تحقيقات وحوارات

هل تهدم تأشيرة H-1B العلاقات بين الهند والولايات المتحدة؟

فرضت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب واقعاً جديداً في ملف الهجرة والعمالة الماهرة، بعدما أعلنت بشكل مفاجئ عن رفع رسوم طلبات تأشيرة العمل H-1B إلى 100 ألف دولار، في خطوة غير مسبوقة قلبت التوازنات التي اعتادت عليها الشركات الأميركية والعمال الأجانب لعقود، وأثارت جدلاً واسعاً حول مستقبل واحد من أكثر البرامج تأثيراً في سوق العمل الأميركية والعلاقات الاقتصادية الدولية.

أشعل القرار حالة ارتباك في الداخل الأميركي كما في الخارج، إذ وجدت الشركات التكنولوجية والمالية نفسها أمام معادلة صعبة بين الحاجة إلى الكفاءات الأجنبية وبين التكلفة الباهظة لتوظيفها. وبالنسبة للعمال، خصوصاً من الهند التي تشكل أكبر مصدر لحاملي هذه التأشيرة، بدا الأمر بمثابة صدمة تهدد مسارات مهنية وحياتية بنيت عبر سنوات طويلة.

أعاد هذا التحول الملف إلى قلب النقاش السياسي والاقتصادي بين واشنطن ونيودلهي. فالهند التي طالما رأت في برنامج H-1B جسراً إلى “الحلم الأميركي” وجدت نفسها أمام قيود قد تضعف حضورها في السوق الأميركية، وتؤثر على تحويلات مالية ضخمة يعتمد عليها الاقتصاد المحلي. كما أن الرسالة السياسية التي يحملها القرار لا تنفصل عن أجواء الحرب التجارية والضغوط المتزايدة في العلاقات الثنائية.

تفتح هذه التطورات الباب أمام تداعيات أوسع تمتد من غرف التفاوض بين الحكومات إلى قاعات البورصات العالمية. فهي تتعلق بمستقبل العمالة الأجنبية في أميركا، وأيضاً بمسار المنافسة التكنولوجية، واستقرار التحالفات الاقتصادية، والتوازنات الدبلوماسية بين بلدين تربطهما مصالح متشابكة ومعقدة.

تأثر الهنود

تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”، يشير إلى أن “تأشيرة H-1B كانت قد جيلاً من المهنيين الهنود للمشاركة في الحلم الأميركي. لكن رسوماً قدرها 100 ألف دولار أجبرت على إعادة النظر في هذا المسار”.

  • بحلول العام 2024، كان هناك أكثر من 300 ألف هندي يعملون في الولايات المتحدة بتأشيرة H-1B. وشكّلوا، مع أزواجهم وأطفالهم، حوالي عُشر إجمالي الأميركيين من أصل هندي المقيمين في البلاد بشكل قانوني.
  • وربما يعود الفضل في حصول ملايين الأميركيين من أصل هندي، بمن فيهم الكثير ممن يعيشون في الهند، على جنسيتهم الأميركية إلى استخدامهم أو استخدام آبائهم لهذا البرنامج.

ووفق التقرير، لا أحد يستطيع حتى الآن تقييم الآثار الكاملة للرسوم. فيما هدأ الذعر الأولي بين حاملي التأشيرات الحاليين بعد أن أوضحت إدارة ترامب أن القواعد الجديدة ستُطبق فقط على المتقدمين الجدد.

ولكن ليس هناك شك في أن ترامب، من خلال زيادة تكلفة توظيف العمال الهنود بنحو 20 إلى 30 مرة بالنسبة للشركات الأميركية، قد فتح طريقا شائكاً بين البلدين.

وقد تؤثر هذه الخطوة سلباً على الاقتصاد الهندي من خلال تقليل عدد حاملي تأشيرة H1-B الذين يرسلون أموالاً إلى وطنهم، وعلى المدى الطويل، من خلال إضعاف العلاقات بين الشركات الهندية والأميركية.

ونقل التقرير عن ألكسندر سلاتر، المدير الإداري لشركة كابستون، وهي شركة عالمية للتنبؤات واستراتيجيات الأعمال في واشنطن، قوله:

  • “تتيح هذه التأشيرات للهنود فرصةً كبيرةً للتعرف إلى الولايات المتحدة وثقافتها المهنية وقوتها الناعمة”.
  • “إذا كانت نتيجة هذا التغيير في السياسة انخفاض عدد الهنود الذين يعملون مع الأميركيين، فسيؤدي ذلك إلى إضعاف الروابط القوية بين البلدين”.

وبالنسبة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي أصابته بالفعل الصدمة من الحرب التجارية التي يشنها ترامب، فإن هذا يشكل تحولا آخر مثيرا للصداع في العلاقة المضطربة مع الولايات المتحدة.

ضغوط إضافية

من جانبه، يوضح رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets جو يرق لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن لتأشيرة H1B  تأثيراً مباشراً على العلاقات بين الولايات المتحدة والهند؛ إذ يشير إلى أن الكثير من الكفاءات الهندية الماهرة تتجه إلى الولايات المتحدة للعمل في مجالات التكنولوجيا، والاستشارات، والصناعات الدوائية. ويؤكد أن هذا القرار يضع ضغوطاً إضافية على العلاقات بين واشنطن ونيودلهي، خاصة في ظل الرسوم الجمركية المرتفعة والعقوبات المرتبطة باستيراد النفط الروسي.

ويضيف أن سياسات الإدارة الأميركية ، إلى جانب الانفتاح الروسي–الهندي–الصيني، قد تسهم في تعقيد العلاقة بين الطرفين، مما قد يؤدي إلى انعكاسات سلبية. ومع ذلك، يؤكد أن التأثير المباشر على المستوى التجاري والاقتصادي قد يكون محدوداً؛ نظراً لوجود دعم قوي للصناعات المحلية الأميركية.

ويشير أيضاً إلى أن الكفاءات الهندية، خصوصاً في قطاع التكنولوجيا والقطاع المالي والاستشاري، ستكون الأكثر تأثراً بهذه الإجراءات، ما قد ينعكس على فرصها في سوق العمل الأميركية. ويختم حديثه بالتأكيد على أن هذا الملف سيبقى حاضرًا بقوة في أي مفاوضات مستقبلية بين البلدين.

وكان تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” قد ذكر أن:

  • تغييرات نظام تأشيرة H-1B قد تُفيد بعض العمال الأميركيين.
  • لكن خبراء الاقتصاد يقولون إن فقدان المواهب الأجنبية قد يُضعف سوق العمل بشكل عام، ويُحوّل الإنتاج إلى الخارج.

ذعر في الهند

ويشكل المواطنون الهنود أكثر من 70 بالمئة من حاملي تأشيرة H-1B في الولايات المتحدة.

ونقل تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية عن  رئيس قسم الأبحاث الرئيسية في شركة HDFC  للأوراق المالية في مومباي، ديفارش فاكيل، قوله: “أثارت هذه الزيادة المفاجئة في الرسوم حالة من الارتباك والذعر بين شركات التكنولوجيا والعاملين الدوليين.. سترتفع تكاليف نشر المتخصصين الهنود في مواقع العملاء الأميركيين لتنفيذ مشاريع جديدة، مما يجعل المهام الميدانية أقل جدوى من الناحية المالية للعديد من الشركات”.

ويجادل منتقدو البرنامج، بمن فيهم ترامب، بأن تأشيرات H-1B تسمح لشركات التكنولوجيا بتقويض العمال الأميركيين من خلال توظيف موظفين هنود بأجور أقل. ويرى آخرون مؤيدون للتأشيرات، مثل رئيس شركة تسلا ومانح ترامب إيلون ماسك، أن هذه التأشيرات تدعم هيمنة التكنولوجيا الأميركية.

انعكاسات واسعة

من جانبه، يقول رئيس قسم الأسواق المالية في شركة FXPro، ميشال صليبي، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن:

  • قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب برفع الرسوم على تأشيرات العمل H-1B سيترك انعكاسات واسعة على العلاقات الأميركية – الهندية؛ سواء من الناحية الاقتصادية أو الدبلوماسية أو حتى الاجتماعية.
  • ارتفاع تكلفة الحصول على هذه التأشيرة قد يدفع العديد من الشركات إلى التراجع عن توظيف مهنيين وتقنيين من الهند، ما سيؤثر سلباً على قطاعات التكنولوجيا هناك، خصوصاً مع اعتماد الكثير من الشركات الهندية على إرسال المهندسين والمتخصصين إلى الولايات المتحدة.
  • هذا القرار قد يؤدي إلى تحويل جزء من التوظيف إلى الداخل الأميركي أو إلى الاستثمار في مراكز تكنولوجية داخل الهند، وهو ما سينعكس على أرباح بعض الشركات المدرجة في البورصات الهندية.

ويشير إلى أن البعد الدبلوماسي للقرار لا يقل أهمية عن تأثيراته الاقتصادية؛ إذ قد يُنظر إليه في الهند باعتباره تعبيراً عن تخوف أميركي من صعود الكفاءات الهندية، ما قد يثير توترات في الحوار السياسي بين البلدين، خاصة مع تزايد وضوح تداعياته بمرور الوقت.

ويلفت صليبي إلى أن “القرار يعقد حياة آلاف المهنيين وأسرهم الذين يعتمدون على استقرار أوضاعهم القانونية في الولايات المتحدة”، وهو ما يثير أبعادًا اجتماعية وإنسانية تتعلق بالاستقرار الأسري والتنقل المهني.

ويختتم حديثه بالقول إن “الهند قد تلجأ استراتيجياً لتعزيز التدريب المحلي والاستثمار في مراكز التميز والخدمات التقنية ومراكز القدرات العالمية، بهدف استيعاب الكفاءات داخلياً وتوفير بدائل تقلل من الحاجة إلى الهجرة، وبالتالي الحد من تأثير القرار على نمو قطاع التكنولوجيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى