سلايدر

هل نجح« أدب الرواية» في إزاحة الشعر لتصبح هي «ديوان العرب»؟

آية سمير

كان يقال قديمًا أن الشعر هو ديوان العرب، لكن مع انتشار أدب الرواية حاليًا بكثرة، غزر انتاجها وتنوعت ألوانها، فبدأ يلوح في الأفاق بعض علامات الاستفهام حول حقيقة أمر ما، هل نجحت الرواية في ازاحة الشعر لتصبح هي ديوان العرب حقًا؟

هل أخذ أدب الرواية الريادة بين فنون الكتابة بالرغم ما يتعرض له من أراء هجومية للبعض متهمة إياه بأنه مضيعة للوقت ولا يستفيد من الرواية القارئ بشيء سوى الأمتاع والتسلية فقط دون فائدة.

ديوان العرب 

وفي هذا الصدد أعربت الكاتبة بدر رمضان ومديرة النشر عن رفضها هذا الهجوم والأراء قائلة: ليس صحيحًا أبدًا فالشعر والخواطر أحد الأعمدة الضليعة في الأدب العربي ومازال الشعر هو ديوان العرب، ولكن استعانة بعض الشعراء وتوجههم إلى اللهجة العامية في سرد أشعارهم، حتى يكون مناسب للغة الجيل الحالي لكن الأمر أصبح أكثر فوضوية وركاكة لا يمس للشعر بصلة، ولكن رغم هذا مازالت لغة الشعر والشعراء لها رونقها وبريقها في كل العصور.

وسأذكر رأيي في هذا الشأن عن طريق منشور لأحد رواد مواقع التواصل الاجتماعي يقول فيه:

دخلت إلى مكتبتي فتاة تسألني عن كتب عن أريتريا، فسألتها هل أنتِ من أريتريا؟ ..

فأومأت الفتاة بالإيجاب، فبادرتها متسائلاً: من أين..هل أسمرا؟ فضحكت الفتاة وهي تجيبه نعم هل تعرفها؟ فاستطرد حديثه بفضول قائلًا وهل تعرفين “تغرانية” (ملحوظة التغرانية هي إحدى اللغات الأفريقية السامية)

فأجابت الفتاة نافية وقالت: فقط بضعة كلمات، ثم استأنفت حديثها باستغراب قائلة: لكنك كيف تعرف كل هذه  المعلومات.

فابتسم الرجل وبدأ يشرح لها عن المعمار في اريتريا وأشكال المساجد في أسمرا والصراع القديم بين اريتريا وأثيوبيا، والثورة الاريترية واللاجئين.

قعدت اتكلم معاها عن المعمار في اريتريا وأشكال المساجد في أسمرا والصراع القديم بين اريتريا وأثيوبيا والثورة الاريترية واللاجئين بالسعودية والسودان .

الرواية العربية
الرواية العربية

بدت السعادة على وجه الفتاة بعدما وجدت شخص يعلم عن بلدها كل هذا.

فقال لها الرجل ليرضي فضولها ويذيل استغرابها:

 انا لم أقرأ أبدًا عن أريتريا، ولم أقم بزيارتها  وليس لي أصدقاء هناك.

ولكن كل ما في الأمر إنه وقعت بين يدي رواية ” سمراويت” لـ الكاتب الاريتيري حجي جابر فقمت قرأتها ..

هذا ما يفعله الأدب وخاصة أدب الرواية.. ينقلنا لبلاد أخرى لنرى ونشاهد إناس ولغات وديانات أخرى وصراعات مختلفة، ونحن ما زلنا بمقعدنا لم نبرحه وبين يدينا كتاب.

أشعار العرب

وفي صعيد أخر شاركت الشاعرة سارة فراج عن رأيها قائلة:”حين قال صاحب الصناعتين -أبو هلال العسكري- إن  “الشعر ديوان العرب” إنما قصد أن الشعر العربي هو سجل حمل لنا أخبار العرب ووقائعهم وحكمتهم وحتى عاداتهم وتقاليدهم وكل شيء عنهم.

فمثلًا أخبار العرب ووقائعهم تتجلى في شعر عنترة مثلًا

وحرب داحس والغبراء التي تناقلتها أشعار العرب وتحدث عنها زهير ابن أبي سلمى في معلقته ، بالإضافة إلى حكمة المتنبي و أبي تمام التي تتجلى في شعرهما، حتى إن الشعر حمل أخبار العرب الاجتماعية في شعر الصعاليك.

أما إذا حملنا قول أبي هلال العسكري على أنه يقصد أن الشعر هو الديوان اللغوي للغة -أي الجامع لمفردات اللغة- فهذه أيضًا حقيقة لا جدال فيها فبالنظر إلى المعاجم اللغوية نجد علماء اللغة عند تفسير معنى لفظ معين يستشهدون  بأحد شاهدين إما الشعر الجاهلي و إما القرآن الكريم.

ومن المأثور عن ابن العباس رضي الله عنهما أنه كان عندما يلتبس عليه معنى في القرآن الكريم يرده إلى الشعر العربي وقد ورد عنه أنه قال ” إذا خفِيَ عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعرِ، فإنّهُ ديوان العرب”

أدب الرواية

أما بالنسبة لأدب الرواية فلا يمكننا أن نعتبرها ديوانًا للعرب فهي لا تحمل بين طياتها أيًا من أخبارهم، هي في النهاية حكاية يمتزج فيها الخيال بالواقع وتعتمد أكثر ما تعتمد على مخيلة الروائيين و إن كان بعضها واقعيًّا لا ننكر ذلك.

ولا يمكنها أيضًا أن تكون مرجعًا لغويًا للمفردات العربية الفصيحة فنحن نرى الآن من يكتب الرواية بالعامية و من يعتبر الحوار العامي ضرورة فنية ثم إن مفردات الرواية ليست بجزالة مفردات الشعر الفصيح.

أما عن الرواية فهي جنس من الأجناس الأدبية التي لا غنى عنها وقد تكون مرآة للواقع.

ولقد رأينا الكثير من الأعمال الروائية التي كان لها دور إيجابي، مثل روايات نجيب محفوظ التي تم من خلالها تسليط الضوء على المهمشين في الحارة المصرية.

والكتابة السينمائية أيضًا من قبيل الرواية ولا يمكننا أن نغض الطرف عن أهميتها في تقويم المجتمع، فمثلًا قصة مثل “أريد حلًا” للكاتبة حسن شاه ساهمت في تعديل قانون الأسرة.

ورواية مثل “الأرض” للمفكر والأديب عبد الرحمن الشرقاوي، أظهرت مأساة الفلاح وأبرزت الظلم والفساد الذي حل بالأقاليم دون أن يعلم أحدٌ شيئًا عنه.

لكنّ ما يحدث الآن، وما نراه من واقع الرواية العربية يدعو للحزن في الحقيقة، فهناك قلة تتجه إلى الواقعية و قلة تخرج بأفكار خارج الصندوق والبقية الباقية كغثاء السيل.

هجوم غير مبرر

كما أضافت الكاتبة بسمة ناجي باستياء من مهاجمي أدب الرواية قائلة: رأي غير صحيح أو منهجي وهجوم غير مبرر، نعم الروايات تقدم للقارئ من خلال معايشة أحداثها الإمتاع لكن لن ننكر دورها في إيصال بعض المعلومات للقارئ بطريقة سهلة سلسة أبسط مما يقدمها الكتاب، حسب نوع الرواية والأفكار التي تناقشها سواء كانت تاريخية أو علمية أو أدبية، وحتى وإن كانت مجرد رواية تحوي خيال علمي وفنتازيا ممتعة فقد أيضًا تكسب القارئ بعض مفردات اللغة ليحصل القارئ بالنهاية علي حصيلة لغوية جيدة مع اعطاء قدرة ومساحة واسعة للعقل للتخيل

ربما قد تتضارب بعض الآراء وتتفق بعضها ولكن بالنهاية لكل فن من فنون الكتابة الإبداعية مكانة خاصة لدى محبيها وكاتبيها، لأنها كتابة يستعين بها الكاتب في وصف مشاعره وتجاربه بطريقة فريدة وأسلوب منمق خارج الصندوق، لكن السمة الوحيدة المرتبطة بين كل أنواع تلك الفنون هي الجاذبية والإبداع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى