أول سيدة بالإسماعيلية تحمل السلاح .. قصة الفدائية آمنة دهشان

نورهان جمال
في قلب الإسماعيلية، تلك المدينة التي عاشت صفحات مضيئة من تاريخ الكفاح ضد الاحتلال البريطاني، بزغ اسم سيدة استثنائية كتبت بدمائها وعرقها سطورًا لا تُمحى من الذاكرة الوطنية. إنها آمنة محمد منصور دهشان، المولودة عام 1925 بقرية نفيشة، والتي عُرفت لاحقًا كأول امرأة في الإسماعيلية تحمل السلاح وتنخرط في العمل الفدائي.
قال المؤرخ أحمد فيصل ، أن آمنة تنتمي إلى عائلة “أبو دهشان”، إحدى العائلات العريقة ذات الأصول الممتدة إلى قبيلة مزينة. نشأت في بيئة ريفية أصيلة، عُرفت بالصلابة والكرامة، الأمر الذي صاغ شخصيتها المتمردة على الظلم والمستعدة دومًا للتضحية. لم تكن كسائر نساء عصرها؛ فسرعان ما نالت أول رخصة سلاح ممنوحة لامرأة في الإسماعيلية، مبررةً ذلك بحاجتها للدفاع عن الأرض والزراعة والمواشي. لكن القدر كان يُهيئها لدور أعظم بكثير.
مع اشتعال شرارة المقاومة ضد قوات الاحتلال البريطاني عام 1951، انخرطت آمنة في العمل الفدائي، متحدية الحصار ونقاط التفتيش. كانت تُخفي الأسلحة بين عربات الخضار أو داخل ملابسها، تمرّ من أمام أعين الجنود لتسلمها إلى رجال المقاومة. لم يكن قلبها يعرف الخوف، بل امتلأ بإصرار لا ينكسر. ومع رفيقتها “أم رضوان” نفذت عمليات جريئة، من بينها خطف جنود بريطانيين، والمشاركة في مواجهات مباشرة مع قوات الاحتلال.
دور آمنة دهشان في المقاومة
ولم يقتصر دورها على القتال فقط، بل امتد ليشمل إخفاء الفدائيين بعد تنفيذهم للعمليات، مستخدمة مزارع أسرتها في نفيشة كمخابئ آمنة، فتجسدت فيها روح الأم الحامية والمرأة المقاتلة معًا.
جاءت نكسة 1967 لتختبر صمودها من جديد، لكنها رفضت التهجير وتمسكت بالبقاء على أرضها، مستقبلة الجنود العائدين من الجبهة ومساندة الجيش في أحلك الظروف. ومع حرب أكتوبر وأحداث الثغرة، واصلت تقديم الدعم، لتظل شاهدًا حيًا على مراحل النضال الوطني حتى آخر سنوات عمرها.
لم يكن عطاؤها وطنيًا فقط، بل شعبيًا وسياسيًا أيضًا، حتى تحولت إلى رمز وملهمة. وقد وثّقت سيرتها في كتاب “الإسماعيلية الناس والمكان”، لتدرج وزارة التربية والتعليم جزءًا منها ضمن منهج اللغة العربية للصف الثاني الإعدادي، فتغدو أول سيدة من الإسماعيلية يُدرج اسمها في المناهج التعليمية كنموذج يُحتذى به.
رحلت الحاجة آمنة دهشان، لكن قصتها ستبقى حيّة، تُروى كإحدى الحكايات التي تجسد بطولة المرأة المصرية وصلابتها، وتؤكد أن الحرية والاستقلال كُتبا بدماء الرجال والنساء على حد سواء.