البرهان فى القاهرة.. ما هى دلالات زيارة رئيس مجلس السيادة السودانى لمصر؟
بعد أربعة أشهر من حرب ضروس شهدتها السودان، غادر رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان السودان أمس الثلاثاء قاصدا القاهرة في أول زيارة خارجية له منذ اندلاع الصراع بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع التي أعلنت التمرد على قيادة الجيش وهاجمت مقرات حكومية منذ منتصف أبريل الماضي، وتسببت في فوضى كبيرة في البلاد.
تفاصيل جولة البرهان الخارجية
وأمس الثلاثاء وصل البرهان مدينة العلمين الساحلية، إذ كان في استقباله الرئيس عبدالفتاح السيسي، وبحثا معا تفاصيل الأوضاع على الأرض في الجارة الجنوبية، حيث أعلنت القاهرة دعمها الكامل لاستقرار السودان، متعهدة باستكمال مساعيها لإنهاء الحرب.
ووفقا لبيان صادر عن مجلس السيادة السوداني فإن هذه الزيارة سيجري خلالها البرهان مباحثات مع الرئيس السيسي تتناول تطورات الأوضاع فى السودان، والعلاقات الثنائية بين البلدين و”سبل تعزيز دعمها وتطويرها بما يخدم شعبي البلدين والقضايا ذات الاهتمام المشترك”.
البيان نفسه أكد أن الوفد السوداني ضم لجوار البرهان وزير الخارجية المكلف السفير علي الصادق، ومدير جهاز المخابرات العامة الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل، والفريق أول ميرغني إدريس سليمان، مدير عام منظومة الصناعات الدفاعية، يرافقون البرهان خلال زيارته لمصر.
وكانت مصادر لـ”العربية” و”الحدث” قد أفادت أمس بأن رئيس مجلس السيادة السوداني سيسافر اليوم إلى مدينة العلمين المصرية، في أول زيارة خارجية له منذ بدء الأزمة بالسودان في منتصف أبريل الماضي.

وقالت مصادرنا إن البرهان سيلتقي الرئيس السيسي، وسيبحثان مستجدات الأزمة ومجمل الأوضاع السياسية والإنسانية وأوضاع النازحين السودانيين في مصر.
وذكرت المصادر أن من المرجح أن يسافر البرهان في الفترة القادمة إلى عدد من الدول العربية والإفريقية “منها السعودية وقطر والكويت وجنوب السودان وتشاد”.
تأكيد على عمق العلاقات بين البلدين
ومصريا كشف المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المستشار أحمد فهمي، أن الرئيس السيسي أكد خلال لقائه بالوفد السوداني اعتزاز مصر الكبير بما يربطها بالسودان الشقيق، على المستويين الرسمي والشعبي من أواصر تاريخية وعلاقات ثنائية عميقة، مؤكداً موقف مصر الثابت والراسخ بالوقوف بجانب السودان، ودعم أمنه واستقراره ووحدة وسلامة أراضيه، خاصةً خلال الظروف الدقيقة الراهنة التي يمر بها، أخذاً في الاعتبار الروابط الأزلية والمصلحة الاستراتيجية المشتركة التي تجمع بين البلدين الشقيقين.
من جانبه؛ أعرب الفريق أول ركن البرهان عن تقديره البالغ للعلاقات الأخوية المتينة بين البلدين الشقيقين، مشيداً بالمساندة المصرية الصادقة للحفاظ على سلامة واستقرار السودان في ظل المنعطف التاريخي الذي يمر به، خاصةً من خلال حُسن استقبال المواطنين السودانيين مصر، ومعرباً في هذا الإطار عن تقدير بلاده للدور الفاعل لمصر بالمنطقة والقارة الإفريقية.

