إقليم شمال أفريقيا.. هل يصبح «أوروبا الجديدة» ؟
الغرب الأوروبي يتجه لموارد وطاقة «جيرانه الـ6»
ومشاريع طاقة شمسية وربط كهربائي تنعش اقتصادات الإقليم
فارس محمد
“مصائب قوم عند قوم فوائد”.. هذا ما يجسد حال تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي نشرت الذعر في العالم، وأوجدت قلقاً عالمياً من اضطراب أسواق الطاقة وارتفاع نسب التضخم والحديث عن خطر نشوب حرب نووية، فضلاً عن إحداث قطيعة بين روسيا ثاني أكبر مُصدر للنفط في العالم، وأوروبا ثاني أكبر مستورد للسلعة ذاتها عالمياً، ولكن هذه التداعيات الوخيمة لم تمنع وجود مستفيدين من الأزمة على خارطة التحولات الجيوسياسية العالمية الجديدة ومخاض ولادة نظام عالمي جديد لا سيما دول «إقليم شمال أفريقيا» التي ينتظرها مشاريع تنموية عابرة للقارات.
وتتجه الأنظار إلى شمال أفريقيا، بعدما تسببت الحرب الروسية الأوكرانية في جروح عميقة لدى أوروبا وروسيا على حدٍ سواء، فموسكو باتت تئن تحت حصار اقتصادي واسع النطاق، بينما أوروبا تواجه أزمة في الطاقة لا سيما إمدادات النفط والغاز التي كانت تحصل عليها من روسيا وخط أنابيب «نورد ستريم» وسط توقعات بتفاقم الأزمة مع استمرار قطع الإمداد الروسية للقارة العجوز.
وسارع الأوروبيون، إلى إيجاد بدائل سريعة وآمنة لتعويض إمدادات الطاقة القادمة من روسيا، وتنويع مصادر الطاقة الواردة إلى دول القارة، فضلاً عن تحقيق هدف أكبر ألا وهو الانعتاق من الاتكال الأوروبي على الروس في إمدادات الطاقة، الأمر الذي دفع قادة الاتحاد الأوروبي لتخطيط ما يعرف بـ«الصفقة الخضراء» التي لا تستهدف فقط تعويض إمدادات الطاقة الروسية بل واستبدالها بطاقة أخرى نظيفة تخفض الانبعاثات الضارة الناتجة عن القارة بنسبة 55% بحلول عام 2030م، بجانب تحقيق مُستهدف الحياة الكربوني بحلول عام 2050م.
وتحقيقاً لمستهدفات مشروع «الصفقة الخضراء»، تتجه أوروبا إلى دول شمال أفريقيا: «مصر، وليبيا، والجزائر، وتونس، والمغرب، وموريتانيا»، والتي تتمتع بجميع مقومات إنتاج الطاقة النظيفة يمكنها تأمين احتياجات القارة الأوروبية واستدامة طاقتها.
واقع الطاقة في أوروبا
تشير بيانات الاتحاد الأوروبي، إلى أن دول القارة العجوز تعتمد بنسبة 70% على مصادر طاقة من الوقود الأحفوري، مُقسمة إلى 35% استخدامات نفطية، و24% استخدامات للغاز، ونحو 11% استخدامات للفحم، بينما تنقسم نسبة الـ30% المتبقية إلى 17.5% استخدامات للطاقة المتجددة، و12.5% استخدامات للطاقة النووية.
وظلت الدول الأوروبية تعمد على روسيا كأكبر مصادرها من النفط والغاز منذ الحقبة السوفيتية، بسبب عوامل التماس الجغرافي وتوافر خطوط الأنابيب والبنية التحتية المتطورة لا سيما خطوط: «نورد ستريم، وترك ستريم، وبلو ستريم، وبرزرهود، ويمال».
