محمد ترك يكتب:. من أجل المال.. كيف باع البعض كرامتهم على أرصفة السوشيال ميديا؟

بقلم: محمد ترك
في زمن كانت فيه الكرامة والمبادئ خطًا أحمر لا يُمس، أصبحنا نرى اليوم ظواهر غريبة تسللت إلى حياتنا، وأعادت صياغة المفاهيم الإنسانية على مقاس “المكسب السريع”. لم يعد المال وسيلة للحياة الكريمة، بل صار الهدف الأوحد الذي من أجله تُكسر القيم وتُهدم البيوت، وتُباع العشرة قبل أن تُسدد الديون.
صار من المألوف أن ترى شبابًا وفتيات، يتزينون على منصات التواصل الاجتماعي، ليس بهدف الإبداع أو تقديم رسالة هادفة، بل لاستجداء الإعجابات والمتابعات التي تُترجم في النهاية إلى أموال. ولم يعد غريبًا أن يبتعد البعض عن أهله أو يتنكر لأقرب الناس إليه، بحثًا عن فرصة أو صفقة أو شهرة، ولو كانت على حساب سمعته وصورته أمام المجتمع.
التسول الإلكتروني، أو كما يسميه البعض “التسول العصري”، أصبح تجارة رائجة على السوشيال ميديا. لم يعد مقتصرًا على طلب المال بشكل مباشر، بل تطور ليأخذ أشكالًا خادعة: عروض وهمية، ترويج لمنتجات غير موجودة، أو حتى استغلال المآسي الإنسانية في مشاهد تمثيلية رخيصة لكسب التعاطف.
هذا المشهد المؤلم يعكس أزمة حقيقية في الرضا والقناعة. فحين يغيب الرضا من القلوب، يصبح كل شيء قابلًا للبيع: الأخلاق، المبادئ، وحتى الروابط الأسرية. لقد تحولت بعض الشاشات الصغيرة في أيدينا إلى أسواق مفتوحة، تُعرض فيها القيم على الأرصفة، وتُباع فيها الكرامة على شكل “لايك” و”شير”.
إن ما نعيشه اليوم لا يحتاج فقط إلى قوانين تُحاسب المحتالين أو تجرّم الابتزاز العاطفي على الإنترنت، بل يحتاج قبل ذلك إلى ثورة وعي حقيقية. وعي يذكرنا أن المال وسيلة، لا غاية، وأن العيش بكرامة أغلى من أي صفقة، وأن حب الأهل والأوفياء لا يُقاس بالأرباح بل بالمواقف.
ويبقى السؤال: هل نترك هذه الموجة تجرفنا جميعًا، أم نقف لنُعيد بناء منظومة قيم تحفظ للإنسان مكانته وكرامته، قبل أن نستيقظ على جيل يبيع نفسه قطعة قطعة في مزاد مفتوح؟