أخبار مصريةتحقيقات وحوارات

حين بكى القلب مع سورة يوسف.. وداعًا «سلطان القراء»

محمد عبدالمقصود

في لحظة لا تخلو من الأسى، خفت ذاك الصوت الذي طالما استقر في وجداننا منذ الصغر، لا كصوت فحسب، بل كأنفاس من الرحمة تسري مع آيات الله، الشيخ السيد سعيد الذي رحل عن عالمنا أمس السبت لم يكن مجرد قارئ، بل كان صاحب نبرة وحنجرة فيها من الحنين ما يكفي ليبكي الصخر، ومن السكينة ما يكفي ليطبطب على قلب يتصدع من الحزن، صوتًا كأنه دعاء أم، وحنان أب.

في زمن لم تكن فيه الوسائط الحديثة أو مواقع التواصل الاجتماعي قد فرضت سطوتها، كان صوت الشيخ يسكن أركان البيوت عبر شرائط الكاسيت، التي تباع في المحلات وعلى الأرصفة، فتجدها إلى جوار المصاحف والكتب الإسلامية، ثم امتد حضوره مع مرور السنين، ليصبح جزءًا من المشهد اليومي للناس البسطاء: في «الميكروباص» المتجه إلى العمل، في التاكسي العائد آخر الليل، في الدكاكين والمقاهي، كان صوته يحل حيث تعب الأرواح، ليمنحها طمأنينة خفية، كأنه قرآن يتنفس بيننا.

من سمع الشيخ يتلو سورة يوسف، لا يمكنه أن يسمعها بعده كما كانت لقد طبع هذه السورة بطابعه الوجداني، بصوته الرقراق، وتلاوته التي تحاكي تقلبات القصة من حزن إلى رجاء، ومن ألم إلى لقاء، صار اسمه قرينًا بسورة يوسف، كما يقترن المطر برائحة الأرض، كانت تلاوته مدرسة عاطفية، لا تُدرس في كتب التفسير، بل تُشعر في أعماق القلب.

لقّبه محبوه بـ «سلطان القراء»، ليس فقط لبراعته في التجويد، بل لقدرة صوته على أن ينصت له القلب قبل الأذن، كان الشيخ السيد سعيد مدرسة متفردة في الأداء القرآني، يجمع بين جمال الصوت وعمق الخشوع، في توازن نادر بين التقنية والإحساس.

لم يسع الشيخ إلى عدسات الكاميرا أو أضواء الاحتفالات، لكنه كان الحاضر الأوفى في المآتم، حيث الكلمة الطيبة تُعادل الدموع، وحيث التلاوة الصادقة تداوي الجراح، في تلك اللحظات، لم يكن الناس يريدون علماً ولا فصاحة، بل قلبًا يقرأ لهم القرآن كما لو كان يعانقهم، وكان الشيخ رحمه الله يعرف ذلك، فقرأ لا ليُبهر، بل ليواسي.

برحيله، قد طوى العالم الإسلامي صفحة من أجمل صفحات التلاوة التي رافقت أذانه الروحي لعقود وانطفأت شمعة من شمعات القرآن الشعبي، ذاك الذي عاش في الأزقة والميكروفونات، في البيوت، والمآتم التي ما زال يتردّد فيها صدى صوته إلى الآن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى