التيك توك والبلوجر| صناعة أوهام تُغري الصغار وتُهدد تماسك الأسرة.. والشباب سجناء ينظرون للعالم من خلف الشاشات

أصبح عالم السوشيال ميديا، في عصرنا الحالي بوابة نعبر من خلالها لعالم افتراضي مزيف يتصنع فيه الجميع بأنه الأفضل ويحاول إظهار نمط حياة مثالية أمام المشاهدين خلف شاشات هواتفهم والذين أصبحوا كالسجناء ينظرون للعالم من خلف الشاشات دون استخدام عقولهم للفكر والتمييز، ما بين إذا كان المحتوى الذي يشاهدونه حقيقيا أم لا.
وتسببت صورة الحياة المثالية التي يدعيها بعض البلوجرات في إصابة العديد بحالة من عدم الرضا والسخط على حياتهم، وشعورهم بأنها حياة فاشلة وأقل من الحياة المثالية غير الواقعية التي صدرها البلوجرات للمشاهدين.
وباتت حياة البلوجرات في عصر السوشيال ميديا محط أنظار الملايين من المتابعين، حيث يسعون جاهدين لإظهار صورة مثالية مليئة بالرفاهية إلا أن هذه الصورة في كثير من الأحيان لا تعكس الواقع الحقيقي، بل تُبنى على الوهم والمبالغة بهدف جذب الانتباه وتحقيق الشهرة، ومع تكرار مشاهدة هذا النمط من الحياة، يتأثر المتابعون خاصة المراهقين، فيسعون لتقليد هذه الصورة المصطنعة، مما يخلق فجوة بين واقعهم الحقيقي، ولكن إلى أي مدى وصل تأثير البلوجرز على تفكير وعقول شبابنا؟، وهل توقف الأمر عند التأثير على نمط تفكيرهم فقط أم امتد إلى إصابتهم باضطرابات نفسية؟، في حقيقة الأمر أن هذه الظاهرة امتدت للتأثير بشكل واضح على مجتمعنا وقيمه وتماسكه، ولكن إلى أين وصل تأثير ظاهرة البلوجرز التي انتشرت مثل السرطان على مجتمعنا؟.
وفي هذا التحقيق تناولنا الحديث عن المشكلات النفسية والاجتماعية التي يتعرض لها المتابعين وخاصة الشباب والمراهقين، واستعنا بآراء متخصصين واستشاريين في مجالي علم النفس والاجتماع، وطرحنا عليهم بعض الأسئلة كالتالي:
كيف تؤثر حياة البلوجر الوهمية على عقول المراهقين ومستقبلهم وانحراف تفكيرهم نحو الطرق المختصرة للنجاح مثل البحث عن الشهرة؟
قال الدكتور إبراهيم عبد الرشيد، استشاري التحليل النفسي، إن ما نعاصره الآن من بث محتوى غير هادف من قبل البلوجرات أو صانعي المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي أو تطببق تيك توك، ما هو إلا مخطط لتدمير الشخصية المصرية، ومحاولة نشر شعور الإحباط لكل إنسان يسعى جاهدًا نحو تحقيق النجاح الحقيقي.
وأكد استشاري التحليل النفسي، أن بث شعور الإحباط للشباب والمراهقين بالأخص يتم عن طريق هؤلاء البلوجرات الذين يصدرون فكرة النجاح عن طريق الفشل وتحقيق الشهرة من اللا شيئ، مؤكدًا أن هذا يتسبب في شعور الشاب الناجح بالإحباط لتحقيقه إنجازات وحصوله على العديد من الشهادات دون الحصول على المكانة التي حصل عليها هؤلاء البلوجرات دون بذل أدنى جهد منهم.
وأشار إلى أن البلوجرات عملوا على تصدير الشهرة لكونها شرط أساسي لتحقيق الأرباح المالية والنجاح والتقدير بين الأشخاص في المجتمع، حتى وأن كانوا يبثون محتويات غير هادفة وغير مفيدة للمشاهدين، لافتًا إلى أن الشخصيات التي تُصدر الفشل هي شخصيات هستيرية غير سوية تبحث عن الأضواء فقط ولفت الأنظار.
وأوضح الدكتور إبراهيم عبد الرشيد، أن تطبيق تيك توك كان الملجأ الوحيد لتلك الشخصيات الهستيرية للتنفيس عن الأهداف النفسية الخفية لشخصياتهم، موضحًا أن من أبرز صفات الشخصيات الهستيرية هي السيطرة على الآخرين إما بالأفكار والمعتقدات أو أي شيء آخر.
وأضاف أن بعض الشخصيات الهستيرية يدعون الجنون لتحقيق رغباتهم وأهدافهم كما شاهدنا خلال الفترة الماضية عبر فيديوهات تيك توك، لافتًا إلى أن هناك شخصيات أدعت صفات غير حقيقية بهدف تحقيق أعلى نسبة من المشاهدات وجني الأرباح.
تأثير حياة البلوجر المثالية على الشباب والمراهقين وعلاقتها بإصابتهم بالصدمة والاضرابات النفسية؟
وأشار عبد الرشيد، إلى أن البلوجرات يخلقون صورة غير واقعية للحياة ويعرضونها للمشاهد على أن هذا هو النمط المفترض للحياة، ما يؤثر بالسلب على حياة المشاهدين والمتابعين ومن بينهم الأطفال، مؤكدًا أن تأثير تلك الأوهام يكون قويًا على عقول النشء وتكوين شخصياتهم، ما يجعلهم متمردين لمحاولة إثبات وجودهم.
وأكد أن تأثير نمط حياة البلوجرات ساهم في تمرد الشباب والصغار واتجاههم نحو التقليد باعتبار أن هذا هو مقياس النجاح الوحيد، مؤكدًا أن البلوجرات يتسببون في إصابة النشء بالتردد والحيرة في الاختيار بين طرق النجاح السريعة أو الحقيقية.
ولفت إلى أن نماذج الشباب الناجح المفكر والمبتكر أصبحت نادرة في عصر السوشيال ميديا، وذلك يعود لترسيخ صانعي المحتوي فكرة الثراء السريع في عقول الشباب والمراهقين.
ما هي الاضطرابات النفسية التي من الممكن أن تصيب المراهقين نتيجة إدمانهم للسوشيال ميديا؟
وأوضح استشاري التحليل النفسي، أن المُشاهد من الممكن أن يصاب ببعض الاضطرابات النفسية مثل القلق والأكتئاب بسبب المقارنة المستمرة بين نمط حياته وحياة البلوجرات، وشعوره بالنقص أو الفشل، وكذلك الشعور بالوحدة، لافتًا إلى أنه من الممكن أيضا أن يصاب الشباب بضعف تقدير الذات نتيجة المقارنة بالصورة المعدلة والمثالية للمؤثرين.
وأردف أن بعض المؤثرين الذين يمتلكون معايير جمال مختلفة ويحاولون إظهارها للمشاهدين، مما يتسبب في إصابة بعض المشاهدين بالسخط، ومثال على ذلك بلوجر يدعى ش. م، مشيرًا إلى أن تسليط الضوء على هذا الشخص دفع بعض السيدات للسخط على أزواجهم لعدم امتلاكهم معايير الجمال والجاذبية التي يمتلكها ذلك الشخص.
كيف ترى تأثير حملة وزارة الداخلية في القبض على البلوجرات أصحاب المحتوى الغير هادف وتأثيره على متابعيهم؟
وأكد أن حملة وزارة الداخلية التي شنتها لضبط عدد من البلوجرات أصحاب المحتويات غير الهادفة لتعديهم على القيم الأسرية المصرية وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، لها تأثير إيجابي كبير ظهر في تراجع المهوسيين بالبلوجرات وحياتهم، وإدراكهم أن التيك توك ليس منصة مفتوحة لبث المحتويات الهادمة للقيم المجتمعية والأسرية دون رقابة.
وأشاد بجهود وزارة الداخلية خلال الفترة الأخيرة في ضبط المُسيئين لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لافتًا إلى أن الوزارة تحمل على عاتقها الكثير من المتاعب لتحقيق الانضباط بين المواطنين والحفاظ على القيم والمجتمعات الأسرية.
وقال الدكتور علي سالم، أستاذ علم النفس الاجتماعي المساعد بكلية الآداب جامعة حلوان، إن تطبيق تيك توك له مخاطر كارثية على المجتمع المصري وتماسك النسيج الاجتماعي، وإعادة ترتيب أولويات سلم القيم في المجتمع.
وأضاف أن الغرب أدركوا خطورة التيك توك وبدأت بعض الدول في حظر هذا التطبيق، لافتًا إلى أن هناك عددًا من الدول العربية التي أعادت السياسات الخاصة بهذا التطبيق والفيديوهات المسموح بنشرها عليه.
كيف اثر تطبيق التيك توك على القيم الاجتماعية في المجتمع المصري؟
وأوضح أن هناك بعض الشباب أصبح لديهم هوس بالشهرة والرغبة في كسب المال دون النظر إلى مصدره، والتيك توك وفر طرق سيئة وكارثية لتحقيق مكاسب مالية على حساب بعض المبادئ الراسخة، مثل تماسك الأسرة واستقرار المجتمع والقيم الأخلاقية.
وعلق: دلوقتي بقى أي حد بيصور أي حاجة وينزلها على تيك توك، اللي بيصور زوجته وهي في المطبخ واللي بتصور والدها وهي بتشتمه، كل دي كوارث موجودة للأسف على تيك توك.
وأردف أن تيك توك صدر لنا بعض المؤثرين أو الشخصيات التي قد تبدو في ظاهر الأمر أنها ناجحة، ولكنها ما إلا غطاء لكم هائل من الفساد وغسيل الأموال وانحدار القيم والأخلاق، كما أن هذا التطبيق صدر لنا مشاكل كارثية ومنها بعض النماذج التي تمارس أعمالًا منافية للآداب على أنها شخصيات مؤثرة وشهيرة.
وضرب مثالًا على هذا الأمر بإحدى التيك توكرز التي تم تسريب فيديو خارج لها عبر السوشيال ميديا، حيث أنها تباهت بهذا الأمر وخرجت للسيطرة على حديث الرأي العام لمدة نحو أسبوعين، قائلًا: هذا الأمر كارثي وبيوصل رسائل كارثية للشباب.
واختتم الدكتور علي سالم بأن الشباب أصبح لديهم مجموعة من القيم المختلة، معلقًا: الشباب بقوا يفكروا إن أهم حاجة يكون معاهم فلوس بغض النظر عن الطريقة اللي بيتحصلوا منها على الفلوس دي، ودي كلها أمور كارثية توضح قد إيه التيك توك أفسد الحياة الأسرية وتماسك المجتمع.
كما تطرقنا للحديث مع عدد من الأمهات للأخذ بأرائهن من منظور أرض الواقع، وسؤالهن عن مدى تأثير أسلوب حياة البلوجرز على الأبناء وهوسهم بتقليدها؟
قالت السيدة ن. ي والدة صبي عمره 10 أعوام، إن احتياجات وطلبات نجلها زادت بعد متابعة حياة البلوجرز، وأصبح يريد أن يرتدي مثلهم ويذهب لنفس الأماكن التي يقصدوها.
وأضافت السيدة ل. ت، والدة فتاة عمرها 13 عامًا، أن تفكير أبنتها تأثر كثيرًا بعد متابعتها للبلوجرز ومع مرور الوقت أصبحت تتمسك باتباع أسلوبهم أكثر فأكثر.
هل يشعر أبنائك بالغضب بسبب عدم توفير نمط حياة مماثل لحياة البلوجرز؟ وكيف تتعاملين مع الأمر؟
أوضحت السيدة ن. ي، أن نجلها في البداية كان يشعر بالغضب لعدم قدرتها على توفير احتياجاته، ولكن مع مرور الوقت حاولت إقناعه أن هذه ما إلا حياة مزيفة، وكل شخص له أسلوب حياة مختلف عن الآخر.
فيما أشارت السيدة ل. ت، أن أبنتها تغضب كثيرًا ويصل الأمر لحد البكاء بسبب رفضها تلبية احتياجاتها المماثلة لحياة البلوجرز.
الأنانية أصبحت من صفات أبنائك بعد إدمانهم للسوشيال ميديا وحياة البلوجرز؟
قالت السيدة ن. ي: بالفعل أصبح نجلي أنانيًا بشكل كبير وأحاول أن أتعامل معه، ولكن بلا شك فإن السوشيال ميديا سببًا قويًا لظهور الأنانية في شخصيات أبنائها.
بينما أوضحت السيدة ل. ت، أنها حاولت بقدر الإمكان أن تسيطر على أبنتها في هذا الأمر، بمعنى أنها أصبحت أنانية ولكن ليست بنسبة كبيرة.
ما هي آراء أبنائك بعد حملة وزارة الداخلية بشأن القبض على التيك توكرز؟
أشارت السيدة ن. ي، إلى أن نجلها رأى أن البلوجرز يستحقون هذا الأمر، خاصة أنه بدأ يقتنع بأنهم اتبعوا سلوك خاطئ كان سببًا فيما وصلوا إليه.
وأوضحت السيدة ل. ت، أن أبنتها شعرت بالشفقة في بداية الأمر ناحية البلوجرز والتيك توكرز، ولكنها حاولت إقناعها أنهم سلكوا طريقًا خاطئًا.
هل هذه الحملة غيّرت من تفكير أبنائك نحو السوشيال ميديا؟ وكيف؟
قالت السيدة ن، ي: بالطبع غيّرت الحملة من تفكير نجلي، خاصة أنها كان يتمنى أن يصبح مشهورًا مثلهم، واقتنع أيضًا بتغيير نظرته للسوشيال ميديا وتركيزه أكثر على دراسته.
وأكدت السيدة ل. ت، على هذه النقطة أيضًا، فرغم شعور ابنتها في البداية بالشفقة تجاه البلوجرز، إلا أنها بدأت تقتنع أنهم يستحقون هذا الأمر ورأت الأمور على حقيقتها.
برأيك تأثير السوشيال ميديا على أبنائك هو مجرد مرحلة انتقالية أم سيستمر معهم؟
اختتمت السيدة ن. ي حديثها للقاهرة 24، بأنها ترى أن الهوس بالسوشيال ميديا ما هي إلا فترة وستمضي، معلقة: أعتقد هي فترة زي أي حاجة طلعت فترة وانبهرنا بيها زمان.
كما أوضحت السيدة ل. ت أنها تتمنى ألا يزداد تأثير السوشيال ميديا على أبنائها مع تقدمهم في العمر، خاصة أنها تشغل حيزًا كبيرًا من تفكيرهم.
والجدير بالذكر، أن السينما والدراما المصرية أيضا أهتمت بهذه القضية التي أصبحت حديث العصر الحالي، وتحدثت عنها وعرضت نماذج مختلفة من جوانب غير مرئية للمتابعين والمشاهدين؛ لتحذيرهم من الانسياق وراء التريند دون النظر للعواقب الوخيمة التابعة له، والعقوبات القانونية التي من الممكن أن يقعوا فيها دون قصد، وأبرز الأمثلة على ذلك فيلم ريسترت بطولة الفنان تامر حسني والفنانة هنا الزاهد، وفيلم بضع ساعات من يوم ما بطولة الفنانة هنا الزاهد والفنان هشام ماجد، ومي عمر وأحمد السعدني، ومسلسل ما تراه ليس كما يبدو “حدوته الوكيل”، والتي دارت أحداثهم بين الواقع والعالم الافتراضي، لإظهار حقيقة الأمر وأن ما يظهر لنا على السوشيال ميديا قد لا يكون الحقيقة كاملة، فالظاهر يختلف كثيرًا عن الباطن.
وفي النهاية، يمكن القول إن حياة البلوجرات الوهمية ما هي إلا انعكاس لعالم مزيف يسعى فيه البعض وراء الشهرة والمال على حساب القيم والمصداقية، وعلى الرغم مما تحمله من بريق خارجي يخطف الأنظار، إلا أنها تترك أثرًا سلبيًا عميقًا في نفوس المشاهدين، خاصة الشباب الذين قد يقارنون أنفسهم بهذه الصورة غير الحقيقية، ولكن هل من الممكن في المستقبل أن يزداد تأثير البلوجرز على عقول شبابنا وهوسهم بالتريند ويصبحون أسرى لهذا العالم الافتراضي؟.



