مقالات

محمد ترك يكتب .. التاروت والتنجيم: بين الخرافة والنصب الإلكتروني في المجتمع العربي

محمد ترك يكتب .. التاروت والتنجيم: بين الخرافة والنصب الإلكتروني في المجتمع العربي
محمد ترك

بقلم: محمد ترك

في العصر الرقمي، شهد العالم تطورًا هائلًا في وسائل التواصل والانفتاح الثقافي، مما سمح بانتشار أفكار وممارسات جديدة كانت محصورة سابقًا في مناطق أو ثقافات محددة. من بين هذه الظواهر، يبرز التاروت والتنجيم كأدوات أصبحت شائعة بين فئات مختلفة في المجتمع العربي، سواء لأغراض التسلية أو البحث عن إجابات غيبية. ومع ذلك، استغل بعض الأشخاص هذه الظواهر لتحقيق مكاسب مادية غير مشروعة، مما أدى إلى انتشار ظاهرة النصب الإلكتروني.

ما هو التاروت والتنجيم؟

 التاروت:
التاروت عبارة عن بطاقات تُستخدم لقراءة الطالع أو تحليل الشخصية. تعود أصولها إلى أوروبا في القرن الخامس عشر، لكنها تطورت لتصبح أداة تستعمل في التنبؤ بالمستقبل أو تقديم استشارات روحانية.

التنجيم:
يعتمد التنجيم على دراسة مواقع الكواكب والنجوم وتأثيرها المفترض على حياة البشر. يُعتقد أنه يقدم توقعات شخصية أو عامة بناءً على توقيت الميلاد أو الأحداث الفلكية.

النصب الإلكتروني من خلال التاروت والتنجيم

في ظل الإقبال المتزايد على هذه الممارسات، أصبحت منصات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بيئة خصبة للنصب والاحتيال. يعتمد المحتالون على استغلال الفضول البشري والرغبة في معرفة المستقبل، خاصة في ظل ظروف اقتصادية ونفسية ضاغطة.

أدوات النصب الإلكتروني:

 صفحات التواصل الاجتماعي:
ينشئ المحتالون صفحات تقدم خدمات قراءة التاروت أو إعداد الخرائط الفلكية بأسعار مغرية. يتم استدراج الضحايا عبر عروض مجانية أولية ثم طلب مبالغ باهظة لاحقًا.

 التطبيقات الإلكترونية:
ظهرت تطبيقات توفر خدمات قراءة الطالع أو إعداد توقعات فلكية، وغالبًا ما تطلب اشتراكات شهرية مرتفعة أو دفعات للحصول على “معلومات دقيقة”.

 التلاعب النفسي:
يعتمد المحتالون على فهمهم لاحتياجات الضحايا، مثل البحث عن حلول لمشاكل عاطفية، مالية، أو صحية. يستغلون نقاط الضعف لتحقيق مكاسب مالية أو للحصول على معلومات شخصية تُستخدم في الابتزاز لاحقًا.

أثر هذه الظاهرة على المجتمع العربي

الضرر الاقتصادي:
يتعرض الكثيرون لخسائر مالية كبيرة نتيجة تصديق الوعود الكاذبة وشراء خدمات وهمية.

 التأثير النفسي:
يعتمد النصب على اللعب بمشاعر الأمل والخوف، مما يترك الضحايا في حالة من الإحباط والندم.

 تشويه القيم الثقافية والدينية:
يعارض الكثيرون هذه الممارسات لأنها تتنافى مع المبادئ الدينية والثقافية في المجتمع العربي. انتشارها يهدد بتغيير مفاهيم الإيمان بالقضاء والقدر.

 الإضرار بالعلاقات الاجتماعية:
يلجأ البعض إلى التنجيم أو التاروت لاتخاذ قرارات حياتية مهمة، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلات الأسرية أو المهنية.

المنظور الإسلامي للتنجيم والتاروت

يُعتبر التنجيم وادعاء معرفة الغيب من الممارسات المحرمة في الإسلام، وقد وردت في ذلك آيات قرآنية وأحاديث نبوية تحذر من هذه الأعمال:

 القرآن الكريم:

قال الله تعالى: “قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ” [النمل: 65].

وقال سبحانه: “وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ” [الأنعام: 59].

 الأحاديث النبوية:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يومًا” [صحيح مسلم].

وقال صلى الله عليه وسلم: “من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد” [رواه أبو داود بإسناد صحيح] .

وقال أيضًا: “من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد” [رواه أحمد].

كيفية التصدي لهذه الظاهرة

التوعية:

نشر الوعي حول أساليب النصب الإلكتروني وكيفية حماية النفس من الوقوع في الفخ.

توضيح حقيقة التاروت والتنجيم من منظور علمي وديني.

الرقابة على المحتوى الإلكتروني:

فرض قوانين صارمة لمنع إنشاء صفحات أو تطبيقات تروج للنصب.

الإبلاغ عن المحتالين عبر المنصات الإلكترونية.

 تعزيز الإيمان بالعلم والعقلانية:

تشجيع التفكير النقدي لتفادي الانسياق وراء الإعلانات المغرية.

توفير بدائل نفسية وعلاجية للفئات التي تبحث عن حلول لمشاكلها.

 دور المؤسسات الدينية والثقافية:

توضيح الموقف الديني من هذه الممارسات.

تقديم محتوى تثقيفي يبرز أهمية الثقة بالقضاء والقدر.

إن التاروت والتنجيم ليسا سوى انعكاس لحاجة البشر للبحث عن إجابات في أوقات الشك والتوتر. لكن استغلال هذه الحاجة في النصب الإلكتروني يعد جريمة أخلاقية وقانونية. يجب على المجتمع العربي تعزيز الوعي ومواجهة هذه الظاهرة من خلال التعليم والتثقيف، مع التأكيد على أهمية الإيمان بالقيم العلمية والدينية لحماية الأفراد والمجتمع من الوقوع ضحية لهذه الممارسات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى