
علا عوض
أثار تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية جدلاً واسعًا في الأوساط الطبية والإعلامية، بعدما كشف أن تناول نحو 50 جرامًا من اللحوم المصنعة يوميًا، وفي مقدمتها اللانشون، يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم بنسبة تصل إلى 18%.
وأكد التقرير أن اللحوم المصنعة عمومًا، بما فيها السلامي والسجق والبسطرمة، تخضع لعمليات معالجة تشمل إضافة مواد حافظة ونترات ونسب عالية من الملح، فضلًا عن تعرضها لطرق تدخين أو تمليح، وهي كلها عوامل تسهم في رفع معدلات الخطورة على صحة الإنسان.
ووضعت المنظمة هذه المنتجات ضمن قائمة المواد المسرطنة، في الفئة ذاتها التي تضم التدخين والكحول، وإن اختلفت درجة التأثير بحسب الكمية ومدة الاستهلاك.
ويرى خبراء التغذية أن خطورة هذه النتائج تكمن في أن اللانشون من أكثر الأطعمة انتشارًا، خاصة بين الأطفال داخل المدارس، حيث يعد وجبة سريعة ولذيذة ومحببة للكثيرين.
ومن جانبه، يقول الدكتور محمد أحمد، استشاري التغذية: “اللانشون لا يمثل خطرًا فقط من حيث ارتباطه بالسرطان، لكنه يحتوي كذلك على نسب مرتفعة من الأملاح والدهون المشبعة، ما يرفع معدلات الإصابة بضغط الدم المرتفع وأمراض القلب والسمنة”.
ويضيف أحمد، أن الاعتماد عليه كجزء ثابت من النظام الغذائي اليومي للأطفال يضاعف فرص الإصابة بأمراض مزمنة مبكرًا، مطالبًا الأسر بالتفكير جديًا في تقليل الاعتماد على هذه النوعية من الأطعمة.
ويحذر استشاري التغذية، من جانب آخر، يتمثل في كون بعض المصانع غير المرخصة تنتج لانشون بطرق بعيدة تمامًا عن الاشتراطات الصحية، حيث تستخدم خامات رديئة ومواد حافظة بنسبة أعلى من المسموح بها، الأمر الذي يجعل المنتج أكثر ضررًا، ليس فقط من حيث زيادة احتمالية الإصابة بالسرطان، ولكن أيضًا من حيث تأثيره المباشر على الكبد والكلى.
ويرى خبراء الصحة العامة أن الحل لا يكمن في الامتناع الكامل عن تناول اللحوم المصنعة، وإنما في الاعتدال والتوازن، فالمنظمة لم تذكر أن تناول قطعة لانشون أو سجق على فترات متباعدة سيؤدي بالضرورة إلى المرض، لكنها حذرت من الاعتماد عليها كعادة يومية. ويشدد الخبراء على ضرورة تنويع النظام الغذائي للأسرة والاعتماد على بدائل طبيعية وصحية مثل اللحوم الطازجة، والدواجن المشوية، والبيض، والبقوليات، والجبن.
ويشير خبراء آخرون إلى أن قضية اللانشون تعكس جانبًا مهمًا من مشكلات التغذية في المجتمعات الحديثة، حيث يسيطر عامل السرعة على اختيارات الناس الغذائية.
ومع ضغوط الحياة اليومية، يبحث الكثيرون عن وجبات جاهزة وسهلة التحضير، لكنهم يغفلون المخاطر الصحية الكامنة وراءها.
كما لفت بعض الأطباء إلى أن التوعية تمثل خط الدفاع الأول، إذ لا يكفي أن تصدر منظمة الصحة العالمية أو غيرها من المؤسسات تحذيرات، بل يجب أن تُترجم هذه التوصيات إلى حملات إعلامية وتثقيفية موجهة للأسر والأطفال، لتغيير أنماط الاستهلاك والحد من الإقبال المفرط على اللحوم المصنعة.
في المقابل، يؤكد أولياء أمور أن توفير بدائل صحية بأسعار مناسبة يشكل تحديًا لا يقل أهمية عن التوعية. فالكثير من الأسر ترى في اللانشون خيارًا اقتصاديًا سريعًا لتجهيز وجبات المدارس. ومن ثم، يطالب خبراء التغذية والحركة الاستهلاكية بدعم إنتاج أطعمة صحية محلية بأسعار مناسبة تكون بديلاً عمليًا للأطعمة المصنعة.
وفي ختام التقرير، شددت منظمة الصحة العالمية على أن الوقاية تبدأ من تعديل السلوك الغذائي والاعتماد على خيارات صحية أكثر أمانًا، مؤكدة أن رفع الوعي المجتمعي بمخاطر اللحوم المصنعة هو السبيل لحماية الأجيال القادمة من أمراض كان بالإمكان تجنبها



