستولت على أراض خصبة مملوكة للإقليم المجاور، وهو قد يحرك التيجراي لاستعادة أراضيهم.

اعتقالات واسعة لمعارضي أبي أحمد

في العاصمة أديس أبابا، انطلقت حملة اعتقالات موسعة طالت صحفيين وناشطين حقوقيين ومناصرين لمجتمع الأمهرة خلال الأيام الأخيرة، كان من بينهم مسكيريم عبيرا، والذي يعد رابع شخصية إعلامية يتم احتجازها في أقل من أسبوع.

وفي وقت سابق قال نائب رئيس الوزراء الإثيوبي ديميكي ميكونين إن الوضع في إقليم أمهرة “أصبح مقلقا”، وهو اعتراف غير عادي بقضية الأمن الداخلي من قبل مسؤول كبير في الحكومة الفيدرالية.

وأضاف في منشور على صفحته على فيسبوك” “نحن في لحظة تاريخية يجب أن نفكر فيها في حقيقة أنه “إذا لم يكن لديك سلام فسوف تخسر كل شيء” ، داعيا إلى حوار سلمي.

وتنفي الحكومة أن يكون الغرض من قراراتها هو إضعاف الأمن المحلي في الأقاليم، وتقول إن الغرض هو تقنين السلاح، ومنع وقوع تمردات مسلحة في المستقبل، وهو ما ترفض المجموعات المسلحة خصوصا وأن الدستور الإثيوبي يسمح لكل إقليم بتكوين قواته الخاصة، وهو ما يرغب أبي أحمد في تفكيكه خوفا من تجدد الصراعات خصوصا في الأقاليم التي تطلع نخبتها الحاكمة للسلطة كما هو الحال مع أمهرة وتيجراي.

لماذا ترفض مليشيات الأمهرة نزع سلاحها؟

بسبب النزاعات التي اندلعت في الإقليم سابقا وفي أقاليم أخرى يخشى الأمهريون تسليم أسلحتهم، كما أن قطاعات واسعة من النخبة تتطلع إلى العودة للحكم مرة أخرى، خصوصا وأن إقليم أمهرة هو إقليم الأباطرة الإثيوبية وظل يحكم البلاد حتى سقوط لإمبراطور هيلا سلاسي عام 1974.

ووفقا لمراقبين فإن الأمهريين يخشون من اتخاذ الحكومة لقرارات مثل إعادة المناطق المتنازع عليها مع التيجراي إلى أيادى التيجريين خصوصا وأن هذه الأراضي كانت في حوزة تيجراي حتى وقت قريب.

وبسبب الاضطرابات المتكررة في البلاد تزداد المخاوف في أمهرة لتعرض أراض الإقليم لهجوم الميلشيات المعادية أو احتمالات اندلاع حروب أهلية جديدة سيكون عليهم وقتها حماية أنفسهم، وفي حالة نزع سلاح الفانو ودمجها في القوات النظامية يصبح اتخاذ قرار لحماية الإقليم أمر معقد، ويحتاج لاستئذان الحكومة المركزية أولا، والتي قد تكون طرفا في الصراع مستقبلا.

بالإضافة إلى ذلك يشعر كثير من الأمهريون بتراجع دورهم في البلاد، فبعد أن كانوا حكاما أصبحوا مجرد قوة عسكرية يستخدمهم من كانوا يحكمونه تاريخيا، كما يشكك الأمهريون في نزع سلاح قوات تيجراي بالكامل، على الرغم من اتفاق السلام الذي يتطلب منهم القيام بذلك، وهو ما يهدد الإقليم إذ أن هناك توترات تاريخية بين مجموعتي أمهرة وتيجراي العرقيتين ، حيث غالبا ما يتنافس الاثنان على السلطة والأرض والموارد.

الفانو يستولون على بلدات في أمهرة

أمام الحملة الحكومية لم تقف قوات ميليشيا الفانو مكتوفة الأيدي إذ تقول تقارير إعلامية إن إن القتال اندلع قبل عدة أيام عندما شنت قوة الدفاع الوطني الإثيوبية عملية لطرد مقاتلي فانو من بلدة كوبو ومناطق أخرى.

وتشير المعلومات إلى أن ميليشيات فانو استولت بعد ذلك على بلدة لاليبيلا المقدسة، التي تضم موقعا للتراث العالمي لليونسكو، وهي مقصد سياحي رئيسي حيث تضم مجموعة كبيرة من الكنائس المنحوتة في الصخور.

وبسبب هذه الأوضاع أصدرت السفارة الإسبانية في إثيوبيا تعليمات لمواطنيها في لاليبيلا بعدم مغادرة فنادقهم أو مساكنهم، جاء ذلك في رسالة على منصة التواصل الاجتماعي إكس، “تويتر سابقا”.

اغتيالات وفوضى أمنية

لم تتوقف عمليات الفانو على السيطرة على بعض مناطق البلاد، حيث أقدمت الميليشا المسلحة على تنفيذ بعض الجرائم التي صنفت على أنها “اغتيالات سياسية” كرسالة مباشرة وصريحة للحكومة برفض قراراتها، وكان من بين هذه الجرائم اغتيال رئيس فرع “حزب الازدهار” الإثيوبي الحاكم في إقليم الأمهرا، جرما شيطلا، وخمس من مرافقيه، في حاجث مروع وقع في 27 أبريل الماضي.

وعقب وقوع الحادث أدانت الحكومة الفيدرالية هذه الأعمال ووجهت تهمة الاغتيال السياسي إلى عناصر قيادية في ميليشيا “الفانو”.

ولم يقف الأمر على هذا الحد، بل تكرر الحادث بعد أسبوعين فقط وتحديدا في 13 مايو الماضي، إذ تعرض رئيس فرع الحزب الحاكم، في إقليم العفر، عمر لما، للاغتيال هو وعدد من أفراد عائلته، خلال عودتهم من العاصمة أديس أبابا إلى الإقليم.

وتشير أصابع الاتهام إلى أن ميليشيا الفانو هي المتورطة في الحادث أيضا إذ اعتبر مراقبون هذه المحاولات تأتي في سبيل إجبار الحكومة للتراجع عن قراراتها المتعلقة بالإصلاح الأمني.

وأمام هذه الحالة الأمنية المنفلتة طالبت حكومة إقليم أمهرة من السلطات الفيدرالية سرعة اتخاذ الإجراءات المناسبة، للتصدى للاشتباكات العنيفة التي اندلعت بين القوات النظامية والميليشيات والدفع بمزيد من قوات الجيش للإقليم للحيلولة دون اتساع رقعة المواجهات المسلحة.

ويمنح قرار فرض الطوارئ السلطات الإثيوبية المركزية إنشاء مركز قيادة حالة الطوارئ لتنفيذ الإعلان، وفق ما جاء في تصريح وزير العدل جدعون تموتوس، وسيترأس مركز القيادة المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني.

معلومات عن إقليم أمهرة

وإقليم أمهرة هو ثاني أكبر أقاليم البلاد، ويضم واحدة من أكبر العرقيات الإثيوبية والتى تحتوى على شعب أمهرة، ويتحدثون اللغة الأمهرية التي تعد أحد اللغات الرسمية في البلاد، كما أن المنطقة كانت في السباق تعرف باسم المنطقة الثالثة وعاصمتها مدينة بحر دار.

يقع إقليم أمهرة قرب أكبر بحيرة مائية في البلاد وهى بحيرة تانا، والتي هي مصدر مياه نهر النيل الأزرق، ويقطنه حوالي 31.13 مليون نسمة وفٌقًا لآخر إحصاء فى عام 2017، يدينون بالمسيحية الأرثوذكسية، وفقًا لتعداد عام 2007 ، فإن 82.5% من سكان منطقة أمهرة (أي 91.2% أمهرة) كانوا من الأرثوذكس الإثيوبيين؛ 17.2 % كانوا مسلمين ، و 0.2 % كانوا بروتستانت، ويعد عيد الفصح وعيد الغطاس أهم الاحتفالات التي تتميز بالخدمات والاحتفالات والرقص، هناك أيضًا العديد من أيام العيد على مدار العام ، عندما يتم تناول الخضروات أو السمك.

وتتألف حكومة إقليم أمهرة من السلطة التنفيذية برئاسة الرئيس، والسلطة التشريعية التي تضم مجلس الدولة ، والسلطة القضائية، التي تقودها المحكمة العليا في الولاية.

تحصل منطقة أمهرة على 80 % من إجمالي الأمطار في إثيوبيا وهي أكثر المناطق خصوبة في البلاد، ويصل تدفق النيل الأزرق إلى الحد الأقصى للحجم في موسم الأمطار (من يونيو إلى سبتمبر) عندما يوفر حوالي ثلثي مياه نهر النيل.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى