بعد تعيين 9 ممثلين للأمين العام.. بعثات الأمم المتحدة في ليبيا.. «ضجيج بلا طحين»
خبير: الانقسامات الدولية ألقت بظلالها على الأزمة الليبية وتسببت في فشل الأمم المتحدة
عبد الغني دياب
منذ اندلاع الازمة الليبية في العام 2011 عقب سقوط نظام العقيد معمر القذافي، انخرطت الأمم المتحدة في تفاصيل الصراع في محاولة منها لإنهاء الأزمة وتقريب وجهات نظر الفرقاء الليبين، وصياغة تصور لحلحلة الأزمة، إذ جرى تعيين ثمانية مبعوثين لقيادة عملية المفاوضات بين الأطراف الليبية، إلا أن أي منهم لم ينجح حتى الآن فيما جرى تكليفه به.
وخلال هذه السنوات جرى تعيين دبلوماسيين دوليين من خلفيات ثقافية مختلفة، كان آخرهم السنغالي عبد الله باتيلي والذي لقي تعيينه ترحيبا كبير كونه إفريقي ومسلم في نفس الوقت وهو ما يجعله قريب من الثقافة الليبية المحلية وقادر على صياغة مقترحات قابلة للتنفيذ إلا أنه حتى الآن لم ينجح في ذلك، بل تتهمه بعض الأطراف الليبية بالانحياز تارة، والعمل على تقويض التوافق الجزئي الذي تم بين مجلس النواب والأعلى للدولة تارة أخرى، لتبقى الأزمة كما هي ودون حل حقيقي يرمي إلى استقرار دائم في البلاد.
في هذا التقرير ترصد” المصرية” أهم محطات عمل البعثة الأممية في ليبيا، وأبرز من قادوا البعثة الدولية، مع البحث عن أسباب فشل كل هذه البعثات في إتمام المصالحة الوطنية في البلاد التي مزقتها الحرب الأهلية، ولم تنجح حتى الآن من انتخاب حكومة موحدة.
بداية عمل الأمم المتحدة في ليبيا
بدأت أعمال البعثة الأممية رسميا في ليبيا منذ اتخاذ مجلس الأمن الدولي لقرار رقم 2009 لسنة 2011، والذي اتخذ في 16 سبتمبر 2011، ونص على إنشاء بعثة للأمم المتحدة للدعم في ليبيا تحـت قيادة الممثل الخاص للأمين العام لفترة أولية قدرها ثلاثة أشهر، وكان يفترض أن تكون مهمة هذه البعثة مساعدة ودعم الجهود الوطنية الليبية الرامية، استعادة الأمن والنظام العامين وتعزيز سيادة القانون في البلاد؛ إجراء حوار سياسي يضم الجميع، وتعزيز المصالحة الوطنية، والشروع في عملية وضع الدستور يمهد للعملية الانتخابية؛ والمساعدة في بسط سلطة الدولة، عبر وسائل منها تعزيز المؤسسات الناشئة الخاضعة للمـساءلة وتحسين الخدمات العامة؛ تعزيـز حقـوق الإنـسان وحمايتـها، لا سـيما بالنـسبة لمـن ينتمـون إلى الفئـات الضعيفة، ودعم العدالة الانتقالية.
وبناء على ذلك جرى تعيين عدد من المبعثويين الأممين في ليبيا وهم:
عبد الإله الخطيب أول المبعوثيين
جرى تعيينه في السادس من أبريل عام 2011، بقرار من الأمين العام للأمم المتحدة (آنذاك)، بان كي مون، وقبل تعيينه في المنصب الأممي شغل عبد الإله منصب وزير الخارجية الأردني ، إلا أنه لم يبق في مهمته أكثر من أربعة أشهر، وفشل في إتمام المهمة بسبب تصاعد حدة التوترات بين الفرقاء الليبين.
إيان مارتن ثاني مبعوث أممي في ليبيا
في 20 سبتمبر جرى تعيين الدبلوماسي البريطاني إيان مارتن رئيساً للبعثة الأممية للدعم في ليبيا، والدبلوماسي الإنجليزي شغل في السابق منصب الأمين العام لمنظمة العفو الدولية، وعمل مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة للتخطيط في فترة ما بعد النزاع في ليبيا، ورغم خبرته الواسعة في العمل الدولي إلا أنه ظل في منصبه حتى أكتوبر2012، وغادر المنصب بعد أقل من عام على تكليفه، ولم تحل الأزمة على يديه.
طارق متري.. لبناني على رأس البعثة
عقب رحيل مارتن، أوكلت الأمم المتحدة المهمة إلى الدبلوماسي والأكاديمي اللبناني، الدكتور طارق متري، والذي شغل من قبل منصب ووزير الإعلام اللبناني، ومع توليه المنصب تصاعدت الآمال كونه عربي، وتولى المهمة رسميا في أغسطس 2012 واستمرت ولايته قرابة سنتين.
ولقد أجرى متري مباحثات مكثفة مع جميع الأطراف الليبية في البلاد، ودعا إلى الحوار بينهم، لكن الحرب التي اندلعت بين طرابلس وبنغازي لم تمهله طويلاً.
ألف متري بعد ذلك كتاباً ضمنه تجربته في ليبيا، ونُسب له قوله «غادرت حين أصبحت مهمتي مستحيلة وفشلت في إقناع النخب السياسية بالتسوية. وطالتنا – نحن البعثة – التهديدات بالقتل».
برناردينو ليون.. إسباني يقود جهود التفاوض
وفي أغسطس 2014، عين الدبلوماسي الإسباني البارز برناردينو ليون على رأس البعثة الأممية في ليبيا، ونجح في تجميع غالبية الأطراف السياسية في البلاد لتوقيع الاتفاق السياسي الذي عقد في منتجع الصخيرات المغربي، في نوفمبر 2015، ووصفت الفترة التي تولى فيها ليون عمله بأنها الأصعب بين كل المبعوثين؛ إذ كان الاقتتال وتسلّط الميليشيات المسلحة على أشده في البلاد، ورغم توقيع الاتفاق وتعيين فائز السراج رئيس للحكومة الليبية المؤقتة إلا أن ليون غادر منصبه تاركاً وراءه حالة من الغضب بسبب ما وصف بالتقسيمات التي أحدثها اتفاق الصخيرات بدلا من إصلاح الموقف.
مارتن كوبلر.. إخفاق جديد للبعثة في ليبيا
بعد اتفاق الصخيرات جرى تعيين الألماني مارتن كوبلر، مبعوثا للأمم المتحدة في ليبيا، وكانت مهمته تتلخص في تطبيق اتفاق الصخيرات، لكن الدبلوماسي الألماني، الذي جرى تعيينه في الفترة من 17 نوفمبر 2015 لم ينجح في ذلك وغادر منصبه في 21 من يونيو، ووقتها أرجع سبب الإخفاق للخلافات المتصاعدة بين الأطراف الليبية التي ساهمت إلى حد كبير في إفشال الاتفاق.
غسان سلامة.. عربي جديد على رأس البعثة
بعد سلسلة الإخفاقات السابقة جرى تعيين الدكتور غسان سلامة، وهو مثل متري أكاديمي ووزير لبناني سابق،لكنه على عكس السابقين كاد أن ينجح في إحدث تقدماً ملحوظاً في ملفات المصالحة والحوار الوطني بين كثير من الأطراف والقبائل الليبية المتناحرة.
جرى تعيين سلامة في يونيو 2017، وبفضل جهوده تم إجراء بعض من التعديلات على اتفاق الصخيرات، وبفضل هذه الخطوة كان قد أوشك على إتمام عمله، وتوحيد حكومة البلاد، لكن سرعان ما اندلعت العملية العسكرية في البلاد حين أعلن الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر الحرب على الجماعات المسلحة في البلاد والزحف نحو طرابلس، وهو ما تسبب في تعطيل خطة سلامة الأممية الرامية إلى إجراء انتخابات نيابية ورئاسية في البلاد.
ستيفاني وليامز ممثلا بالإنابة
وعقب استقالة سلامة علن الأمين العام للأمم المتحدة، السيّد أنطونيو غوتيريش، تعيين ستيفاني توركو وليامز، من الولايات المتحدة، كممثلة خاصة بالإنابة ورئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل).
وجاء ذلك عقب استقالة غسّان سلامة الذي أعلن تنحيه بسبب حالته الصحية، ووقتها تسلمت ستيفاني وليامز منصبها كممثلة خاصة بالإنابة إلى حين تعيين بديل للسيّد سلامة.
كوبيش على رأس البعثة
في 18 يناير من العام 2021، أعلن الأمين العام تعيين يان كوبيش مبعوثا خاصا له إلى ليبيا ورئيسا لبعثة الأمم المتحدة هناك. وأبدى الأمين العام امتنانه للقيادة الفائقة التي أظهرتها القائمة بأعمال رئيس البعثة ستيفاني وليامز في دفع العملية السياسية في ليبيا إلى الأمام.
كوبيش، شغل قبل تعيينه عددا من المنصب كان آخرها المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان منذ عام 2019، وهو دبلوماسي يتمتع بخبرة ممتدة لسنوات عديدة في مجال الدبلوماسية والسياسات الأمنية الخارجية والعلاقات الاقتصادية الدولية على الصعيد العالمي وفي وطنه سلوفاكيا.
وعمل كوبيش من قبل ممثلا خاصا للأمين العام ورئيسا لبعثة الأمم المتحدة للمساعدة في العراق بين عامي 2015 و2018، ورئيسا للبعثة الأممية في أفغانستان بين 2011 و2015، والأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لأوروبا (2009-2011) كما كان وزيرا لخارجية سلوفاكيا بين عامي 2006 و2009.
عبدالله باتيلي.. إفريقي في مهمة مستحيلة
بعد استقالة كوبيش أعلن الأمين العام للأمم المتحدة تعيين السنغالي عبد الله باتيلي ممثلا خاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وذلك في 25 سبتمبر 2022، وحتى الآن.
ووصل باتيلي إلى هذا المنصب بخبرة تربو على أربعين عاماً عمل خلالها مع حكومة بلاده والمؤسسات الأكاديمية والمنظمات الإقليمية ومنظومة الأمم المتحدة، وفي آخر مهمة له مع الأمم المتحدة، عمل في العام 2021 بصفة خبير مستقل في المراجعة الاستراتيجية لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
وشغل في السابق منصب نائب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (2013-2014) والممثل الخاص لوسط إفريقيا ورئيس المكتب الإقليمي للأمم المتحدة في وسط إفريقيا في الغابون (2014-2016)، وعيُن في العام 2018 مستشاراً خاصاً للأمين العام بشأن مدغشقر وفي 2019 عُيّن خبيراً مستقلاً للمراجعة الاستراتيجية لمكتب الأمم المتحدة في غرب إفريقيا.
وشغل باتيلي عدة مواقع وزارية في الحكومة السنغالية، أبرزها عمله كوزير أول في مكتب الرئيس والمكلف بالشؤون الإفريقية (2012-2013) ووزير الطاقة والمياه (2000-2001) ووزير البيئة وحماية الطبيعة (1993 – 1998)، وبعد انتخابه لعضوية الجمعية الوطنية للسنغال في 1998، شغل منصب نائب رئيس الجمعية في الفترة 2001-2006، كما انتخب أيضاً لعضوية الجمعية الاقتصادية لبرلمان دول غرب إفريقيا (2002-2006).
وبعد اكتسابه خبرة في تدريس التاريخ لما يربو على الثلاثين عاماً في جامعة شيخ أنتا ديوب في السنغال، عمل محاضراً في عدد من الجامعات في جميع أنحاء العالم، يحمل السيد باتيلي شهادة دكتوراه الفلسفة في التاريخ من جامعة برمنغهام في المملكة المتحدة بالإضافة إلى درجة الدكتوراه من جامعة شيخ أنتا ديوب، ويجيد السيد باتيلي من اللغات الإنجليزية والفرنسية والسونينكية والولوفية.
المجتمع الدولي لا يتهم بمأساة الليبيين
وتعليقا على أداء البعثة الأممية في ليبيا يقول الباحث في الشأن الليبي، محمد فتحي الشريف، إنه للأسف سبب إخفاق البعثة الأممية في ليبيا هو عدم حياديتها وخضوعها في كثير من الأحيان لمصالح بعض الأطراف الدولية، خصوصا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أنه كثير ما أثيرت أزمة داخل مجلس الأمن حول أداء البعثة، أو اعتراضات على من يقود البعثة، كانت أبرزها وقت وجود ستيفاني وليامز التي اتهمت من قبل روسيا دوما بأنها تعمل لتوطيد مصالح أمريكا في ليبيا.
وأشار إلى أن المجتمع الدولي لا يهتم بما يحدث للشعب الليبي ويهمه تأمين مصالح الدول الكبرى في ليبيا فقط، وهذا ما يجعل مهمة البعثة الأممية في ليبيا مستحيلة.
وقال في تصريحات خاصة لـ “المصرية”، إن الحل في ليبيا لابد أن يكون ليبيا ليبيا، لكن طالما أن الأطراف الليبية لم تصل لهذه النقطة فلا تحل الأزمة، خصوصا وأن بعض الأطراف لا تزال مرتهنة لبعض الأطراف الدولية والإقليمية وتعمل لتحقيق مصالح خاصة على حساب الدولة الليبية، وفق قوله.
وشدد الشريف على أن المبعوثيين الأمميين كلهم حاولوا البداية من نقطة الصفر، ولم يأت أي منهم ليقرر البناء على ما تم بل في كل مرة كان يقترح المبعوث الأممي عملية سياسية جديدة، ويقترح تشكيل لجان وهيئات جديدة، وهو ما تسبب في تعميق الانقسام وتعدد أطراف التفاوض.
وأشار إلى أن ليبيا تحتاج إلى مصالحة وطنية حقيقة، يتبعها توحيد كامل للمؤسسات السيادية لاسيما القوات المسلحة والشرطة ووزارة المالية، ومن بعد ذلك يمكن إطلاق انتخابات وطنية يسمح فيها للجميع بالتمثيل ودون إقصاء أحد طالما لم يتورط في دماء الليبين، وليس مطلوبا للقضاء.