محمد ترك يكتب:”بين الضجيج وصوت العقل… من يصنع وعي الشباب في مصر؟”

بقلم محمد ترك
في زمنٍ أصبحت فيه الكلمة نارًا، والصوت قد يشعل وطنًا أو يطفئ فتنة، تظهر لنا على الساحة الإعلامية مفارقة كبيرة لا يمكن التغاضي عنها:
إعلاميون يرفعون سقف الإثارة حدّ التحريض، في مقابل شباب يزرعون الوعي بصبر وثقة.
يطل علينا بين الحين والآخر إعلامي شهير – أصبح حديث الناس مؤخرًا، ليس فقط لأنه يملك تاريخًا طويلاً في المهنة، ولكن لأنه أخذ منبره إلى نبرة ساخنة، فيها تسخين غير مبرر، قد يُفهم أحيانًا على أنه تحريض مبطّن ضد النظام.
هو لا يقولها صراحة، لكنه “يوحي”…
يوحي بأن هناك غليانًا، وأن النظام لا يسمع، وأن الشعب على وشك الانفجار.
فهل هذا هو الدور الحقيقي للإعلام في وقت تحتاج فيه مصر إلى التهدئة وبناء الوعي؟
هل المطلوب أن نحاكي انفعالات الشارع أم نحتويه بالفهم والتحليل؟
في الجهة الأخرى، هناك أصوات شابة، صادقة، وطنية، لا تملك منابر القنوات الفضائية، لكنها تملك المنطق والصدق واللغة التي تصل إلى قلوب الشباب…
نتحدث هنا عن أحمد صبري، أحمد مبارك، بلبل مصر، وغيرهم من شباب تحليلي واعٍ.
هؤلاء لا يُدافعون عن النظام تملقًا، ولا يبررون الأخطاء،
بل يُفسرون ما وراء القرارات، ويشرحون الأزمات بلغة بسيطة،
ويُقربون الشاب من وطنه… لا ليراه كاملاً، بل ليفهمه ويتفاعل معه.
يتحدثون بلغة جيلهم، يشرحون التعقيدات السياسية،
ويُقربون الفهم للناس، دون تطبيل… ودون تهويل.
هؤلاء لا يبحثون عن شو إعلامي، ولا يركبون موجة الغضب،
بل يركزون على الفهم، والربط، والتفسير،
ويُظهرون أن حب الوطن لا يعني التغاضي عن الأخطاء،
لكن لا يعني أبدًا أن نُحرض الناس وننسحب.
الفرق هنا واضح وبليغ:
الإعلامي الشهير يقول “الناس تعبانة” ثم يغلق الباب.
هؤلاء الشباب يقولون “أيوه، في وجع… بس تعال نفهم ليه، ونشوف نعمل إيه.”
من يتحمل مسؤولية تشكيل وعي الشارع؟
حين يستغل إعلامي واسع الانتشار منبره لخلق شعور عام بالانفجار الوشيك،
فهذا خطر لا يقل عن أي تهديد خارجي.
الإعلام في هذه اللحظة ليس مجرد صوت حر، بل مسؤولية وطنية.
فالحرية لا تعني إثارة الناس دون دليل،
ولا تعني تقديم الأزمة كأنها نهاية،
بل تعني أن نكشف الحقائق… ونرشد الطريق.
نحن لا ننكر أن هناك تحديات، ولا نخجل من الاعتراف أن بعض الملفات تحتاج إصلاحًا وتطهيرًا ومكاشفة.
لكن الأهم… ألا نُصبح وقودًا للغضب، في لحظة تتطلب حكمة،
وأن نختار بين إعلام يعلو بالوطن، وآخر يعلو على حسابه.
مصر تحتاج الآن إلى إعلام يبني، لا يهدم.
إلى منابر تقود بالوعي، لا تسوق الفوضى.
إلى شباب صادق… لا إلى نبرة الإثارة.
يشرح… لا يُشعل.
يعقلن الأمور… لا يُهوّلها.
يُعيد الثقة بين المواطن ودولته، لا يزرع الشكوك.
يُبني الوعي… لا يعبث بالمشاعر.
فلنُحسن الاختيار…
ولنُعطِ المايك لمن يستحق أن يوجّه العقل لا أن يثير الغريزة.