أخبار مصرية

انفراط العقد الأمنى.. انقلابات الغرب الأفريقى تجدد شبح الإرهاب في الساحل والصحراء

 

شهدت الأسابيع الأخيرة حالة من الشد والجذب في مناطق غرب أفريقيا عقب وقوع انقلابات عسكرية في أكثر من بلد في هذه المنطقة، كان آخرها الجابون، حيث أعلنت  مجموعة من ضباط الجيش استيلاءهم على السلطة هناك، وإلغاء نتائج الانتخابات الرسمية الأخيرة، التي فاز فيها الرئيس علي بونغو أونديمبا بولاية ثالثة، وقبل هذه الأحداث بأسابيع قليلة شهدت دولة النيجر انقلابا مماثل حيث أعلن عدد من الضباط والجنود الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد بازوم.

لم تكن هذه الانقلابات هي الأولى في المنطقة بل سبقها أحداث مماثلة في كل من مالي وبوركينا فاسو إضافة إلى محاولات انقلاب فاشلة في غينيا بيساو، وغامبيا، وجزيرة ساو تومي وبرينسيبي.

كل هذه الانقلابات تزامنت مع حالة من الانفلات الأمني وعدم الاستقرار السياسي في هذه المنطقة، وهو ما فتح الباب أمام عودة ظهور الجماعات المتطرفة في هذه المناطق، بالإضافة إلى استغلال بعض المجموعات العرقية المتمردة على السلطات المركزية الوضع الأمني لتوسعة أنشطة في كثير من المناطق، لاسيما المناطق الحدودية في هذه الدول.

هجومان في بوركينا فاسو

آخر الأحداث الإرهابية التي وقعت في الغرب الإفريقي كانت في دولة بوركينا فاسو التي شهدت مقتل 16 مدنياً بينهم 4 متطوعين في الجيش إثر هجومين منفصلين غرب ووسط البلاد.

وذكرت تقارير إعلامية أن الهجومان  يرجح أنهما من تنفيذ جماعات إرهابية.

ونقلا عن أحد السكان المحليين في منطقة الحادث نقلت وكالات الأنباء أن إرهابيين هاجموا مجموعة من المدنيين في منطقة كولبونغو في وسط البلاد الشرقي، ما أدى إلى سقوط 12 قتيلا وجريحين، فيما أكد مصدر أمني الهجوم والحصيلة.

وكان هجوم شنته مجموعات إرهابية سقط خلاله 4 قتلى في سيراسو غرب البلاد، كلهم من المتطوعين من أجل الدفاع عن الأمة، وهم متطوعون مدنيون في الجيش.

وأشار المصدر إلى أن الجيش نفّذ عمليات في أعقاب الهجومين أدت إلى مقتل زهاء 10 إرهابيين.

ووفقا للإحصائيات قتل في هجمات إرهابية في بوركينا فاسو وحدها منذ عام 2015 أكثر من 17 ألف قتيل بين مدني وعسكري، بحسب منظمة «أكليد» غير الحكومية التي تحصي ضحايا النزاعات.

قتلى في جيش النيجر

لم يقف الأمر عند آلاف القتلى في بوركينا فاسو، ففي النيجر وقع هجوم إرهابي في 16 أغسطس الماضي قتل على إثره 17 جنديا على الأقل وأصيب 20 آخرون في هجوم نفّذه مسلّحون يرجح أنهم متشددون قرب الحدود مع مالي، وفق ما أعلنت وزارة الدفاع في نيامي.

ووقت الهجوم قالت وزارة الدفاع في بيان لها إن “فرقة من القوات المسلحة النيجرية كانت تتحرك بين بوني وتورودي، وقعت ضحية كمين إرهابي عند أطراف بلدة كوتوغو” الواقعة قرب الحدود مع مالي في منطقة تيلابيري (جنوب غرب).

وأكد بيان الجيش النيجري أنه تمكّن في المقابل من “تدمير” أكثر من 100 دراجة نارية استخدمها المهاجمون “ما يعني تحييد أكثر من 100 إرهابي”.

الهجوم الأخير وقع بعد أيام قليلة من الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد تحديدا في  26 يوليو، وهو ما يبرهن وفق مراقبون على أن الانقلابات العسكرية التي تشهدها هذه المنطقة ربما تساهم في تصاعد العمليات الإرهابية، خصوصا بعد انسحاب البعثات الأمنية الدولية من بعض الدول.

ويستهدف المتشددون منذ سنوات المناطق الحدودية في كل من النيجر ونيجيريا ومالي وتشاد وبوركينا بالإضافة إلى تواجد كثير منهم في المناطق الصحراوية والجبلية الوعرة والتي توفر لهم بيئة حاضنة وتمركزات آمنة بعيدة عن استهداف القوات النظامية.

60 قتيلا في مالي

وقبل أسابيع قليلة من هذه الحوادث شهدت مالي هي الأخرى واقعة مؤسفة حيث أعلنت الحكومة العسكرية مقتل أكثر من 60 شخصا قتيلا في هجوم إرهابي في مالي، بالإضافة لإصابة آخرين.

ووقتها قال بيان صادر عن الحكومة المالية إن من بين الضحايا 49 مدنيا على الأقل و15 جنديا نظاميا.

ونفذ هذا الهجوم مسلحون إسلاميون مستهدفين قارب نهري ومعسكر للجيش في شمال شرقي البلاد،

ووفقا لوسائل إعلام وقتها أكدت مقتل 50 مسلحا من المهاجمين، وفقا لوسائل الإعلام المحلية.

ووفقا للمعلومات التي أعلنتها بعثة الأمم المتحدة في مالي فإنه من المفترض أن تنسحب القوات الأممية في نهاية العام الجاري، وتعتزم البعثة تسليم قواعدها لقوات الأمن المالية التي تقول إنها قادرة على فرض الأمن في البلاد.

ويشار إلى أنه جرى إنشاء بعثة الأمم المتحدة في مالي أعقاب الصراع الذي اندلع في البلاد عام 2012 مع المتطرفين الإسلاميين ومتمردي الطوارق في شمالي مالي.

ومنذ هذه الأحداث تشهد منطقة الساحل مواجهات بين القوات الحكومية والمجموعات المسلحة، والتي من بينها جماعة بوكو حرام والقاعدة في بلاد المغرب، وداعش وكلها مجموعات متطرفة تسعى لفرض سيطرتها على مناطق في هذه البلاد مستغلة تردي الأوضاع الأمنية هناك.

ويخشى مراقبون أن يؤدي عدم الاستقرار السياسي والفوضى الأمنية التي خلفتها الانقلابات العسكرية في الغرب الإفريقي إلى إعاقة الجهود الدولية المبذولة لوقف تمدد التنظيمات الإرهابية، في هذه المنطقة.

وفي المقابل يتشكك آخرون في قدرة السلطة المحلية في هذه البلدان في مواجهة التمدد الإرهابي خصوصا وأن القدرات العسكرية لكثير من هذه البلدان محدودة، حتى أن كثير منها تستعين بقوات دولية أو شركات عسكرية خاصة.

أبرز الجماعات الإرهابية في غرب أفريقيا

ومن بين أبرز المجموعات الإرهابية المتطرفة المنتشرة في هذه المنطقة جماعة بوكو حرام التي بدأ نشاطها في الظهور بشكل كبير من العام 2015، وتتركز أنشطتها بكثرة في نيجيريا والنيجر خصوصا قرب بحيرة تشاد، كما أنها كثيرا ما تنفذ هجمات في مدينتي  بوسو وديفا الحدوديتين.

ليس هذا فحسب بل تنتشر أيضا مجموعات متطرفة أعلنت ولائها لتنظيم داعش الإرهابي الذي انطلق من الصحراء العراقية، حيث تنتشر داعش قرب الحدود الغربية لدولة مالي، بالإضافة إلى تنفيذ هجمات أخرى في شمال مالي أيضا.

وخلال الفترة الماضية تحديدا منذ العام 2017 نفذ التنظيم هجمات في النيجر أيضا تسبب في سقوط عدد كبير من الضحايا.

الأمر لا يقف على الدواعش بل يوجد تنظيم القاعدة في النيجر أيضا حيث بدأ نشاطه  بشكل مكثف منذ العام 2021  ويعمل التنظيم تحت مسمى “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، ويتمركز في مناطق غرب البلاد، وكان أبرز أعماله ما وقع في أبريل 2021 حين هاجم قريتين نآيتين وأوقع أكثر من مائة قتيل.

مساعي دولية للتواجد عسكريا في أفريقيا

وخلال الفترة الماضية أطلقت الأمم المتحدة عمليات عسكرية لمواجهة الإرهاب في كثير من دول غرب أفريقيا، كما تلقت الدول الإفريقية دعما عسكريا كبير من الدول الأوروبية في مقدمتها فرنسا التي تعتبر نفسها صاحبة النفوذ الأكبر في هذه المنطقة بحكم أن غالبية دول الغرب الأفريقي كانت مستعمرات فرنسية في السابق، وهي دول أعضاء في منظمة الدول الناطقة بالفرنسية (فرانكفونية) والتي كان أشهرها عملية برخان التي أطلقتها باريس لمحاربة الإرهاب في مناطق الساحل والصحراء خصوصا في مالي.

وفي المقابل تم تفعيل القوة الإفريقية المشتركة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” والتي يبلغ قوامها 8 آلاف جندي، كما تم إنشاء بعثة التدريب التابعة للاتحاد الأوروبي في مالي.

كل هذه القوات باتت مهددة بالرحيل والرجوع إلى بلدانها بسبب الانقلابات العسكرية في هذه المناطق خصوصا وأن الاتحاد الأوروبي يرفض الاعتراف بالحكومات الانتقالية التي عينت في هذه البلدان كما أن تجمع إيكواس هدد في السابق بشن عملية عسكرية على النيجر، وهو ما رفضته دول مالي وبوركينا فاسو مهددة هي الأخرى بالوقوف بجانب عسكريو النيجر في هذه المواجهة لو تمت وهو ما يهدد بتفكيك تجمع إيكواس الذي كان يوصف في السابق بأنه أنجح تجمع اقتصادي في القارة نظرا لحالة التوافق التي نجح قادة الدول الأعضاء في الاتحادة في الوصول إليها.

الإرهاب بسبب الانقلابات العسكرية فى الغرب الإفريقي
الإرهاب بسبب الانقلابات العسكرية فى الغرب الإفريقي

ويرى مراقبون أن لجانب تنامي الإرهاب بسبب الانقلابات العسكرية في الغرب الإفريقي فمن المتوقع أن تزداد حالة التنافس الدولي في هذه المنطقة وهو ما يزيد من حالة عدم الاستقرار فيها خصوصا، وأن هناك مساعي روسية وصينية للتوغل في هذه البلدان، كما أن موسكو وبكين تسعيان لسحب البساط من تحت أقدام دول الاتحاد الأوروبي التي لها نفوذ تاريخي في هذه المنطقة.

وفي المقابل ترفض الولايات المتحدة هي الأخرى رفع أيديها عن هذه البلاد، خصوصا أنها في الفترة الماضية كانت تفوض حلفائها للدفاع عن مصالحها هناك لا سيما فرنسا وبريطانيا أما الآن فهناك توجه أمريكي لخلق حلفاء جدد في المنطقة أو التواجد على الأرض من خلال القواعد والبعثات العسكرية، أو حتى عبر قوات الافريكوم التي أنشأتها واشنطن خصيصا للدفاع عن مصالحها في القارة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى