تحقيقات وحواراتسلايدر

وجع على باب العيادة.. حين ماتت «الرحمة» قبل أن تموت السيدة (فيديو)

قنا- سمر أحمداني

لم تكن تدري أن خطواتها الأخيرة في الحياة ستتوقف عند عتبة باب مغلق، لا يغلقه قفل ولا باب خشبي، بل كلمة واحدة ثقيلة «لا».

على باب عيادة صغيرة في نجع الكتاتية بقرية جراجوس في مركز قوص جنوب قنا، توقفت أنفاس «زبيدة الهندي» امرأة مسنة كانت تحاول أن تتشبث ببقايا الأمل في علاج ربما يعيد إليها بعض العافية أو على الأقل يُخفف عنها ألم المرض الذي نهش جسدها الضعيف، تتكئ على ذراعي من أحبوها، تمشي بخطوات مهزوزة، لكنها كانت تمشي بقلب مليء بالأمل، حتى لو كان خافتًا ومتعبًا مثلها.

الفيديو القصير الذي اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي لم يكن مجرد لقطة عابرة، ولم يكن حدثًا عاديًا في زحام الأخبار اليومية، كان مشهدًا من الألم الخالص، صرخة مكتومة ومشهد لعائلة مفجوعة تقف أمام باب الحياة الذي لم يُفتح، دقائق قليلة كانت تفصل بين رجائها في الدخول وبين تسليم الروح لخالقها.

المأساة لم تكن في ضعف الإمكانيات الطبية داخل العيادة الصغيرة، ولم تكن في غياب أجهزة الإنعاش أو الطوارئ أو غرف العمليات، المأساة كانت أبسط وأقسى في آن واحد، كانت مأساة فقدان أبسط أشكال الرحمة في موقف لا يحتاج أكثر من كلمة ترحيب، نظرة حانية، ومحاولة للإنقاذ حتى لو كانت ضعيفة الأمل.

هذه اللحظة الصادمة تعيد طرح أسئلة أسئلة أكبر من الموقف نفسه: أين تبدأ حدود مهنة الطبيب وأين تنتهي؟ متى تحوّلت العلاقة بين المريض والطبيب من علاقة إنسانية قبل أن تكون طبية، إلى علاقة جافة تحكمها قوائم الانتظار والأسعار وجدول الحجوزات؟

الطبيب الذي رفض دخول السيدة تم إغلاق عيادته ويجلس الآن في مواجهة عدالة تحقيقات النيابة العامة التي تبحث عما إذا كان ارتكب تقصيرًا مهنيًا يستحق العقاب، أم أن الموقف خرج عن حدود قدرته كطبيب في عيادة خاصة تفتقر لأي تجهيزات للتعامل مع الحالات الطارئة. في المقابل، دخلت نقابة الأطباء على خط الأزمة، لتؤكد أن العيادات الخاصة ليست مصممة لاستقبال الحالات الحرجة، لكنها أيضًا لم تنفِ أن هناك جزءًا من الحكاية متعلق بالضمير والرحمة، وأنها لن تتردد في محاسبة الطبيب إذا ثبت عليه خطأ مهني أو إنساني.

لكن في وسط كل هذا الضجيج القانوني والتصريحات الرسمية، هناك مشهد بسيط يظل عالقًا في الأذهان، نظرات الابنة التي كانت تمسك بيد والدتها وهي تحاول أن تستجدي الطبيب، ليس بوصفه طبيبًا فحسب، بل بوصفه إنسانًا يستطيع بكلمة واحدة أن يعطي والدتها فرصة – حتى لو ضعيفة – لتنجو.

القضية الآن مفتوحة أمام التحقيقات، وربما تُغلق لاحقًا بورقة رسمية أو حكم قضائي، لكن السؤال الأكبر سيظل بلا إجابة: «متى أصبحنا نحسب الإنسانية بالحسابات الطبية؟» وسيظل الصوت الذي لا يسمعه إلا أصحاب الضمائر الحية يتردد في الخلفية: «لو كانت أمك.. هل كنت ستفعل الشيء نفسه؟».

شاهد الفيديو

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى