إصلاح أم احتواء؟.. الجدل يشتعل حول لجنة تطوير الإعلام المصري

علا عوض
أصدر الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، قرارًا بتشكيل اللجنة العليا لتطوير الإعلام المصري، والتي تضم في عضويتها 66 شخصية من مختلف التخصصات الإعلامية.
وقد أثار القرار ردود فعل متباينة، إذ انتقد نقيب الصحفيين الأسبق يحيى قلاش الخطوة الحكومية، معتبرًا أن تشكيل اللجنة كان يجب أن يتم بصورة مستقلة بعيدًا عن القرارات الرسمية، حفاظًا على استقلال الإعلام ودوره الرقابي.
ووفقًا لقرار رئيس الوزراء، تتولى اللجنة إعداد خطة متكاملة لتطوير منظومة الإعلام المصري، تشمل تحديد الأهداف بدقة، ووصف الواقع الحالي للإعلام، ورصد التحديات التي تواجهه، إلى جانب تحديد الجهات والأشخاص المسؤولين عن تنفيذ هذه الخطة، بما يضمن فاعلية التطبيق ووضوح النتائج.
وقال يحيى قلاش، نقيب الصحفيين الأسبق، في تصريحات صحفية، إن المهمة الأساسية للجنة يجب أن تبدأ بتشخيص واقعي وجاد لأسباب أزمة الإعلام الراهنة، مؤكدًا أن أي حلول لن تُثمر ما لم تُبنَ على فهم صحيح لطبيعة المشكلة.
وأوضح أن تدهور الوضع الإعلامي لا يمثل أزمة تخص الحكومة فحسب، بل يمس الدولة بأكملها، مشيرًا إلى أن غياب الدور الإعلامي المؤثر خلال السنوات الماضية أوجد فراغًا واضحًا في تناول القضايا الوطنية، ما انعكس على وعي الرأي العام وتماسكه.
وشدد قلاش على أن “حرية الإعلام” هي الركيزة الأساسية لأي نهضة، لافتًا إلى أن الإعلام لا يُعد سببًا للأزمات، بل هو جزء من الحل، ودوره يتعاظم حين تُمنح له المساحة الكافية من الحرية والمهنية.
وجاء في بيان صادر عن مجلس الوزراء أن تشكيل اللجنة جاء تنفيذًا لتوجيهات رئيس الجمهورية، الرامية إلى إعداد خارطة طريق شاملة لتطوير الإعلام المصري، من خلال الاستعانة بالخبرات والكفاءات الوطنية القادرة على مواكبة التطورات العالمية المتسارعة، بما يعزز قدرة الإعلام الوطني على أداء رسالته في إطار الجمهورية الجديدة.
وكان الرئيس قد عقد اجتماعًا في العاشر من أغسطس الماضي مع رئيس الوزراء وعدد من القيادات الإعلامية، من بينهم رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام خالد عبد العزيز، ورئيس الهيئة الوطنية للصحافة عبد الصادق الشوربجي، ورئيس الهيئة الوطنية للإعلام أحمد المسلماني، حيث وجّه بوضع خطة شاملة لتطوير الإعلام تواكب العصر الحديث وتخدم توجهات الدولة المصرية. كما شدد الرئيس على أهمية توفير المعلومات والبيانات الدقيقة لوسائل الإعلام، خصوصًا في أوقات الأزمات التي تهم الرأي العام، لضمان تناول متوازن وموضوعي للأحداث.
وفي سياق متصل، أعرب قلاش عن تحفظه على أن تكون الحكومة صاحبة القرار في تشكيل اللجنة، معتبرًا أن الأمر كان يجب أن يُترك للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الذي يتمتع بالاستقلالية القانونية عن السلطة التنفيذية، مؤكدًا أن الإعلام من المفترض أن يكون مراقبًا لأداء الحكومة لا تابعًا لها.
ورغم انتقاداته، أشاد قلاش بتنوع الخبرات داخل اللجنة، موضحًا أنها تضم شخصيات بارزة في مختلف فروع الإعلام، قد تسهم في طرح رؤى تطويرية بناءة، شريطة أن يُمنح أعضاؤها الحرية الكاملة للعمل. وقد وافقه الرأي الكاتب الصحفي والمدرب الإعلامي ياسر الزيات، أحد أعضاء اللجنة، الذي عبّر عن تفاؤله بوجود عدد كبير من الكفاءات ضمن التشكيل.
كما كتب الإعلامي أحمد علي خير منشورًا عبر صفحته أكد فيه أن بعض أعضاء اللجنة سيعملون وفق ضمائرهم لصالح تطوير الإعلام، مشددًا على ضرورة ترسيخ مبدأ الحرية كشرط أساسي لأي تجربة إعلامية ناجحة، قائلاً: “لا إعلام بلا حريات، ولا إعلام بلا سماع للرأي الآخر أو تداول للمعلومات، ولا إعلام مملوك لجهة حكومية واحدة، ولا إعلام قائم على المحسوبية بدلًا من الكفاءة”.
وضمت اللجنة عددًا من الشخصيات المستقلة والخبراء في الصحافة والإذاعة والتلفزيون، إلى جانب ممثلين للقطاعين العام والخاص، وأكاديميين ومدربين إعلاميين، فضلًا عن نقباء الصحفيين والإعلاميين.
ومن بين الأعضاء عشرة من الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وعشرة آخرين من مؤسسة الأهرام، بينهم رئيس تحرير الأهرام ويكلي عزت إبراهيم، ورئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور أيمن عبد الوهاب.
ولم تشمل اللجنة أي ممثلين عن مؤسسة الجمهورية أو بقية المؤسسات الصحفية القومية الأخرى، بينما تم اختيار رئيس تحرير بوابة “أخبار اليوم” مصطفى عبده عضوًا بها، إلى جانب رؤساء الهيئات الوطنية للإعلام والصحافة، وثلاثة من وكلاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وعضو من الهيئة الوطنية للصحافة.
وينص قرار رئيس الوزراء على إمكانية تشكيل لجان فرعية برئاسة أحد أعضاء اللجنة الرئيسية وعضوية عدد من أعضائها، مع السماح بالاستعانة بخبرات خارجية عند الحاجة.
وتكلف هذه اللجان بتقديم تقاريرها خلال شهر من تشكيلها إلى اللجنة الرئيسية، التي بدورها ترفع تقريرها النهائي خلال شهرين إلى رئيس مجلس الوزراء تمهيدًا لعرضه على رئيس الجمهورية.
وأوضح الكاتب الصحفي ياسر الزيات أن دوره داخل اللجنة سيركز على وضع استراتيجية للتحول الرقمي وتطوير الإعلام المصري، بما يواكب التطورات التكنولوجية الحديثة، وفتح نقاش واسع حول أنماط ملكية المؤسسات الإعلامية في مصر.
واختتم قلاش تصريحاته بالتأكيد على أن أي مبادرة تسعى لتطوير الإعلام تستحق الدعم، غير أنه حذر من تكرار التجارب السابقة التي دارت في دائرة مغلقة دون أن تُسفر عن نتائج ملموسة، كما حدث في جلسات الحوار الوطني أو في المحاولات السابقة لإصلاح الإعلام.