وعلى الرغم من محاولات الدول الأوروبية تعويض نقص الطاقة من الوقود الأحفوري، وتحديداً بعد أزمة الطاقة التي واجهتها القارة في ظل حرب أكتوبر عام 1973م، بالتوسع في بناء مفاعلات الطاقة النووية السلمية، إلا أن هذا المسعى قد انحصر بعد كارثة التسرب النووي من محطة تشيرنوبيل بمدينة بريبيات في شمال أوكرانيا السوفيتية حينذاك، بجانب آثار التغيرات المناخية التي أدت لانحصار مياه الأنهار الأوروبية في أوقات من السنة بما يؤثر على عمليات تبريد المفاعلات السلمية، الأمر الذي دفع الأوروبيين لتقليص الاعتماد على الطاقة النووية، والاندفاع نحو الاعتماد على واردات النفط والغاز بنسبة بلغت نحو 61% عام 2019م.
التوجه لشمال أفريقيا
تسببت تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، والقرار الروسي بوقف تدفق النفط والغاز إلى أوروبا، في توجه الأخيرة نحو دول شمال أفريقيا الـ6، حيث مصادر النفط والغاز والفحم، وكذلك مصادر الطاقة المتجددة المتولدة عن طاقة الشمس وطاقة الرياح، فضلاً عن برامج الطاقة النووية السلمية التي ترتسم في مصر، وبعض دول الإقليم.
وتمتلك دول: «مصر، وليبيا، والجزائر»، احتياطيات من الغاز تُقدر بقرابة 6 تريليون متر مكعب، وسط تمتع هذه الدول الثلاث ببنية تحتية حديثة وقريبة جغرافياً من القارة الأوروبية، وقادرة على التصدير بأسعار تنافسية أقل مما تستورده من شحنات للغاز قادمة عبر المحيط الأطلسي من الأمريكيتين الشمالية والجنوبية.
كما يتميز إقليم شمال أفريقيا بوجود حوالي 18 محطة لإسالة الغاز الطبيعي، الأمر الذي يضمن توفير ما يقرب من 10 ملايين طن من الغاز سنوياً، يمكن ضخها للأراضي الأوروبية عبر شبكة موجودة بالفعل من أنابيب الغاز تبلغ نحو 25 ألف كيلومتر وموصلة عبر 3 ممرات رئيسية، أحدهما يخرج من ليبيا، يخرج الخطان الآخران من الجزائر المجاورة، فيما يتجه إنتاج هذه المنطقة مع دخول غاز دول حوض المتوسط إلى الشبكة عبر مصر.
قدرات الطاقة الشمسية بالشمال الأفريقي
تتمتع دول الشمال الأفريقي بقوة إشعاع شمسي على مدار العام تصل ما بين 10 إلى 13 ساعة في اليوم، حيث تطول ساعات النهار وتشتد حرارة الشمس أثناء فصل الصيف، بما يضمن توفير مناخ مناسب لنجاح مشاريع الطاقة الشمسية طوال العام، فضلاً عن كون معظم مناطق هذا الإقليم هي مناطق صحراوية منبسطة وبلا حواجز أو معوقات تمنع وصول الإشعاع الشمسي، حيث تمتد هذه الصحراء على مساحة تفوق الـ9 ملايين كيلومتر مربع، تقع ضمن إقليم الصحراء الكبرى الشهير.
وتتميز صحراء الشمال الأفريقي بكونها من أكثر مناطق العالم من حيث القدرة على توليد الطاقة الشمسية البديلة عن الغاز والفحم والمازوت، حيث تبلغ طاقة دول الإقليم من هذه الطاقة حالياً نحو 3.5 جيجا وات توفرها محطات الطاقة الشمسية، وقابلة للتوسع بشكل أكبر لتصل مستقبلاً إلى نحو 43 جيجا وات، بما يوفر فرص واعدة للحصول على الطاقة النظيفة أمام الجانب الأوروبي المتعطش لهذه المشاريع وربطها بالأراضي الأوروبية.
ومع التوجه الأوروبي لتحقيق الربط الكهربائي والنفطي وأنابيب الغاز مع دول شمال أفريقيا، على وقع التوتر مع روسيا، ستتحول هذه المنطقة إلى أحد أكبر مُصدري الطاقة عالمياً، ومن ثم إلى ما يشبه أوروبا الجديدة بمشاريع تنموية عملاقة تُحدث تغييراً ضخما في اقتصادات دول الشمال الأفريقي.