وأضاف المتحدث الرسمي أن اللقاء شهد استعراض تطورات الأوضاع في السودان، والتشاور حول الجهود الرامية لتسوية الأزمة، حفاظاً على سلامة وأمن السودان الشقيق، على النحو الذي يحافظ على سيادة ووحدة وتماسك الدولة السودانية، ويصون مصالح الشعب السوداني الشقيق وتطلعاته نحو المستقبل.
وتناول اللقاء كذلك تطورات مسار دول جوار السودان، حيث رحب رئيس مجلس السيادة السوداني بهذا المسار الذي انعقدت قمته الأولى مؤخراً في مصر.
كما تطرقت المباحثات إلى مناقشة سبل التعاون والتنسيق لدعم الشعب السوداني الشقيق، لاسيما عن طريق المساعدات الإنسانية والإغاثة، حتى يتجاوز السودان الأزمة الراهنة بسلام.
وكان رئيس مجلس السيادة السوداني أكد في كلمة مسجلة من بورتسودان أذيعت يوم الاثنين، أنه لا يوجد اتفاق أو صفقة مع الدعم السريع.
كما شدد على أن القوات المسلحة “لن تضع أيديها في أيدي المتمردين”، ووعد بالاستمرار في القتال، مشدداً على أن الجيش ماض حتى الانتصار.
وتابع قائلاً: “نحن نقاتل وحدنا ونعتز بذلك”، مضيفا أن القوات المسلحة لم تبدأ الحرب بل الدعم السريع ولذلك سيكتوون بنارها وسيهزمون شر هزيمة.”
الزيارة تؤكد ثقل القاهرة في محيطها الإقليمي
وحول هذه الزيارة قال محمد الشرقاوي، الباحث في كلية الدراسات الإفريقية العليا إنه كون القاهرة أول محطات البرهان الخارجية تعني أن رئيس مجلس السيادة السوداني يدرك مدى الثقل الإقليمي للقاهرة في محيطها الإقليمي، وقدرتها على حل الأزمة وإنهاء الصراع عبر أدواتها الدبلوماسية وما تملكه من أوراق.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ ” المصرية” أن هذه الزيارة تشير إلى التأكيد السوداني على القبول بمبادرة للقاهرة، للحل بالنظر إلى التحركات المصرية الأخيرة خاصة بعد قمة دول جوار السودان، والتنسيق المصري والقوى الإقليمية مؤخرا في ملف السودان.
والشهر الماضي احتضنت القاهرة مؤتمرا لدول جوارالسودان حضره كافة الدول المجاورة للبلد الذي يشهد واحدة من أعنف المواجهات العسكرية الداخلية في تاريخه، ووقتها قال البيان الختامي للقمة إن دول الجوار السوداني تشدد على ضرورة أن يكون الحل سوداني سوداني، ويرفضون أن تدخلات دولية في الأزمة، كما انبثقت عن القمة مجموعة عمل تضم وزراء خارجية دول الجوار سيعملون خلال الفترة المقبلة على وضع تصورات لحل الأزمة ورفعها للقيادة العليا للدول.

وحول ذلك يقول الشرقاوي إن هذه التحركات جعلت القاهرة قناة للتواصل بين الأطراف السودانية والقوى السياسية الفاعلة على الأرض من أجل التوصل لصيغة تنهي الحرب، وتوقف شلال الخسائر السوداني.
وأكد أن توسيط القاهرة بأن تلعب دورًا في تقريب الخلاف بين طرفي الحرب، يؤكد على أن الخرطوم لا تزال تثق في جارتها الشمالية، مطالبا بالعمل على استثمار هذه الصلة والثقة المتوفرة بينها وبين قيادات الجيش خاصة البرهان لإنهاء الأزمة السودانية ووقف الحرب.
ولفت إلى القاهرة على تواصل مع كافة أطراف الأزمة السودانية حتى من غير العسكريين مشيرا إلى أن القوات المسلحة السودانية ترغب في بدء حوار سياسي بين البرهان والمجموعات السياسية، خاصة قوى الحرية والتغيير، بواسطة وتنسيق مصري.
البرهان يرفض مبادرة حميدتي
وقبل زيارة البرهان بساعات قليلة نفذ رئيس مجلس السيادة جولة موسعة في مناطق بالخرطوم وبوتسودان اطلع خلالها على تطورات الأوضاع على الأرض، وزار خلالها مواقع الجنود والقوات التي تخوض معارك ضارية مع قوات الدعم السريع، وأدلى بتصريحات ألمح فيها لرفض لمبادرة غريمه محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي، قائد قوات الدعم السريع، لافتا إلى أن قوات الدعم هي من بدأت الحرب وستذوق ويلاتها.

وكان “حميدتي” قد ألمح في وقت سابق إلى انفتاحه على وقف طويل الأمد لإطلاق النار مع الجيش، عارضا رؤيته “لتأسيس الدولة الجديدة” في البلاد، على أن تكون على أساس “الفيدرالية الحقيقية” على حد وصفه.
كما شدد على أن “نظام الحكم يجب أن يكون ديمقراطيا مدنيا يقوم على الانتخابات العادلة والحرة في كل مستويات الحكم”.
الوضع مأسوي في الداخل السوداني
وفي السياق ذاته لا تزال الحرب مشتعلة في عدد من المناطق السودانية وسط تحذيرات من كارثة إنسانية تلوح في الأفق إذ قالت الأمم المتحدة، في بيان لها قبل أيام إن الحرب في السودان تؤدي إلى تأجيج حالة طوارئ إنسانية ذات أبعاد غير مسبوقة، مشيرة إلى أن الصراع الحالي في السودان يهدد باستهلاك البلد بأكمله وتدميره.
وقال وكيل الأمين العام للمنظمة الدولية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ مارتن جريفيث- في بيان، وزعته المنظمة، على وسائل الإعلام- إن القتال العنيف الذي اجتاح العاصمة الخرطوم ودارفور منذ منتصف أبريل قد امتد إلى كردفان، حيث استنفذت المخزونات الغذائية بالكامل في عاصمة ولاية جنوب كردفان- كادقلى- حيث تمنع الاشتباكات وإغلاق الطرق عمال الإغاثة من الوصول إلى الجياع، أما في مدينة الفولة عاصمة ولاية غرب كردفان فقد تعرضت المكاتب الإنسانية لنهب الإمدادات.
وأعرب جريفيث عن قلقه البالغ إزاء سلامة المدنيين في ولاية الجزيرة، مع اقتراب الصراع من سلة غذاء السودان.
وحذر المسئول الأممي من أنه كلما طال أمد القتال أصبح تأثيره أكثر تدميرا، قائلا إن الطعام قد نفذ بالفعل في بعض الأماكن فى الوقت الذي يعاني مئات الآلاف من الأطفال من سوء التغذية الحاد، ويواجهون خطر الموت الوشيك إذا تركوا دون علاج.
ولفت إلى أن الأمراض “المنقولة بالنواقل” تنتشر مما يشكل خطرا مميتا وخاصة بالنسبة لأولئك الذين أضعفهم سوء التغذية بالفعل، في الوقت الذي يتم الإبلاغ عن حالات الحصبة والملاريا والسعال الديكي وحمى الضنك والإسهال المائي الحاد في جميع أنحاء البلاد.

وقال إن معظم الناس لا يستطيعون الحصول على العلاج الطبي، خاصة وأن الصراع أدى إلى تدمير قطاع الرعاية الصحية، حيث أصبحت معظم المستشفيات خارج الخدمة.
وحذر من أن الصراع في السودان يمكن أن يدفع المنطقة بأكملها إلى كارثة إنسانية، خاصة مع نزوح الملايين وفرار ما يقرب من مليون آخرين عبر حدودها.
وتابع أن مع وصول المزيد من اللاجئين إلى البلدان المجاورة، فإن المجتمعات المضيفة باتت تعاني هي الأخرى.
كما حذر من أنه يكاد يكون من المؤكد أن الصراع الطويل سيؤدي إلى ضياع جيل من الأطفال، حيث يحرم الملايين من التعليم ويعانون من الصدمات ويتحملون الندوب الجسدية والنفسية للحرب، إضافة إلى أن التقارير تفيد بأن بعض الأطفال في السودان يتم استخدامهم في القتال وهو مايثير قلقا بالغا.
وأوضح جريفيث أن الوقت قد حان لجميع الذين يقاتلون في الصراع في السودان أن يضعوا الشعب فوق السعي إلى السلطة أو الموارد.

وشدد على أن المدنيين يحتاجون إلى المساعدة المنقذة للحياة الآن، كما يحتاج العاملون في المجال الإنساني إلى الوصول والتمويل لتسليمها ، داعيا المسؤول الأممي المجتمع الدولي للاستجابة بالسرعة التي تستحقها هذه الأزمة.