تحقيقات وحواراتسلايدر

الضربة الأمريكية لإيران.. بداية حرب إقليمية أم رسالة ردع

محمد عبدالمقصود

دخلت منطقة الشرق الأوسط مرحلة جديدة من التوتر والتصعيد، بعد أن شنت الولايات المتحدة ضربات عسكرية واسعة استهدفت ثلاثة مواقع نووية رئيسية في إيران، لتعلن بذلك واشنطن انخراطها المباشر في صراع كان حتى وقت قريب يعتمد على الحروب بالوكالة والتصعيد المتدرج.

 

العملية التي وصفت بأنها الأوسع منذ سنوات، جاءت بعد أسابيع من تصاعد التوترات وتبادل التهديدات بين طهران وواشنطن، لكنها هذه المرة تجاوزت الخطوط الحمراء باستهداف صريح للبنية التحتية النووية الإيرانية.

 

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برر هذا التحرك بأنه خطوة “ضرورية وحاسمة” لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، واصفًا طهران بـ”الدولة الأولى الراعية للإرهاب”. ورغم تصريحاته بأن “المنشآت النووية الإيرانية دُمرت بالكامل”، إلا أن غياب الأدلة الملموسة فتح باب التشكيك في حجم الضرر الحقيقي الذي لحق بتلك المنشآت.

 

الضربات تركزت على منشأتي “فوردو” و”نطنز”، اللتين تمثلان العمود الفقري لبرنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني، إضافة إلى موقع استراتيجي قرب أصفهان يُعتقد أنه يحتوي على يورانيوم شبه مخصب. هذه الأهداف لم تكن عشوائية، بل تم اختيارها بعناية لضرب قدرات إيران التقنية دون الدخول فورًا في استهدافات واسعة للبنية التحتية المدنية.

 

عسكريًا، استخدمت واشنطن ست قاذفات استراتيجية من طراز B-2 لإلقاء قنابل خارقة للتحصينات على “فوردو”، وهي منشأة مبنية داخل جبل، في اختبار فعلي لقدرات الأسلحة الأميركية على اختراق التحصينات الإيرانية التي لطالما كانت محل جدل داخل الأوساط العسكرية الغربية، في الوقت نفسه، أطلقت غواصات أميركية صواريخ كروز استهدفت نطنز وأصفهان، في رسالة واضحة بأن واشنطن تملك اليد الطولى في المواجهة.

 

الرد الإيراني لم يتأخر كثيرًا، لكنه حتى الآن ما زال ضمن نطاق الحسابات المدروسة، إيران اكتفت بالإعلان أنها “تحتفظ بكل الخيارات”، لكنها عمليًا بدأت بإطلاق صواريخ باليستية على أهداف داخل إسرائيل، ما يشير إلى أن طهران اختارت الرد عبر ساحة المواجهة التقليدية بين الطرفين، في محاولة لتحويل المعركة إلى صراع إقليمي متعدد الأطراف.

 

الموقف الدولي جاء سريعًا أيضًا، حيث وصفت الأمم المتحدة الضربات الأميركية بأنها “تصعيد خطير يهدد الأمن والسلم الدوليين”، بينما بدا المشهد داخل واشنطن أكثر انقسامًا؛ الجمهوريون المتشددون اعتبروا ما جرى “خطوة شجاعة لوقف الطموحات الإيرانية”، في حين أعرب الديمقراطيون وعدد من الجمهوريين المعتدلين عن قلقهم من أن هذه الضربات قد تكون بداية لانزلاق الولايات المتحدة إلى حرب شاملة لا ترغب بها.

 

إسرائيل، من جانبها، لم تخفِ فرحتها العلنية بهذه العملية، وأكدت أن الضربات تمت في إطار “تنسيق كامل” مع جيشها، مما يعكس التحالف العميق بين الطرفين، خصوصًا أن تل أبيب تعتبر الملف النووي الإيراني تهديدًا وجوديًا مباشرًا لها.

 

لكن خلف هذا المشهد العسكري والسياسي، تكمن حسابات أكثر تعقيدًا. فبدل أن يؤدي القصف إلى إيقاف المشروع النووي الإيراني، قد يدفع طهران إلى تسريع جهودها النووية بشكل سري أو عبر طرق غير تقليدية، خاصة إذا كانت قد تمكنت من الحفاظ على أجزاء من بنيتها التحتية أو مخزونها من المواد المخصبة.

 

كما أن قرار ترامب شن هذه الضربات جاء بعد فترة من التردد والإشارات المتناقضة من الإدارة الأميركية، ما يعكس عمق الأزمة السياسية الداخلية التي يعاني منها البيت الأبيض، سواء على صعيد العلاقة مع الكونغرس أو في ظل اقتراب الاستحقاقات الانتخابية.

 

الأخطر في المشهد الآن ليس فقط احتمال الرد الإيراني العسكري، بل إمكانية توسع نطاق الصراع ليشمل أهدافًا اقتصادية أو مدنية، ما قد يؤدي إلى كارثة إنسانية إقليمية، ويهدد استقرار أسواق الطاقة العالمية بشكل مباشر.

 

في هذا السياق، يرى كثير من المراقبين أن هذه الضربات قد تُستخدم داخليًا في إيران كوسيلة لتوحيد الصفوف خلف القيادة الإيرانية تحت شعار “الدفاع عن الوطن”، ما يقلب الحسابات الأميركية رأسًا على عقب.

 

وفي ضوء هذا تقف اليوم لمنطقة على حافة مرحلة جديدة من المواجهة قد تعيد رسم موازين القوى في الشرق الأوسط بشكل كامل، لكن بكلفة عالية قد لا تكون الأطراف قادرة على تحملها، ومع غياب أي بوادر لعودة المسار التفاوضي، تبقى احتمالات الحرب الشاملة أقرب من أي وقت مضى.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى