مقالات

محمود سعيد يكتب: مخاض نظام عالمي جديد

مصر لن تقبل بأقل من دولة فلسطينية
رئيس التحرير أ. محمود سعيد

بقلم محمود سعيد 

محمود سعيد يكتب: مخاض نظام عالمي

يقف المرء حائرًا أمام كمٍ هائلٍ من المتغيرات العالمية الجارية في عالمٍ أصبح يتشكّل بتحولاتٍ كبرى يتصارع فيها الأضداد وتتنافس الأقطاب، ما بين فتح دفاتر الحسابات الجيوسياسية، وخلط الأوراق، وشن الحروب المُستعارة التي تومض نارًا تحت الرماد وترسم مستقبل القرن الحالي.

ففي أقصى شرق آسيا، تتلاطم أمواج من التوتر بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، في نزاع استراتيجي على تايوان ببحر الصين الجنوبي، تلك الحديقة الخلفية للتنين الصيني والتي تعد أغلى بيدق على رقعة الشطرنج الدولي بين الشرق والغرب، فبكين تراها جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، بينما تنظر إليها واشنطن المُتحالفة مع الحكومة التايوانية على أنها موطئ قدم لمحاصرة التمدد الصيني.

ومع الدعم الأمريكي لتايوان، تحولت الأخيرة إلى خاصرة موجعة للصينيين، نظرًا لوجود أكثر من 328 مليار دولار شراكة صينية تايوانية، و60 مليار دولار استثمارات تايوانية في الصين، فضلًا عن كون مضيق تايوان عنق زجاجة بالنسبة للصين، حيث يعبر منه 65% من تجارة الصين الخارجية، و5.3 تريليون دولار من تجارة العالم، الأمر الذي دفع واشنطن لمساومة الصين على تايوان، في ظل الحرب الروسية الأوكرانية لمحاولة فك الارتباط بين بكين وموسكو، لكنّ الصينيين ردوا بتعزيز وجودهم العسكري في بحر الصين الجنوبي، وهذا ما قابله الأمريكان أيضًا بإرسال غواصات نووية للمنطقة الآخذة في العسكرة، بجانب تفعيل حلفي «أوكوس» و«كواد»، وإصدار قانون «شيبس والعلوم» المُتمثل في إيجاد بديل للرقائق الإلكترونية الصينية.

من بحر الصين إلى بحر البلطيق، الذي يعد حاليًا أحد أخطر البؤر الجيوسياسية على وجه الأرض، والذي قد يتحول في أي وقت إلى «ساحة معركة» حامية الوطيس لم تشهدها هذه المنطقة منذ أوزار الحرب العالمية، حيث يأتي انضمام فنلندا للناتو، وبعدها السويد، طعنة في ظهر روسيا، لأنها ستحرم الروس من المياه الدولية على بحر البلطيق، وتحوله فعليًا إلى «بحيرة أطلسية»، كونه منطقة مائية تحدها روسيا و8 دول أوروبية، ومع انضمام فنلندا والسويد للناتو، يتسع المجال الحيوي للحلف، وبالتالي لم يعد أمام السفن الروسية مياه دولية بهذا البحر.

ومع انعدام المياه الدولية أمام موسكو، مقابل توسعة المجال الحيوي للناتو، سيؤدي ذلك إلى حرمان الأسطول الروسي من عبوره الآمن ببحر البلطيق، في الوقت الذي تتحكم خلاله السويد والدنمارك بمضيق أوريسند، وهو الممر الأساسي للخروج من منطقة البلطيق إلى خليج كاتيغات وبحر الشمال، بينما ستتحول الأراضي الفنلندية إلى تهديد مباشر للعمق الروسي، حيت تتماس البلدان، بحدود برية بأكثر من 1340 كيلومترًا، الأمر الذي يعني أن الناتو سيكون عمليًا كاشفًا للقوات الروسية عسكريًا، ويجبر الروس على التحول للدفاع بدلًا من الهجوم.

ومن بحر البلطيق إلى شرق البحر المتوسط، تأتي حرب غزة لتفرض تحولات جديدة على ساحة التحولات العالمية، في الوقت الذي سعت خلاله الولايات المتحدة، لإيجاد مشروع تجاري عالمي بديل لمشروع الحزام والطريق أو طريق الحرير الصيني، حيث يمتد الخط الأمريكي من الهند إلى دول الخليج، ثم إلى إسرائيل، ومنها إلى البحر المتوسط وأوروبا، وبالطبع هذا التوجه الجديد فرض على واشنطن، الوساطة بين دول الخليج وإسرائيل، فضلًا عن محاولة تصفية القضية الفلسطينية لضمان أمن الدولة العبرية، ولدعم مشروع خط الهند الجديد، والذي يتضمن تهجير الفلسطينيين من غزة.

لكن المشروع الأمريكي الإسرائيلي لاقى صدمتين، الأولى بإعلان مصر عن تدشين خط سكك حديد بين ميناءي طابا والعريش، الموازي لمقترح الخط الإسرائيلي، ثم اندلاع عملية طوفان الأقصى، التي جعلت واشنطن وتل أبيب، عاجزتين عن الإجابة عن احتمالية مواجهة حرب إقليمية شاملة لا تبقي ولا تذر، ما دفع واشنطن للعسكرة ببوارجها وحاملتي طائراتها بشرق المتوسط، لحماية أمن إسرائيل والمشاريع والتحولات الجيوستراتيجية الجديدة.

ويبقى التساؤل: كيف سيبدو شكل الشرق الأوسط وسط تنافر المشاريع الشرقية والغربية ويقظة مجموعة البريكس؟، ولمن ستكون الغلبة الاقتصادية والجيوسياسية؟، وإلى أي حلف ستميل مصالح الدول العربية؟..

ننتظر الأيام وسنرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى